برزت أخيراً، مع زيارة وفد مالي ليبي برئاسة محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير للولايات المتحدة، علامات استفهام بشأن رغبة واشنطن في تعزيز حضورها في المشهد الليبي من بوابة الأمن والاقتصاد، وكذلك مدى قدرتها على ممارسة الضغوط على الفرقاء السياسيين الليبيين لتقديم تنازلات، خصوصاً مع تلويحها المستمر باستخدام سلاح العقوبات ضد معرقلي الاستحقاقات الانتخابية.
لقاءات الوفد الليبي شملت قيادات في البنك الدولي وصندوق النقد والمجلس الأطلسي والوكالة الأميركية للتنمية، بالإضافة إلى جمعية رجال الأعمال الأميركية - الليبية، وتمحورت المحادثات حول الموازنة الليبية وتوحيدها، وكذلك لجم التضخم المتصاعد، بالإضافة إلى التعامل مع العملة المحلية التي تنهار بشكل غير مسبوق في السوق الموازية، ومكافحة تبييض الأموال.
وكان الكبير قد التقى الموفد الأميركي إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند ونائب وزير الخارجية جوش هاريس، وكان اتفاق على "الحاجة إلى إدارة فعالة وشفافة وموحدة للموارد العامة تمكن المصرف المركزي من وضع سياسة نقدية فعالة"، وفقاً لبيان مقتضب نشرته السفارة الأميركية.
الاستثمار والتحديات الأمنية
الخبير الاقتصادي الليبي مختار الجديد قلل من جدوى الزيارة التي وصفها بـ"الروتينية والشكلية ولن تؤتي ثماراً على الوضع الاقتصادي الليبي، وحتى الاجتماع مع جمعيات رجال الأعمال لن يشجعهم على الاستثمار، لأن المجتمع الاستثماري الدولي يعلم جيداً الوضع غير المستقر الذي تعيشه ليبيا في هذه المرحلة".
ورأى أن من أسباب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في ليبيا خلال الشهور الأخيرة "الصراعات الشخصية المحلية"، معتبراً أنه كان "من الأجدى العمل على حلحلة تلك النزاعات والبحث في تخفيف معاناة الليبيين، بدلاً من البحث عن حلول لأزمة الاقتصاد الليبي في الولايات المتحدة"، ومحذراً من دخول محافظ المصرف المركزي على خط المناكفات السياسية و"هو أمر كان يجب أن يتجنبه".
وأضاف الجديد لـ"النهار العربي" بشأن الحديث عن مناقشة الوفد الليبي مع المسؤولين الأميركيين ملف توحيد الموازنة، أن "الشيطان يكمن في التفاصيل، فالسؤال: هل يمكن توحيد الموازنة من دون توحيد الحكومة والمؤسسات المالية والمصرفية؟ كما أن موازنة موحدة تعني إقرارها في مجلس النواب فهل سيسمح الأخير بتمرير هذه الموازنة لتُنفق منها حكومة الوحدة الوطنية المسيطرة على العاصمة، وبالتالي الاعتراف بها... ليبيا تعاني انسداداً سياسياً يُلقي بظلاله على الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد... يتحدثون عن موازنة موحدة لعام 2024، والعام المالي قارب على الانتهاء، لو أنهم يتحدثون عن موازنة موحدة لعام 2015 يكون الأمر مقبولاً".
دعم أميركي لمحافظ المصرف المركزي؟
لكن الخبير الاقتصادي عطية الفيتوري ذهب إلى أن الزيارة تأتي في إطار دعم القوى الدولية الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لمحافظ المصرف المركزي واستمراره في منصبه، رغم تخبط قراراته في إدارة السياسة النقدية للبلاد، لافتاً لـ"النهار العربي" إلى أن "إدارة الموارد الليبية وكلها تأتي من القطاع النفطي تخضع لإشراف دولي، في ظل الانقسام السياسي والصراع المحتدم بين الحكومة المسيطرة على العاصمة ومجلس النواب". وأضاف: "باستثناء قطاع النفط الذي يشهد استقراراً في الآونة الأخيرة، فإن كل القطاعات الإنتاجية في ليبيا تعاني شللاً وربما تأتي معدلات نموّها بالسالب".
وتتواكب الزيارة مع تطورات سياسية زادت من إرباك المشهد الليبي وتوّجت باستقالة الموفد الأممي عبد الله باثيلي وسط ترجيحات بأن تخلفه نائبته الأميركية ستيفاني خوري. وكان نورلاند قد التقى باثيلي في نيويورك بعد ساعات قليلة من تقديمه الاستقالة. وشدد بعدها على أن "الشعب الليبي يستحق اختيار قادته، والانتخابات الوطنية الناجحة ضرورية لتحقيق الاستقرار والازدهار المستدامين. وستواصل الولايات المتحدة العمل مع بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا والشركاء الدوليين والليبيين في كل أنحاء البلاد لتعزيز هذا الهدف".
ماذا ستقدّم ستيفاني خوري؟
أما المحلل السياسي أشرف الشح فأكد "رغبة الولايات المتحدة في تعزيز دورها في ليبيا من البوابة الاقتصادية والإدارة المالية، لكن هذا لا يعني أن هناك تصوراً أميركياً محدداً وواضحاً لحل النزاع الليبي ستعكف على تنفيذه نائبة الموفد الأممي المستقيل ستيفاني خوري". وأوضح لـ"النهار العربي" أن الولايات المتحدة "منشغلة هذا العام بالانتخابات الرئاسية المحلية، وكذلك بالأزمات الدولية الأكثر إلحاحاً، سواء في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا، وبالتالي فإن رؤيتها الحالية في ليبيا تتمحور حول إدارة الأزمة لا حلها".
وإذ استبعد الشح أن تكون هناك مبادرات سريعة للحل، رجح وجود "تحرك أميركي لجس النبض، خصوصاً في شأن مسألة توحيد الحكومة والموازنة وإدارة عائدات النفط وتوزيعها".
عضو مجلس النواب صالح أفحيم توقع بدوره أن تعزز الولايات المتحدة دورها في ليبيا خلال المرحلة المقبل. وقال لـ"النهار العربي": "لا يمكن التكهن بما ستقدمه الأميركية خوري بعد توليها رئاسة البعثة الأممية بالإنابة، لحين اجتماع مجلس الأمن وبحث الأمر، لكن أتوقع أن تلعب دوراً أفضل في الأزمة الليبية عن الذي لعبه باثيلي"، موضحاً أن الدبلوماسية الأميركية "ستُفرض أجندة بلادها في ليبيا من دون النظر إلى التشابكات الدولية، كما لن تلتفت إلى المتصارعين المحليين الذين سيجدون أنفسهم مجبرين على الانخراط في العملية التي ستفرضها واشنطن".