النهار

خزف نابل التونسية إلى العالمية... أصالة وجودة في صناعة الفخار
روعة قاسم
المصدر: النهار العربي
حاز خزف مدينة نابل التونسية على شهرة عالمية واسعة، بالنظر إلى جماله وجودته ومحافظته على الروح التونسية التي تستمد جذورها من الموروث التاريخي
خزف نابل التونسية إلى العالمية... أصالة وجودة في صناعة الفخار
خزف نابل وصناعته الحرفية جزء من تاريخها.
A+   A-
حاز خزف مدينة نابل التونسية شهرة عالمية واسعة، بالنظر إلى جماله وجودته ومحافظته على الروح التونسية التي تستمد جذورها من الموروث التاريخي العريق للقبصيين والقرطاجيين وباقي الحضارات التي عرفتها تونس عبر التاريخ.
 
ولئن تميزت جهات أخرى في تونس بصناعة الخزف على غرار سجنان من ولاية بنزرت والمكنين من ولاية المنستير وقلالة الواقعة بجزيرة الأحلام جربة، إلّا أنّ لكل فخار أو خزف خصوصيته بسبب تأثيرات السكان والمناخ والحاجيات الحياتية لهذه المنطقة أو تلك.

في كلّ بيت
لكن خصوصية مدينة نابل السياحية وعادات أهلها وتراثها اللامادي وأصالتها تتجلّى في هذا الخزف التقليدي الموجود تقريباً في كل البيوت التونسية وبيوت محيط تونس المغاربي. حتى أن ثمة من يستعمل هذا الخزف خارج تونس ويجهل مكان صنعه بعدما اعتاد عليه في أسواقه، معتقداً أنّه صناعة محلية، فسوّق من خلاله لعاداته الغذائية أو لمعماره التقليدي.
 
 
استعمالات متنوعة
يصنع حرفيو نابل أواني الطبخ وجرار تخزين الزيت وقلل الماء والتحف والمزهريات وخزف تزيين جدران البيوت وواجهاتها وأرضياتها ونافورات المياه التي تزيّن الحدائق المنزلية والعمومية وغيرها. وقد جعل هذا التنوع في المنتجات مدينة نابل، سوقاً للخزف التقليدي يؤمّه التونسيون والسياح الأجانب، وذلك بعدما ذاع صيت فخار نابل الذي له ختمه الخاص حتى لا يُقلّد أو يُساء له من أي طرف خارجي.
 
ويتضمن فخار نابل نقوشاً وأشكالاً هندسية مستوحاة من الموروث الفني والمعماري والحرفي للقرطاجيين، إضافة إلى طغيان اللونين الأزرق والأبيض على زخارفه خصوصاً في ما يتعلق بأدوات الطبخ والأواني والصحون. واللونان الأزرق والأبيض هما المحبذان في المعمار التقليدي التونسي، ويميزان العديد من المدن القديمة في أماكن مختلفة من البلاد، سواءً تعلق الأمر بسيدي بوسعيد أو بمدينة تونس العتيقة وكذلك القيروان والحمامات وجربة وغيرها.
 
ويتمّ تصدير فخار نابل إلى عدد من دول العالم، وثمة طلب متزايد عليه، ما جعله مصدراً من مصادر العملة الصعبة إلى جانب صناعات تقليدية أخرى، رغم أنّ التصدير تضرّر كثيراً خلال فترة جائحة كورونا.
 
 
وقد صارت جهات خارج تونس تنسب في مواقع التواصل الاجتماعي خزف نابل لنفسها، وثمة أيضاً من سعى إلى تقليده رغبة في الاستحواذ على الأسواق التي يروج فيها هذا الخزف ورغبة في صناعة هوية من تراث الآخرين.
 
 
طريقتان مختلفتان
يؤكّد الحرفي التونسي المتخصص في صناعة الخزف وليد الجوادي في حديث لـ"النهار العربي" أنّ هناك طريقتين لصناعة خزف نابل، واحدة تقليدية وأخرى حديثة، فبالنسبة إلى الطريقة الأولى يقوم الحرفي في بدايتها بعرك الطين بالماء لساعات، وذلك للحصول على طين مرن يمكن تطويعه وتشكيله بسلاسة على طاولة مستديرة يقوم بتحريكها بقدميه من الأسفل، وعند تشكيل الإناء يقوم الحرفي بجعله ناعماً من خلال يديه المبللتين بالماء.
 
وبعد الانتهاء من التشكيل يقوم حرفي آخر، بحسب الجوادي، بوضع الإناء الطيني بعيداً من أشعّة الشمس لمدة يومين أو أكثر، ليقوم لاحقاً بوضعه في النار، وأخيراً يقوم حرفي ثالث متخصص في التزويق بتلوين التحف والأواني أو الغليز بأشكال هندسية معروفة مستمدة من التراث التونسي العريق.
 
 
ويضيف الجوادي: "أما الطريقة الثانية في صناعة خزف نابل، والمختلفة عن الطريقة الأولى، فيتمّ فيها اقتناء الطين جاهزاً للتشكيل من مصانع الآجر، وبالتالي لا توجد ضرورة لعرك هذا الطين وتليينه بالماء مثلما يحصل في الطريقة الأولى. ويستخدم الحرفيون أيضاً في هذه الطريقة القوالب لتشكيل مختلف الأواني، كما أنّ الطاولة التي يوضع عليها الطين المشكل من خلال القالب تديرها آلة كهربائية، فيما يقتصر عمل الحرفي على تنعيم الآنية بالماء مع استعمال قطعة قماش مبللة".
 
مورد رزق
يؤكّد الناشط التونسي في المجمتع المدني في مجال حماية الثراث هيثم شعبان في حديث لـ"النهار العربي"، أنّ لخزف نابل قدرة تشغيلية معتبرة باعتباره مورد رزق لعدد كبير من العائلات التونسية، سواءً في مدينة نابل أو في بعض المدن التابعة للولاية أو في غيرها. وهناك، بحسب شعبان، الحرفيون من أهالي المدينة الذين توارثوا هذه الحرفة عن الآباء والأجداد، وحافظ كثيرون منهم على الورش والمصانع الصغيرة التي تعود لأجدادهم.
 
ويضيف شعبان: "هناك أيضاً من أتوا إلى نابل من ولايات أخرى من داخل الجمهورية وتعلموا هذه الحرفة التقليدية العريقة وأتقنوها وامتهنوها وباتت مورد رزق لهم ينفقون من خلالها على أنفسهم وعلى أسرهم. كما يعتاش أيضاً من خزف نابل التجار الكبار والصغار الذين افتتحوا متاجر لبيعه سواءً في مدينة نابل نفسها أو في غيرها من المدن السياحية التونسية الأخرى، وكذلك أصحاب شركات التصدير والعاملون فيها وغيرهم".
 

اقرأ في النهار Premium