دشنت سلطة شرق ليبيا حزمة مشاريع لإعمار مدينة سرت الساحلية (وسط ليبيا)، التي تبعد كيلومترات قليلة عن خطوط التماس مع قوات الغرب الليبي والتي رُسمت على إثر اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أواخر عام 2020.
ومن بين أبرز المشاريع التي أعلن الشروع في تنفيذها تحت إشراف صندوق التنمية والإعمار، الذراع الإنشائية لـ"الجيش الوطني الليبي"، إعادة صيانة ميناء سرت وإنشاء منطقة حرة مرفقة به، وتطوير مطار المدينة وتوسيع الطريق الدولي ورصفه، بالإضافة إلى صيانة المقار الحكومية والمستشفيات والمدارس وتطويرها، وإنشاء شبكات إنارة عمومية، وتأهيل شبكات المياه والصرف الصحي.
تثبيت التهدئة رغم المخاوف
وتعكس الخطوة رغبة في تثبيت التهدئة رغم المخاوف التي عبر عنها الموفد الأممي المستقيل عبد الله باثيلي، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن، من عودة المواجهات المسلحة بين المتقاتلين في الشرق والغرب.
وسرت هي مسقط رأس الزعيم الليبي السابق معمر القذافي وقُتل فيها بعد أسره في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، وقد شهدت حربين دمرتا معظم منشآتها الحيوية، الأولى كانت بين قوات القذافي ومعارضيه خلال أحداث شباط (فبراير) عام 2011، والأخرى بعد سيطرة تنظيم "داعش" عليها في عام 2015، إذ شهدت المدينة الساحلية مواجهات ضارية بين عناصر التنظيم وقوات "الجيش الوطني".
وللمدينة أهمية استراتيجية، إذ تتوسط ساحل ليبيا كما الطريق الساحلي الدولي الذي يربطها بمدينة بنغازي (شرق ليبيا) بمسافة نحو 550 كلم، وبالعاصمة طرابلس (غرب ليبيا) وبمسافة نحو 400 كلم، فيما تبعد من مدينة سبها في الجنوب الليبي نحو 500 كلم. ولسرت أهمية اقتصادية أيضاً، إذ تُحيط بها الآبار النفطية، كما أنها تشتهر بصيد الأسماك، خصوصاً سمك التونة.
وكانت شركة سرت لإنتاج النفط والغاز، قد أعلنت اكتشافاً جديداً وصفته بـ"المهم" في مجالي الغاز والمكثفات، عقب عملية حفر بئر استكشافية جنوب شرقي حقل اللهيب. وقد أظهرت نتائج اختبار الإنتاجية إنتاج البئر لـ16.8 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز، و626 برميلاً يومياً من النفط.
وخلال جولة قام بها رئيس الحكومة الموازية في شرق ليبيا أسامة حماد، والمدير العام لصندوق التنمية والإعمار بلقاسم حفتر، نجل قائد "الجيش الوطني"، أكد حماد اهتمام حكومته الشديد بسرت، كونها "مهد انطلاق الحكومة"، معلناً إنشاء منطقة حرة في ميناء سرت، بما يحقق فوائد تجارية واقتصادية للمدينة. وأشار إلى تدشين حزمة مشاريع خدمية في كل المناطق "وهي ليست هبة، بل هي الحقوق المشروعة لكل المواطنين"، فيما أكد حفتر الابن أنه سيتم الشروع في صيانة مطار سرت ومينائها، بالإضافة إلى الشروع في صيانة منشآت المدينة الحيوية وتطويرها، وسيتم تدشين المشروع الاستراتيجي الأكبر لرصف الطريق الدولي الساحلي المزدوج، في اتجاهين، والذي ستكون سرت نواته ومركز انطلاقته الأولى، موضحاً أنه سيتم رصف الطريق في ثلاثة اتجاهات، وأضاف: "هذا المشروع سيشهد الكثير من التحويلات والأنفاق والكباري والتوسعة داخل سرت المدينة، وستكون هناك إنشاءات خدمية مصاحبة".
وأوضح مسؤول ليبي لـ"النهار العربي" أن المشاريع التي أعلن تنفيذها في سرت ستُعرض على شركات المقاولات الإقليمية الكبرى قبل اختيار الأفضل من حيث جودة التنفيذ وسرعته والكلفة من بين العروض التي ستُقدّم، كاشفاً عن مفاوضات تُجرى منذ فترة بين صندوق التنمية والإعمار وإحدى الشركات الإقليمية العملاقة لتطوير ميناء سرت وتدشين ميناء حر مرفق به، مشيراً إلى أن المفاوضات في مرحلة متقدمة لكنها لم تنته وتركز على المشاركة في الإدارة والاستثمار بين الدولة الليبية وشركة الموانئ.
وعود بدعم مباشر في سرت
ولفت المسؤول إلى أن حماد وبلقاسم حفتر زارا المناطق المتضررة جراء الحروب، ضمن جولتهما في سرت، ووعدا سكان تلك المناطق بصرف إعانات شهرية لمدة عام، بالتزامن مع عملية إعادة إعمار هذه الأحياء، مؤكداً أن القيادة العامة للجيش الوطني مهتمة بمدينة سرت بعدما عانت لسنوات التهميش والإهمال.
ومن ضمن المشاريع المستهدفة تطوير جامعة سرت، وفقاً لرئيسها سليمان الشاطر الذي أوضح لـ"النهار العربي" أن المشروع "لا يقتصر على تطوير كل المباني الإدارية والتعليمية، بل نستهدف أيضاً بالتزامن المناهج التعليمية بهدف رفع تصنيف الجامعة على المستوى الإقليمي والدولي". وأشار إلى أن جامعة سرت التي افتتحت عام 1989 كفرع لجامعة بنغازي قبل أن تنفصل، تحتوي الآن على 14 كلية تعليمية، يتعلم فيها ما يتجاوز 10 آلاف طالب.