أسدلت تونس الستار على المسار الانتخابي وفق ما نص عليه دستور البلاد الجديد لعام 2022.
والخميس أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن تركيبة الغرفة التشريعية الثانية أو "مجلس الجهات والأقاليم" كما جاءت تسميته في الدستور التونسي.
وصادق مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأربعاء 3 نيسان (أبريل) 2024، على النتائج النهائية لانتخابات أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم وتركيبة الغرفة البرلمانية الثانية.
والمجلس الوطني للجهات والأقاليم هو الغرفة التشريعية الثانية في تونس وفق نظامها الجديد، وهذه المرة الأولى التي تعتمد فيها تونس تجربة الغرفتين بشكلها الحالي، مع أنها عرفت سابقاً تجربة العمل بنظام الغرفتين أيام حكم الرئيس زين العابدين بن علي من خلال مجلس للنواب وآخر للمستشارين، لكن أعضاء هذا الأخير كانوا معينين لا منتخبين كما هي الحال مع المجلس الجديد.
ممن تتكون الغرفة التشريعية الثانية؟
يتكون المجلس الوطني للجهات والأقاليم من 77 عضواً موزعين بين ثلاثة أعضاء مجلس جهوي عن كل ولاية (محافظة) من ولايات الجمهورية التونسية (24 ولاية)، وعضو واحد عن كل إقليم من أقاليم البلاد (5 أقاليم).
وستَشْرع الغرفة الثانية في ممارسة مهامها الدستورية في حدود منتصف أو نهاية نيسان الجاري، وفق ما أكده رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، والذي أشار في تصريحات إعلامية إلى أن النص القانوني المنظم لعمل الغرفتين الأولى والثانية سيصدر على أقصى تقدير بعد تنصيب الغرفة الثانية، لافتاً إلى أنه آن الأوان لصدوره.
صلاحيات غامضة
وكانت انتقادات كثيرة وجهت لهذه الغرفة التشريعية الجديدة التي لم تصدر بعد النصوص القانونية الموضحة للمسائل العديدة المتعلقة بها، مما يجعل من مهامها ودورها وصلاحياتها وعلاقتها بالغرفة التشريعية الأولى والمجالس المحلية غامضة.
وهاجم خصوم الرئيس التونسي قيس سعيد النظام الجديد مؤكدين أنه خاطه على مقاس برنامجه السياسي القائم على البناء القاعدي، لكنه دافع عن هذا الخيار مؤكداً أن دولاً عديدة تعتمد هذه التجربة.
وعن صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم، قال الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات التليلي المنصري لـ"النهار العربي" إن الدستور يحددها من الفصل 81 إلى 84 ويحدد أيضاً طبيعة علاقته مع مجلس نواب الشعب، مضيفاً أن صلاحياته اقتصادية تنموية بالأساس "تتمثل في المصادقة على مشروع ميزانية الدولة والمصادقة الثانوية مع البرلمان على المعاهدات الدولية، كما يمكنه مساءلة الوزراء وإصدار لائحة لوم للحكومة".
لكن الخبير في التنمية حسين الرحيلي يقول لـ"النهار العربي" إن المواطن التونسي لا يعلم عن هذه الغرفة الكثير، موضحاً أن ثمة فصلين قانونيين يتحدثان عنها دون توضيح مهامها أو دورها أو صلاحياتها أو كيفية عملها وعلاقتها بالغرفة التشريعية الأولى وبالمجالس المحلية، متوقعاً أن يحدث تضارب بين الغرفتين.
ويضيف أن القانون العضوي للمصادقة على الموازنة لا يتحدث بأي شكل عن هذه الغرفة، وهنا يطرح المتحدث أسئلة عديدة عن دورها في هذه العملية، ومنها "هل سيكون بالتوازي مع نظر مجلس النواب فيها أم قبله أم بعده؟".
غير أن الرئيس سعيد عاد السبت ليتحدث عن هذا الإشكال، مؤكداً أنه سيتم إتباع حلول تونسية خالصة لتفادي التعارض بين مهام المجلس الوطني للجهات والأقاليم والمجالس المحلية، معلناً أنه سيتم وضع قانون منظم لهذه المجالس.
أي دور في التنمية؟
تعتبر التنمية من أبرز مهام الغرفة التشريعية الثانية وفق الدستور.
وأوضح سعيد أن "وضع مجلس الجهات والأقاليم جاء لتحقيق الاندماج بين كل الجهات"، معتبراً أن "من كان مهمشاً يمكن أن يصبح صانعاً للقرار حتى تكون كل جهة ممثلة تمثيلاً يعبر عن إرادة كل الأقاليم".
وكانت برامج كل نواب الغرفة التشريعية الثانية قائمة على وعود بالتنمية، لكن هذه الوعود التي يعلق عليها التونسيون آمالاً كبيرة تصطدم من جهة بمؤشرات سلبية أعلن عنها مع المصادقة على تركيبة هذه الغرفة، إذ كشف معهد الإحصاء الحكومي عن تراجع نسبة التنمية في البلد إلى 0.4 بالمئة وارتفاع نسب البطالة والفقر، وبهامش تحركها في هذا المجال من ناحية ثانية.
ويقول الخبير التونسي إن من صلاحيات الغرفة التشريعية الثانية بحسب النص اليتيم الذي تحدث عنها المصادقة على المخططات التنموية، لكنه يوضح أن تونس تخلت عن هذه المخططات منذ عام 1995 بعدما بدأت في اعتماد الاقتصاد الحر إثر اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وانخراط تونس في منظمة التجارة العالمية.
ويتابع: "عدنا في السنوات الأخيرة لاعتماد المخططات من خلال مخطط 2016-2020 ومخطط 2023-2025'' وهي ''مخططات انشائية''، وفق تقديره.
ويقول الرحيلي إن الدستور الجديد ينص على مركزة القرار السياسي والتنموي بيد الرئيس الذي هو من يضع كل المخططات. وهنا يتساءل عن هامش تحرك الغرفة التشريعية الثانية في مجال التنمية، مشيراً إلى أنها لا تمثل إلا 77 عمادة (منطقة ترابية صغيرة) من مجموع 2000 عمادة وبالتالي فإن هناك أسئلة كثيرة بشأن شرعيتها.
واعتبر أن السلطة تعيد انتاج منوال التنمية القديم الذي جربته تونس منذ التسعينات، في حين أن الإشكال ليس مرتبطاً بالمؤسسات بل بالرؤية والتصور.