قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن الكيان المغاربي المزمع إنشاؤه بين بلاده وكل من تونس وليبيا، غير موجه ضد أي دولة في المنطقة، وإن "أبواب هذا التكتل مفتوحة لجيراننا في الغرب" في إشارة مباشرة إلى المغرب.
واعتبر مراقبون أن حديث تبون يعد دعوة غير مباشرة للرباط للالتحاق بهذا المسعى، وإشارات إيجابية من الجزائر لتقارب ممكن بين البلدين.
وتعيش العلاقات الجزائرية - المغربية أحلك سنواتها بفعل "الصدامات" الدبلوماسية المتكررة، آخرها أزمة العقارات التي زادت التوتر حدة، إذ اندلعت سجالات جديدة بعدما أصدرت الجزائر في 17 آذار (مارس) المنصرم، بياناً شديد اللهجة، رداً على "مصادرة السلطات المغربية ممتلكات تابعة لسفارتها في الرباط"، غير أن الأزمة، وعلى غير العادة، لم تعمر طويلاً، إذ أعلن وزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف، بعد أسبوع واحد، أن "الأمر المتعلق بمصادرة ممتلكات سفارة الجزائر في المغرب انتهى"، بعد اتخاذ المغرب لموقف تم اعتباره لائقاً، وفق ما أكدته وكالة الأنباء الجزائرية.
إعلان عطاف انتهاء "أزمة العقارات" بهذا الشكل وبهذه التعبيرات يعد نادراً، وخصوصاً منذ قطع العلاقات في آب (أغسطس) 2021، ليضاف ذلك إلى فتح الرئيس الجزائري الباب أمام الرباط للانضمام إلى "التكتل المغاربي الجديد". أمر يصفه متابعون بالمؤشرات الإيجابية الرامية إلى تخفيف حدة التوتر الحاصل بين الجارين المغاربيين، بخاصة أن تبون وللمرة الأولى منذ اعتلائه سدة الحكم في الجزائر قبل ما يقارب الـ5 سنوات، تحاشى الحديث عن قضية الصحراء الغربية خلال لقائه الإعلامي الأخير مع الصحافة الجزائرية، وهي القضية الأم في صلب الصراع بين الجزائر والرباط؛ وذهب الرئيس الجزائري إلى أبعد من ذلك حين قال إنه لا يريد الحديث عن مزيد من "التشرذم العربي".
"اليد الممدودة"
يلفت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر عبد القادر دهار، إلى أن الحديث الأخير لتبون يمكن وضعه في خانة الدبلوماسية المرنة، قائلاً إن "السياسة الجزائرية لم تكن يوماً عدائية ضد أي دولة من دول العالم بخاصة مع جيرانها".
ويرى دهار في اتصال مع "النهار العربي" أن الحديث عن تقارب وشيك مستبعد، بخاصة أن أسباب التوتر لا تزال قائمة بين النظامين الجزائري والمغربي، مشيراً إلى إمكانية أن "نشهد هدوءاً في التصريحات بين مسؤولي البلدين خلال الأشهر المقبلة"، واصفاً ذلك الهدوء بالحذر.
ويعتقد الأستاذ الجامعي أن فتح الباب أمام الرباط للانضمام إلى اللقاءات المزمع عقدها كل 3 أشهر بين رؤساء كل من الجزائر وتونس وليبيا، بمثابة "يد ممدودة" من الجزائر نحو المغرب، و"حسن نية تبديها السلطات الجزائرية لإيجاد ديناميكية اقتصادية تخرج الاتحاد المغاربي عن تشرذمه الحالي، وتتغلب على أوجه القصور في العلاقات السياسية والسير بالدول المغاربية نحو براغماتية اقتصادية تمكنها من مواجهة التحديات الخارجية باقتصاد مغاربي ناجع".
ويضيف أن الجزائر كثيراً ما دعت إلى رأب الصدع السياسي بينها وبين الرباط وبين مجموع الدول المغاربية، والالتفات إلى الأهمية الاقتصادية للتكتل المغاربي، وهو ما لم يحدث برغم المبادرات العديدة منذ إنشاء اتحاد المغرب العربي بزرالدة في الجزائر عام 1989.
تحوّل في الخطاب
ويرى متابعون أن تكرار الرئيس الجزائري حديثه عن مبادرة التنسيق بين الدول الثلاث، الجزائر وتونس وليبيا، وأنها غير موجهة ضد أي دولة مغاربية أخرى، يُفهم منه تحولٌ في نبرة الخطاب حيال الجارة الغربية.
وفي هذا الخصوص، كتب الإعلامي المتابع للشأن السياسي عثمان لحياني، أن تحولاً مهماً طرأ في "مفردات الخطاب، وانتصار مغاربي تفرضه الظروف وتتقاسمه الشعوب قبل الحكومات".
وأشار إلى أن "روحاً حاضرة تنحاز إلى الإيجابية وأقرب إلى المعنى التصالحي" من الجزائر حيال المغرب، مضيفاً أن "عقلنة الأزمات أمر جيد، وكلما حضرت الروح الإيجابية وطغت على الخطاب السياسي كان هذا أسلم تعبيراً عن القوة والقدرة السياسية، وأفضل من الخطاب المتشنّج".
ويقول لحياني إن طرفاً مغربياً أراد التشويش على "مساع حميدة" صاحبت أزمة عقارات السفارة الجزائرية في الرباط، وتم تداول الأمر على نطاق ضيق، غير أن الأزمة أنهيت برضا الطرفين وهذا في ذاته "مؤشر على أنه متى جرى الاحتكام إلى العقلانية والهدوء، كان ذلك أسلم لكل الأطراف".
جهود للتقارب
ومنذ اندلاع الأزمة بشكل علني قبل نحو ثلاث سنوات، تحاول بعض الأطراف الدخول على خط التقريب بين وجهات النظر في كلا النظامين الجزائري والمغربي، غير أنها محاولات باءت بالفشل، لتعود مساعي هذه الأطراف وأخرى، خلال الأشهر الأخيرة، في مسعى للجم التشنج والحيلولة دون مزيد من التوترات بين البلدين.
والمؤكد حسب المصادر نفسها، أن هذه المساعي قابلها النظامان بشيء من الإيجابية عكس المرات السابقة، في منحى نحو إبداء حسن النوايا ووقف الصدامات الدبلوماسية البينية على كل المستويات.