النهار

الجزائر تحيي مشروع "السدّ الأخضر"... هل ينقذ أراضيها الزراعية من التّصحر؟
الجزائر-نهال دويب
المصدر: النهار العربي
فقدت الجزائر في الأعوام الأخيرة آلاف الهكتارات بسبب موجات الحرائق التي اجتاحت مناطق متفرقة من البلاد، وكان أشدها تدميراً تلك التي شبت في صيفي 2021 و2022 كونها مست 16 ولاية في وسط البلاد وشمالها.
الجزائر تحيي مشروع "السدّ الأخضر"... هل ينقذ أراضيها الزراعية من التّصحر؟
تجهد الجزائر لمواجهة أزمة الجفاف.
A+   A-

دخلت الجزائر كغيرها من دول العالم، في رحلة بحث مضنية عن تقنيات جديدة ومستدامة لمواجهة التغيير المناخي ومخاطره. ومن القرارات التي اتخذتها في هذا السياق إعادة بعث مشروع بناء "السد الأخضر" الذي أطلق في عهد الرئيس هواري بومدين في منتصف سبعينات القرن الماضي بهدف منع زحف الرمال نحو الشمال وتثبيتها واستصلاح الأراضي وتكثيف الغطاء النباتي.

وخلال الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، الأحد، أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الجهاز التنفيذي بـ"ضبط دفتر شروط خاص بعملية إعادة تشييد السد الأخضر، الذي ينبغي أن يشمل مناطق الكثبان أيضاً كونها من المناطق التي مستها ظاهرة تقدم الرمال، وقد تقرر في هذا المضمار أيضاً حث الحكومة الجزائرية على استحداث شركات شبابية تعمل في مجال التشجير والري والمتابعة وتكلف هذه الأخيرة بتنفيذ مشاريع خاصة بعمليات التشجير وبناء المحيطات البيئية في هذا الإطار، إلى جانب دعم من خلال النشطات التطوعية التي تنظمها الجمعيات الأهلية والشبابية".

وفقدت الجزائر في الأعوام الأخيرة آلاف الهكتارات بسبب موجات الحرائق التي اجتاحت مناطق متفرقة من البلاد، وكان أشدها تدميراً تلك التي شبت في صيفي 2021 و2022 كونها مست 16 ولاية في وسط البلاد وشمالها.

وكشفت إحصائيات رسمية أن الحرائق أتلفت أكثر من 140 ألف هكتار من الغابات ومحاصيل زراعية وأشجار الزيتون التي تشتهر بها منطقة القبائل، كما أنها أتت على قرى بأكملها وأودت بالعشرات من قاطنيها.

ميزانية ضخمة
هذا التوجه المتزايد نحو إعادة بعث مخطط السد الأخضر وتوسعته، باعتبار أن الآلية الحيوية للشجرة في النظام البيئي هي الصيرورة الكونية الأزلية لاحتجاز الكربون وإزالته، يدفع كثيرين إلى التساؤل عن الرهانات والتحديات وعما إذا كان هذا الحل كفيلاً بالوصول إلى حياة خالية تماماً من الانبعاثات ومن خطر التصحر والجفاف.

في مستهل حديثه مع "النهار العربي"، قال الناشط البيئي نبيل زغبة إن "توجه الحكومة الجزائرية نحو إعادة بعث المشروع خطوة مهمة، لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه اليوم يتعلق بنوعية الأصناف النباتية التي ستعتمد عليها الحكومة في إعادة بعث المشروع، والتي من شأنها أن تدر مداخيل مالية إضافية مهمة لفائدة خزينة الدولة الجزائرية، كالفستق مثلاً".

فالمطلوب اليوم برأي الناشط البيئي "انتقاء الأصناف المقاومة للمرض وخاصة في المناطق المعرضة للإصابة به، وهي مصدر للإكثار الكمي ومقاومة للجفاف".
 

أما التحدي الآخر الذي تواجهه إعادة بناء السد الأخضر، فهو "التكلفة الباهظة للمشروع، فنحن اليوم نتحدث عن آلاف الهكتارات الممتدة من شرق الوطن إلى غربه".

وفي حزيران (يونيو) 2022، أعلنت الحكومة الجزائرية أنها طلبت تمويلاً من صندوق المناخ الأخضر الذي أنشئ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ومن برنامج الأغذية العالمي وكذلك منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، وذلك من أجل دعم هذا التوجه بهدف مكافحة التصحر ووقف زحف الرمال.

وسعت الجزائر جاهدة للحصول على تمويل يقدر بحوالي 128 مليون دولار أميركي بهدف ترميم جدار "السد الأخضر" خلال السنوات السبع الأخيرة، وهي اليوم تطمح إلى رفع مساحة الغطاء النباتي إلى حدود 4.7 ملايين هكتار بحلول عام 2035.

تأهيل النظم الإيكولوجية
من جانبه قال الناشط المدني قعفور أوسامة المهتم بشؤون البيئة، في منشور له على "فايسبوك" إن العواصف الرملية المتكررة و"ارتفاع الغبار في سماء الجزائر وامتداد الرمال نحو التلال كلها مؤشرات توحي بإعادة النظر في مخطط السد الأخضر الذي أعيد بعثه عام 2020".

ويرى أنه "من الضروري تقييم نوعية النباتات والأشجار التي تم استخدامها في هذا المخطط للتأكد من ملائمتها للظروف البيئية للمنطقة، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار دور المنطقة السهبية في صد زحف الرمال وذلك بفضل النباتات الشوكية التي تشتهر بها مثل السدرة والحلفاء والشيح، فقد كان لهذه النباتات فوائد اقتصادية كبيرة في الماضي حيث استخدمت في صناعة الورق (الحلفاء) والصناعات الصيدلانية (الشيح)".

لذلك يقترح "إعادة النظر في مخطط السد الأخضر لعام 2020 مع التركيز على ضرورة اختيار نباتات وأشجار مقاومة للجفاف والحرارة والعواصف الرملية وإعادة تأهيل المناطق المتضررة من العواصف الرملية وتشجيع زراعة الأشجار المثمرة في المناطق التي تسمح بها الظروف، وأخيراً توعية المواطنين بأهمية التشجير والحفاظ على الغابات".

ضرورة ملحة
ومن جهته يقول الناشط البيئي والباحث في أحد مخابر المياه والمنشآت الدكتور هاشيمي دحاوي، في حديث خاص لـ"النهار العربي" إن "إعادة بعث السد الأخضر فرضته جملة من العوامل والمخاطر البيئية. فعملية التقييم الشاملة للمناخ ستكشف عن تغييرات ملحوظة ومهمة، وهذه التغييرات تعكس تأثير التغيير المناخي على البيئة الجزائرية".

ويلفت إلى أن التغييرات تشمل الجوانب التالية:
"ارتفاع درجات الحرارة: واحدة من الظواهر البارزة وهي الزيادة المستمرة في درجات الحرارة، هذا التغير قد أثر كثيراً على النظام البيئي وساهم بشكل ملحوظ في تفاقم الجفاف في مناطق مختلفة من البلاد، إذ إنه ووفقاً لدراسات علمية أجرتها الدكتورة سحنون فتيحة المكلفة بالبحث في مركز تطوير الطاقات المتجددة، فإن منطقة شمال الجزائر سجلت ارتفاعاً في درجة الحرارة بمقدار 0.5 درجة مئوية بين عامي 1931 و1990، وتقدر في هذه السنوات بارتفاع 1 درجة مئوية، ومن المتوقع أن تزيد هذه الدرجة بمقدار درجتين مئويتين في السنوات المقبلة بحلول 2050".

ومن آثاره حسب دحاوي "انخفاض معدلات الأمطار إذ تم تسجيل انخفاض ملحوظ في المعدلات، وخصوصاً في المناطق الشمالية الغربية للبلاد، وهو انخفاض مستمر منذ سبعينات القرن الماضي ومن تداعيات تدهور الظروف الزراعية وارتفاع معدل الجفاف".

والمرجح حسب المتحدث "تواتر شدة الظواهر المناخية المتطرفة مستقبلاً"، شارحاً أن "عدد سكان الجزائر يبلغ حالياً 46 مليون نسمة وسيصل هذا الرقم إلى حدود 57 مليوناً في 2040 حسب توقعات المكتب الوطني للإحصاء"، ولافتاً إلى "العلاقة الوطيدة بين ارتفاع عدد السكان وزيادة احتياجات الطاقة الأحفورية (البترول والغاز) التي تسبب تزايد انبعاثات ثاني أكسد الكربون".

اقرأ في النهار Premium