النهار

نابل التونسية تقطّر زهر النّارنج عشقاً وعطراً وربحاً مجزياً
روعة قاسم
المصدر: النهار العربي
تطور نشاط التقطير في نابل من التقليدي إلى الصناعي وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر تاريخ تركيز أول وحدة تقطير لاستخراج ماء الزهر، وبخاصة زيت “النيرولي”.
نابل التونسية تقطّر زهر النّارنج عشقاً وعطراً وربحاً مجزياً
ماء الزهر المقطّر.
A+   A-
يطلق سكان ولاية نابل التونسية على شجرة النارنج، وهي من عائلة الحمضيات وتشبه شجرة البرتقال، تسمية شجرة الخير، باعتبارهم يستغلون أزهارها الفواحة والعطرة خلال فصل الربيع في تقطير ماء الزهر. وتتمثل العملية تحديداً في تحويل الأزهار إلى ماء وزيت يستفيدون منه في التداوي من ضربة الشمس والآلام المعوية والتجميل وتطييب البشرة وطبخ الحلويات، أو لإضفاء مذاق لذيذ على القهوة.
 
أرقى العطور
يباع ماء الزهر لمصانع أرقى العطور في العالم، وتدر عملية التصدير العملة الصعبة على البلاد، وذلك بعد استخراج زيت "النيرولي"، وهو خلاصة روح الزهر الذي يباع بسعر يصل إلى 15 ألف دينار للكيلوغرام الواحد (نحو 4750 دولاراً). ويصدّر هذا الزيت التونسي تحديداً إلى سوق الورود في "غراس" الفرنسية، وهو ما جعل مبتكري عطور شانيل وغيرلان يشرفون سنوياً على عملية استخراج الزيوت الروحية التي يريدونها أن تتم بدقة للحفاظ على الجودة.
 
وتطور نشاط التقطير في نابل من التقليدي إلى الصناعي، وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر تاريخ تركيز أول وحدة تقطير لاستخراج ماء الزهر، وبخاصة زيت "النيرولي" المشار إليه. ورغم وجود تسع وحدات للتقطير الصناعي في الولاية، إلا أن التقطير التقليدي لا يزال يحظى بالاهتمام ويجلب السياح المحليين والأجانب خلال فصل الربيع، بخاصة أن ولاية نابل هي ولاية سياحية وحازت مدينة الحمامات التابعة لها إدارياً شهرة عالمية.
 
 
مؤونة العام
تؤكد الصحافية التونسية المتخصصة في الشأن الثقافي منى بن قمرة، ابنة ولاية نابل، أن العائلات في هذه الولاية السياحية والفلاحية والصناعية الجميلة، وبالإضافة إلى البيع في الأسواق الداخلية والخارجية لماء الزهر، تأخذ مؤونتها منه تماماً مثلما تأخذ مؤونتها من زيت الزيتون والكسكسي والتوابل وغيرها. ويتم استعمال الكميات المخزنة من ماء الزهر المقطر، بحسب بن قمرة، على مدار العام، وذلك للتداوي ولصناعة مختلف أنواع الحلويات وبعض الأكلات لما لهذا الماء من فوائد صحية، وأيضاً لنكهته اللذيذة.
 
لذلك دأب أهالي ولاية نابل الذين يحافظون على العادات والتقاليد العريقة التي توارثوها عبر الأجيال، على بناء بيوت بحدائق واسعة، وذلك لغرس شجر النارنج، حتى إذا حل فصل الربيع وتفتحت أزهار هذه الشجرة العطرة هب الأهالي لقطف الأزهار وجمع محصولها وتقطيرها، سواء في حدائق المنازل أم في البساتين. ولعل اللافت هو الروائح المنعشة التي تنبعث من البيوت بعد أن تتفتح أزهار النارنج، كما تنبعث أيضاً من البساتين القريبة التابعة لمختلف مناطق الولاية، وكذلك من الأشجار التي غرست على طرق مدن الولاية. 
 
 
حركية لافتة
ويشير الناشط في المجتمع المدني في ولاية نابل في مجال الحفاظ على التراث هيثم شعبان لـ"النهار العربي" إلى أن موسم تقطير الزهر يدخل حركية لافتة على كل ربوع الولاية، سواء من خلال جني الأزهار أم من خلال التقطير أم كذلك من خلال بيع المنتوج في البيوت والأسواق. فـ"تقطير زهر النارنج هو مصدر دخل مهم لعدد من العائلات في الولاية التي عرفت منذ القديم بهذا النشاط مع أنشطة أخرى، على غرار صناعة الخزف الذي حاز شهرة عالمية". 
 
 
ويضيف شعبان: "باعتبارها شجرة الخير، كما تسمى في نابل، فإن النارنجة تنتج أيضاً ثماراً يتم تحويلها إلى مربى اختصت به المنطقة أيضاً، وبالإمكان ترويجه داخلياً وخارجياً بالنظر إلى المنافع العديدة التي يتضمنها. كما أن قشر هذه الثمرة التي تنتمي إلى عائلة الحمضيات مثل البرتقال والليمون وغيرها، بالإمكان استغلاله في استخراج زيوت أخرى تستعمل في صناعة المواد التجميلية وكذلك يمكن استغلال أوراق هذه الشجرة الاستثنائية للغرض نفسه". 
 
وتلفت شعبان إلى أن المردود الاقتصادي لنشاط تقطير الزهر والأنشطة الموازية له مضمون، "فثمة أسر بأكملها تقتات من هذا النشاط، سواء تعلق الأمر بجني المحصول أم بالتقطير أم بالبيع في الأسواق الداخلية لمختلف جهات البلاد أم بالتصدير إلى الخارج. ويعتبر هذا النشاط من الأنشطة التي بإمكان المرأة في نابل أن تساهم من خلالها في إعالة الأسرة والإنفاق على دراسة الأبناء الذين يساهمون بدورهم في هذا النشاط مع أسرهم خلال عطلة الربيع المدرسية والجامعية، في أجواء احتفالية بهيجة في أحضان الطبيعة حيث الهواء النقي والروائح العطرة".


 

اقرأ في النهار Premium