أثار اقتراح رئيس "حركة البناء الوطني" (فصيل "الإخوان المسلمين" في الجزائر) ومرشح الانتخابات الرئاسية السابقة عبد القادر بن قرينة، تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة قبل عامين من موعدها المقرّر، ضجّة كبيرة وغضباً واسعاً داخل البرلمان الجزائري، وأحدث جدلاً في البلاد.
وربط القيادي "الإخواني" والشريك في التحالف الرئاسي، مقترحه الذي أعلنه أخيراً في تصريح، باتخاذ قرار لاستحداث ولايات (محافظات) جديدة. لكن ثمة من يرى أنّ التصريح يحمل رسائل مشفرة توحي برغبة السلطة في الانفتاح على قوى المعارضة السياسية في البلاد، وفتح أبواب المؤسسات المنتخبة من جديد أمامها. فأغلب الأحزاب التقليدية المعارضة قاطعت الاستحقاق النيابي الذي جرى تنظيمه في 12 حزيران (يونيو) 2021، ومنها "جبهة القوى الاشتراكية" و"التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية" و"حزب العمال". وقد وضعت المقاطعة حينذاك وفق متابعين للمشهد السياسي في البلاد، شرعية البرلمان الحالي على المحك.
مسوّغات الاقتراح
وشرح مسؤول حزبي في "حركة البناء الوطني" فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، مقترح تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة بأنّ "له علاقة بقرار استحداث مدن (ولايات) جديدة، فمن غير الممكن إطلاقاً انتخاب ممثلين جدد لولاية لا يتجاوز عمرها السنة والنصف".
والأمر ذاته ينطبق بحسب المسؤول الحزبي على "المجالس الولائية والبلدية، فلا يمكن أن يكون لولاية (محافظة) مجلس ولائي وبلدي عمرهما سنة واحدة فقط وأخرى 5 سنوات"، وهو ما أوضحه رئيس الحركة بن قرينة خلال تقديمه للمقترح، إذ قال: "يجب إجراء انتخابات مبكرة في كل التراب الوطني حتى لا يكون ولاية مجلسها البلدي أو الولائي عمره سنة وهناك مجالس أخرى عمرها 5 سنوات".
ومن المبررات الأخرى التي تدعم بقوة هذا الطرح "المشاكل وحالات الانسداد في إدارة معظم البلديات".
استياء وغضب
وأثار مقترح بن قرينة ضجّة كبيرة داخل البرلمان الجزائري، فقد دوّن النائب عن "التجمع الوطني الديموقراطي" (أحد أكبر أحزاب الموالاة في البلاد) حليم بن شريف على صفحته في "فايسبوك": "البرلمان الحالي زكّاه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بقوله إنّه نظيف. أما الذي يتمنى أن يرافق الانتخابات الرئاسية انتخابات مسبقة برلمانية فتوجّهه واضح ويريد رئيساً آخر غير تبون".
وقد أشار بن شريف إلى الخطاب المطول الذي ألقاه الرئيس تبون أمام نواب الغرفتين (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) قبل شهرين تقريباً، في محاولة منه لإنهاء القطيعة التي استمرت أكثر من ستة عقود مع ممثلي الشعب. وجاء هذا الخطاب الذي خطف الأنظار، مع نهاية عامه الرابع من الحكم وبداية آخر عام من ولايته الرئاسية الأولى منذ وصوله إلى سدّة الحكم في كانون الأول (ديسمبر) 2019.
فلقاء تبون مع النواب، جاء وفق مراقبين من أجل تعزيز شرعية البرلمان الذي أصبح محل تندّر في السنوات الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وصارت صفات عديدة لصيقة به بسبب الفئات التي استحوذت على مقاعده. فثمة المجاهدون وهم الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي، أما الصنف الثاني، فهم أرباب المال والأعمال أو ما يطلق عليهم شعبياً "أصحاب الشكارة"، ولقب أيضاً ببرلمان الأميين.
وفي تقديره لأداء البرلمان، أثنى تبون على أداء ممثلي الشعب والهيئة التشريعية معاً، معرباً عن اعتزازه وفخره بنزاهتهم واختيارهم من دون تورط في الممارسات الفاسدة. وقال في هذا المضمار: "أشهد لكم بالنزاهة وأنكم أول برلمان انتخب بعيداً عن المال الفاسد، فهنيئاً لنا جميعاً بهذا البرلمان". وركّز أيضاً على أهمية اللحظة وتاريخها، وقال إنّه لم يتوجّه أي رئيس جمهورية بخطاب أمام البرلمان منذ خطاب الرئيس الراحل هواري بومدين في عام 1977.
دوافع غير منطقية
وبالنسبة للنائبة عن "حركة مجتمع السلم" (كبرى الأحزاب الإسلامية والمعارضة في الجزائر) زكية بوقطوشة، "لا شيء يستدعي اليوم حل البرلمان، فلا وجود لأي أزمة". وتصف النائبة المبررات التي ساقها بن قرينة بـ"غير المنطقية، إذ من الممكن تكليف تغطية الشغور في حالة استحداث محافظات (ولايات) جديدة، إذ إنّ العهدة البرلمانية وطنية وليست ولائية".
وفي هذا السياق قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بسكرة البروفسور نور الصباح عكنوش لـ"النهار العربي"، إنّه "لا يمكن فصل الموضوع عن منهجية إعادة هيكلة الخريطة الانتخابية الوطنية في ضوء توازن جديد للمشهد الحزبي، بما يعيد للنظام السياسي مساره الطبيعي في المرحلة المقبلة".
وأضاف: "ما يصدر من رسائل سياسية من نخب المعارضة بعد إعلان الرئيس تبون تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة يُقرأ في إطار هذه الديناميكية التي تعيد الحياة إلى ساحة تعاني أزمة جمود وكسل، وتحتاج إلى أجندة مؤسساتية جديدة تعطيها فعالية تنعكس على استقرار الدولة واستمرارها في ظلّ التحدّيات الداخلية والخارجية الصعبة المحيطة بالبلاد، حيث تتمظهر إرادة سياسية قوية في حوكمة جديدة لمنظومة الحكم وفق مقتضيات الواقع من جهة وأحكام الدستور من جهة أخرى".