ستشهد تونس خلال الفترة المقبلة زيادة غير مسبوقة في عدد الرحلات الجوية من روسيا وإليها، وذلك لضمان التدفق المنتظر للسياح الروس إلى المناطق التونسية خلال الموسم السياحي الصيفي الذي ينطلق مع نهاية شهر أيار (مايو) وينتهي في شهر أيلول (سبتمبر) 2024، وقد يمتد إلى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في ظل الاحتباس الحراري الذي تشهده البلاد منذ سنوات.
وستؤمّن هذه الرحلات شركات طيران روسية وتونسية، بخاصة أنّ الموسم السياحي يتزامن مع العطلة المدرسية والجامعية في روسيا وعودة الطلبة التونسيين الذين يزاولون دراستهم في الجامعات الروسية إلى تونس لقضاء الإجازة الصيفية.
وكان رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني قد أشرف قبل شهرين تقريباً في قصر الحكومة بالقصبة، على مجلس وزاري مصغّر خُصّص للنظر في ملف السوق السياحية الروسية، وذلك بحضور وزراء المالية، الاقتصاد والتخطيط، والتجارة وتنمية الصادرات، والنقل، والسياحة وكاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج. وخُصّص هذا المجلس للنظر في مقترحات وزارتي السياحة والنقل الرامية إلى استعادة نسق السوق السياحية الروسية التي غابت عن الوجهة السياحية التونسية بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، وموقف تونس المساند لأوكرانيا في هذه الحرب.
حيوية دبلوماسية
المياه عادت إلى مجاريها على ما يبدو بين تونس وموسكو، وذلك بعد تلكؤ إدارة صندوق النقد الدولي في الموافقة على إقراض تونس، رغم أنّ مجلس خبراء هذا الصندوق وافق في وقت سابق على قرض طلبته بعدما استجابت لأغلب مطالب الصندوق. وتجسّد التقارب بزيارة أجراها وزير الخارجية التونسي نبيل عمار لموسكو، وزيارة أخرى أجراها لتونس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وأكّد خلالها تثمينه لمواقف تونس خلال الحرب الباردة، إذ بقيت ضمن دول عدم الانحياز ولم تنخرط في الأحلاف المعادية لموسكو.
كما تمّت دعوة الرئيس التونسي قيس سعيّد لزيارة العاصمة الروسية موسكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتن لزيارة العاصمة التونسية، ولم يتم تحديد موعد الزيارتين في انتظار حصولهما في الوقت الذي يناسب مصلحة الطرفين. ولو تمّت الزيارتان أو إحداهما ستكون سابقة في تاريخ العلاقة بين البلدين، إذ لم يسبق لرئيس تونسي أن زار موسكو ولا لرئيس روسي أن زار تونس، التي رغم انخراطها في مجموعة دول عدم الإنحياز إلّا أنّها كانت تسعى إلى تطوير علاقاتها مع الغرب خلال الحرب الباردة.
تنويع الشراكات
وفي هذا الإطار، يؤكّد الباحث التونسي في الاقتصاد عماد بالرابح في حديث لـ"النهار العربي" أنّ حرص المجلس الوزاري التونسي الذي انعقد مع بداية هذا العام على التوجّه نحو استرجاع نسق السوق السياحية الروسية، مع دعوة وزارتي السياحة والنقل لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتجسيد هذا التوجه بما يعزز تدفق السياح الروس نحو تونس خلال هذا الصيف، مثلما جاء في البيان الصادر إثر الاجتماع، يؤكّد أنّ ثمة تدفقاً متوقعاً للسياح الروس على تونس.
كما يؤكّد هذا الحرص، برأي الخبير الاقتصادي التونسي، على أنّ ثمة معلومات أكيدة بأنّ الجانب الروسي أعطى تعليماته داخلياً بضرورة التركيز على الوجهة التونسية وزيادة عدد السياح الروس المتوجّهين إلى تونس مع زيادة أعداد الرحلات المنظمة والعرضية أو "الشارتر" باتجاه المطارات التونسية.
ويضيف: "ثمة توجّه تونسي جديد نحو تنويع الشراكات وعدم الاقتصار على الحلفاء التقليديين، أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بخاصة بعدما تلكأت إدارة صندوق النقد الدولي في الموافقة على قرض طلبته تونس ووافق عليه مجلس خبراء الصندوق. وتُعتبر روسيا حليفاً مثالياً لديه ما تحتاجه تونس ومن ذلك العدد المهم من السياح الباحثين عن دفء المتوسط، والقمح الذي تعاني تونس نقصاً فادحاً في انتاجه بسبب الاحتباس الحراري في السنوات الأخيرة، وأيضاً الغاز بعد تراجع إنتاج الكثير من حقول الغاز التونسية".
ولا يقتصر التوجّه الجديد لتونس في الانفتاح على شركاء جدد على روسيا فقط، بل يشمل أيضاً الصين التي بدأت إنجازاتها تبرز في تونس بعد انخراط البلاد في مسار الحزام والطريق الصيني، أو طريق الحرير كما يسمّيه البعض، إذ شيّدت الصين مستشفى جامعياً جديداً في مدينة صفاقس ومركزاً شبابياً ورياضياً في ضواحي العاصمة وأكاديمية دبلوماسية وغيرها. كما ستشرع قريباً شركة صينية في تهيئة استغلال المنجم الجديد للفوسفات بولاية الكاف، وستشرع شركة أخرى في تشييد جسر بحري عملاق يربط مدينة بنزرت بالطريق السيارة للعاصمة، إضافة إلى إعادة تهيئة الملاعب الرياضية التونسية وعلى رأسها ملعب المنزه.