يسود الغليان أوساط موظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف وأئمة المساجد في الجزائر، بعدما أفرجت الحكومة أخيراً عن القانون الأساسي الخاص بتعويضات الموظفين المنتمين إلى الأسلاك الخاصة بالقطاع بعد طول انتظار، في محاولة منها لإنصاف هذه الفئة التي تعاني وضعاً مادياً هشاً. لكن يبدو أن الزيادات التي أقرّت لهم لم تحظَ بالقبول، وخصوصاً أنها اقتصرت على فئات محددة.
وصدر في العدد 26 من الجريدة الرسمية القانون الأساسي الخاص بهؤلاء الموظفين. واستحدث النص الجديد رتباً جديدة في سلك الأئمة، منها رتبة إمام مدرس، رتبة إمام واعظ، رتبة إمام أستاذ (رتبة آيلة للزوال)، رتبة إمام خطيب، رتبة إمام خطيب أول، وأخيراً سلك الأئمة الممتازين. وهذا السلم يضم فئة قليلة تمثل الحاصلين على شهادة الدكتوراه.
واللافت أن التعديلات الجديدة أضافت زيادات معتبرة على رواتب الأئمة الذين يعانون وضعاً اجتماعياً صعباً وهشاً دفع فئة منهم إلى امتهان ممارسات غير محبذة من أجل توفير مصدر دخل إضافي، وبرزت أيضاً محاولات لاستغلال هذه الفئة من طرف تيارات دينية متشددة وتوظيفهم في نشر بعض الأفكار والمشاريع المتطرفة.
ويحدد المرسوم الذي وقعه رئيس الوزراء نذير العرباوي والمؤرخ 9 نيسان (أبريل) 2024 العلاوات والتعويضات التي سيستفيد منها الأئمة بـ: علاوة المردودية، تعويض الإلزام والاستعداد الدائم، تعويض نشاطات التدريس وتعويض التوثيق، وتحسب علاوة المردودية التي تصرف كل 3 أشهر وفق نسبة متغيرة من 0 إلى 40 في المئة من الراتب الرئيسي بدلاً من 30 في المئة المحددة في السابق.
كما يُصرف تعويض الإلزام والاستعداد الدائم شهرياً، بنسبة 30 في المئة من الراتب الرئيسي، وتعويض نشاطات التدريس بنسبة 40 في المئة، بدلاً من 30 في المئة، بينما تم رفع التعويض الشهري للتوثيق في النظام التعويضي الجديد.
"فرحة لم تكتمل"
وقرأ متابعون لشؤون المؤسسات الدينية والمساجد في البلاد، إفراج الحكومة عن القانون على أنه محاولة لتحسين القدرة الشرائية لهذه الفئة التي تحظى بمكانة مهمة بالنظر إلى الدور الذي تلعبه في توجيه المجتمع.
ويقول المسؤول عن الإعلام والاتصال والرقمنة في المكتب الوطني لفيدرالية الأئمة بوضياف السعيد لـ"النهار العربي" إن "هذه الخطوة تندرج ضمن مساعي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لدعم القدرة الشرائية وتحسين المستوى المعيشي لنخبة المجتمع".
لكن، على ما يبدو، فإن "الفرحة لم تكتمل"، إذ أبدت نقابات اعتراضها على ما تضمنته التشريعات الجديدة، ليتكرر ما حصل بعد الإفراج عن المراسيم التنفيذية المعدلة للقوانين الأساسية الخاصة بالأساتذة الجامعيين والنظام التعويضي الخاص بهم.
وانتقد بوضياف السعيد "الانفرادية في اتخاذ القرارات، فالقانون أنصف فئة الأئمة بمختلف الرتب، غير أنه تناسى حقوق الأعوان والمفتشين وباقي وكلاء الأوقاف والسلك الإداري"، وأشار إلى أن "القانون الأساسي شابه نوع من غموض، وخصوصاً في ما يتعلق بمسألة التصنيف، إذ أصبح الإمام أعلى رتبة من المفتش، كما أن الزيادات التي جاءت بها التشريعات الجديدة ضئيلة جداً ولا تتجاوز 20 في المئة مقارنة بالمهمات الكثيرة والمتعددة المسندة إليهم".
احتجاجات مرتقبة
وصعد "المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف" في الساعات الأخيرة اللهجة تجاه الحكومة، بإعلانه تنظيم وقفة احتجاجية الأحد المقبل أمام وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تنديداً بما سمّاه "الانفرادية في اتخاذ القرار".
وأصدر المجلس بياناً ذكر فيه أن "التعديل اقتصر على سلك الأئمة فقط، الأمر الذي سيحدث شرخاً كبيراً وفتنة واسعة في القطاع من عدة نواح (...)، التعديل لم يكن بشكل أعمق ولا يعكس ولا يرقى إلى تثمين جهود الأئمة في تأطير المجتمع، كما أراد السيد رئيس الجمهورية".
ويقول رئيس نقابة القطاع جلول حجيمي في حديثه "النهار العربي" إنه "منذ أكثر من 10 سنوات كنا أول من طالب بتعديل القانون الأساسي والنظام التعويضي وناضلنا لأجله عبر مراحل، حتى توصلنا إلى جلسات حوار موثقة ورسمية بيننا وبين الوزير سابقاً بشأن القانون الأساسي والنظام التعويضي، وناقشنا المحاور بنداً بنداً بما يتناغم مع كل الفئات في قطاع الشؤون الدينية والأوقاف ولم نستثن أحداً منها، واستبشرنا بدعوة الرئيس تبون إلى تعديل القانون الأساسي للأئمة وقطاع الشؤون الدينية والأوقاف".
ووصف حجيمي الموقف بـ"التاريخي"، وأشار إلى أنه "كان وفاءً لما تعهده الرئيس في حملته وأنه بادرة خير تعود على الأئمة بالنفع، وقد أثنى الرئيس على دورهم ومكانتهم الفعالة في المجتمع، لكن فوجئنا بعدم إدراج بقية الفئات في التعديل".
واقترح "استدراك الأمر عبر سن قانون تكميلي يشمل جميع الفئات لتعم البشرى ويستقر القطاع، لأن هذا الوضع سيدخلنا في فوضى وشك بين أبناء القطاع بين مطمئن وغاضب، لأن الأصل في التعديل هو رفع الغبن وحلحلة المشكلات الاجتماعية والإدارية العالقة".