عاد سيف الإسلام معمر القذافي إلى الواجهة ليزيد من خلط أوراق المشهد الليبي ويفاقم تعقيداته.
ففي سابقة هي الأولى من نوعها منذ مقتل والده عام 2011، خرجت قوى سياسية وعسكرية في غرب ليبيا لتؤيد ترشح سيف الإسلام لرئاسة ليبيا، ما يمثل تحدياً واضحاً لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة الممسك بتلابيب مؤسسات العاصمة والمحاط بقوى مسلحة ضاربة.
بيانات تأييد متتالية
وأعقب ذلك إعلان قبائل الجنوب الليبي ووسطه أيضاً تأييدها القذافي في تحدّ، أيضاً، لقائد "الجيش الوطني" الليبي خليفة حفتر الأكثر سطوة ونفوذاً في معسكر شرق ليبيا وجنوبها، قبل أن تتسارع بيانات عدد من قبائل ليبيا وتتشجع قبيلة القذاذفة هي الأخرى وتقف خلف ابنها سيف الإسلام، بعدما توارت لسنوات وتجنبت إعلان مواقفها علناً في المشهد السياسي وصراعاته.
وفي أول تعليق له عقب هذا التطور، اكتفى سيف الإسلام باستخدام الآية القرآنية "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم، ولكن الله ألّف"، للإشادة بموقف مدينة الزنتان وقبائلها الداعم لترشحه.
وعُدّ الحراك المساند لسيف الإسلام بمثابة إلقاء حجر في مياه العملية السياسية الليبية المجمدة، لكنه قد يدفع المتحكمين في صنع القرار إلى مزيد من التصلب في المواقف لمنع الذهاب إلى انتخابات ستتصدر مشهدها عودة سيف الإسلام مدعوماً بظهير شعبي يتخطى انقسامات الشرق والغرب، كما يتوقع مراقبون أن تزداد مخاوف الفاعلين الدوليين من عودة النظام السابق بعد 13 سنة من إطاحته بالقوة.
وكانت البداية عندما أعلنت، الخميس، القوى الاجتماعية والعسكرية والأمنية في مدينة الزنتان (تبعد نحو 135 كلم عن طرابلس) في بيان مصور عقب عرض عسكري ضخم، "دعمنا لترشح سيف الإسلام القذافي للانتخابات الرئاسية"، مؤكدة أنه "يحظى بتأييد ودعم شعبي كبير ولديه مؤهلات قيادية والتزام وطني صادق وخبرة سياسية واسعة".
تحذيرات ومخاوف من صدام مسلّح
وفي خطوة تنذر بصدام مسلح توعد البيان بـ"عدم السماح لكل المحاولات المشبوهة من بعض الأطراف المحلية والدولية بأن تحول بينه وبين حقه كمواطن ليبي في الترشح للانتخابات وتقدم الصفوف لخدمة بلاده"، مشيراً إلى أنه "سيتم لاحقاً الإعلان عن جملة من التدابير الوطنية وعلى مختلف المستويات التي من شأنها توحيد الصف الوطني". وأضاف: "نسعى لتسخير كل الجهود والإمكانات المتاحة من أجل تحقيق تطلعات الشعب الليبي في استعادة دولته وقراره الوطني وسلمه الأهلي وبناء المستقبل المشرق".
وبعد البيان بدقائق قليلة أصدر المجلس الأعلى لقبائل الجنوب ومدنه برئاسة علي مصباح أبو سبيحة بياناً اعتبر فيه أن تأييد قوى الزنتان للمرشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي "موقف وطني صادق… هذه المواقف الشجاعة تعبر عن الحرص على وحدة الوطن وسلمه الأهلي". وقال: "ندعم التوجهات التي جاءت في البيان بالإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية ودعم ترشح سيف الإسلام للانتخابات أسوة ببقية المترشحين. ندعم ترشح سيف الإسلام تحقيقاً لمبدأ الديموقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين".
وقدم البيان التحية إلى "أهلنا في الزنتان، ونثمن لهم هذه الخطوة المباركة ونأمل أن تشهد الفترة المقبلة خطوات تنسيقية للبناء على هذا الموقف بما يخدم وحدة البلاد".
وبعدها بدقائق خرج المجلس الأعلى لقبائل المنطقة الغربية ومدنها ليعتبر بدوره أن تأييد قوى الزنتان سيف الإسلام "موقف وطني صادق صدح به أهلنا في مدينة الزنتان المجاهدة، وهو موقف شجاع يعبر عن الحق الأصيل له كمواطن ليبي يطمح إلى خدمة بلاده وإخراجها من واقعها المأزوم".
وحذر المجلس في بيان من أن "بلادنا تتهددها مخاطر كبرى، وعلى كل الوطنيين الشرفاء المساهمة في توحيد الصف ودعم كل المبادرات الصادقة التي تهدف إلى إنقاذ البلاد. مستعدون للمساهمة في تحقيق الأهداف النبيلة التي جاءت في البيان ولن ندخر جهداً من أجل وحدة بلادنا وسلامتها".
قبائل المنطقة الوسطى
وعلى الخط نفسه، دخل المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية في المنطقة الوسطى على الخط، وقال في بيان: "نُثمن ما جاء في بيان القوى الاجتماعية والسياسية والعسكرية لمدينة الزنتان، ونؤكد دعمنا الكامل لهم، ووقوفنا جنباً إلى جنب من أجل تخليص الوطن من وطأة الاستعمار والانقسام الذي عانى ويلاته الشعب الليبي"، مؤكداً "ضرورة تولي حكومة جديدة تشرف على الانتخابات وإجرائها في أسرع وقت ممكن... ندعم بكل قوة سيف الإسلام، ونؤكد ضرورة خوضه للانتخابات الرئاسية، لأنه صاحب أكبر قاعدة اجتماعية".
ومع توالي بيانات القبائل في ليبيا، أكدت قبيلة القذاذفة أن بيان تأييد قوى الزنتان سيف الإسلام "يمكن التأسيس عليه للانطلاق نحو لمّ الشمل وتوحيد الكلمة".
اعتقال الحسناوي
لكنّ هذه المواقف كان لها تبعاتها، فقد أكدت وكالة أنباء الجماهيرية التابعة لتيار القذافي، أن جهاز الأمن الداخلي في مدينة سبها (جنوب ليبيا)، والتابع لرئيس الحكومة الموازية أسامة حماد، ألقى القبض على الحاج علي بو سبيحة الحسناوي، رئيس فريق المصالحة التابع لسيف الإسلام، بعد إعلانه تأييد بيان مكونات الزنتان، لتتوتر الأجواء بعدها. وأصدرت مجموعة من شباب قبيلة القذاذفة في الجنوب، بياناً، دانت فيه "القبض على رجل طاعن في السن، وتجاوز عقده السابع من العمر، ويُعاني أمراضاً مزمنة، والقبض عليه عمل مشين وغير مقبول، ويجب رفضه بشدة". وطالب البيان بتدخل المجلس الرئاسي وجميع الجهات الحكومية والمؤسسات الحقوقية المحلية والدولية والنائب العام والاتحاد الأفريقي، الراعي لمسار المصالحة الوطنية والضغط للمطالبة بـ"الإفراج الفوري عن الشيخ بو سبيحة، والتحقيق في ظروف اعتقاله وانتهاك حرمة بيته".
"الحرية للصندوق"
القيادي في حزب "العدالة والديموقراطية" هادي شلوف أكد أنه "من حق أي مواطن ليبي أن يتقدم للانتخابات على أن تبحث المفوضية العليا للانتخابات في موقفه وما إن كان يستوفي مصوغات ترشيحه من عدمه. يجب ترك حرية الاختيار لليبيين عبر الصندوق، ونرفض أن يفترض أحد الأطراف في نفسه متحدثاً باسمهم أو وصياً على اختياراتهم". ورأى أن "الأوضاع التي وصلت إليها البلاد خلال أكثر من عقد، أعادت سيف الإسلام إلى الواجهة، بل تزداد شعبيته باعتباره المنقذ، فيما ثمة قوى سياسية وشعبية أخرى تناصبه العداء وتعتبره امتداداً لنظام الاستعباد والدكتاتورية، وفي النهاية يجب الاحتكام إلى صناديق الاقتراع".
لكن شلوف لفت لـ"النهار العربي" إلى أن ترشيح القذافي الابن "قد يدفع أعداء نظام والده وضحاياه إلى التحرك لمنع هذا الترشيح لو بالقوة، فيما المحبطون من نتائج أحداث شباط (فبراير) 2011 سيدافعون عنه".
أما المحلل السياسي محمد الأسمر فذهب إلى تأكيد أن "الدول الفاعلة، وخصوصاً الولايات المتحدة، تتحفظ على ترشح سيف الإسلام القذافي، وعبرت عن ذلك في مناسبات عدة، بل تستغرب تأييد قطاعات شعبية للرجل". وقال لـ"النهار العربي": "مما لا شك فيه أن نجل القذافي يتصدر على المستوى الشعبي وبفارق كبير إذا سُمح له بالترشح، وهذه خطوة مشكوك فيها في ظل الجدل بشأن تضمين القانون المنظم للانتخابات الرئاسية مواد تسحب حق الترشح من الملاحقين قضائياً، ناهيك بالملاحقات المستمرة لأنصاره والزج بهم في السجون واستمرارهم فيها رغم صدور أوامر قضائية بإطلاق سراحهم"، متوقعاً أنه "إذا مضى قطار الانتخابات فسيكون على فريق سيف الإسلام خوض معارك على المستوى القانوني والسياسي للدفع به إلى لائحة المرشحين لأنه سيواجه بعراقيل على المستوى المحلي وضغوط دولية لإبعاده".