لم يكن للمرأة الجزائرية باع طويل في الترشح لانتخابات الرئاسة في بلادها، ولولا محاولات نادرة لكانت الجزائر، على مدار كل انتخابات الرئاسة فيها منذ استقلالها العام 1962، خالية من نساء يردن مزاحمة الرجال في السباق إلى كرسي الرئاسة.
ومع أن ثمة تمثيلاً نسوياً كبيراً في غرفتي البرلمان، إذ تعدت نسبته المعدل العالمي بأكثر من 20 في المئة، إلا أن انعدام الرغبة لدى الكثير من النساء السياسيات في الترشح لرئاسة الجمهورية الجزائرية، يطرح تساؤلات بشأن خلفيات العزوف النسوي عن أهم استحقاق انتخابي في البلاد.
ولم تنافس المرأة في الجزائر الرجال على منصب الرئاسة إلا في حالات تعد على أصابع اليد الواحدة؛ إذ بصمت زعيمة حزب العمال لويزة حنون على أولى مشاركات المرأة العام 1999، إلا أن المجلس الدستوري، آنذاك، رفض ملفها وأبعدت من منافسة المترشحين الآخرين .
لويزة حنون (مواليد 7 نيسان - أبريل 1954) التي قرر حزبها قبل أيام المشاركة في الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة يوم 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، نافست الرجل القوي في النظام الرئاسي الجزائري سابقاً عبد العزيز بوتفليقة، بعدما قُبل ملف ترشحها في ثلاث مناسبات متتالية، فكانت مرشحة بارزة سنوات 2004، 2009 و2014.
وعادت الجزائر سنة 2019 إلى مربعها الأول، حين غابت المرأة عن انتخابات كانون الأول (ديسمبر)، التي عرفت 5 مرشحين ليس بينهم امرأة.
تاريخياً... جزائريات حكمن رغم المجتمع
يسرد تاريخ الجزائر حكايات لجزائريات حكمن بلادهن في أزمان بعيدة، تقول الإعلامية والكاتبة الصحافية سارة بانا، التي تقدّم أمثلة عن ذلك، فتحيلنا إلى زمن الملكة "تينهان" التي حكمت الطوارق وهم سكان جنوب الصحراء، وكذا الأميرة مباركة بنت الخص، وشخصيات نسائية عديدة تمكن بذكائهن من بلوغ سدة الحكم رغم الاعتراض المجتمعي في كثير من الأحيان.
وفي هذا الخصوص، تؤكد بانا في حديثها لـ"النهار العربي" أن ثمة مسألة مهمة تواجه ترشّح النساء لمناصب عليا مثل الرئاسة، وهي الرفض المجتمعي في غالب الأحيان بسبب عدم الاعتياد على مشاهدة امرأة حاكمة.
وتقول: "لم يصل المجتمع بعد إلى الحكمة التي تدفعه لتمكين وتفويض الشخص الأنسب بصرف النظر عن جنسه".
وتلفت إلى أن "منطق العديد من العائلات في بيئتنا يحارب أي نية لابنة أو أخت أو زوجة لدخول عالم السياسة مثلاً، لما قد يتصل للأسف في تصورهم بشبهات أخلاقية أو تخوف".
وتلفت بانا إلى أن القضية أساسها أيضاً "شيوع معتقد ديني يوظف بشكل متطرف في إقصاء تولي المرأة أي حكم، وتابوهات المجتمع المتعلقة بسجن المرأة مثلاً والتي تجعل المرأة نفسها تبتعد عن أي شيء يورطها لأن عقاب المجتمع لها سيكون أبدياً".
طموحات تولد ميتة؟
وتتحيّن لويزة حنون الفرص المناسبة للعودة للساحة بقوة بعد مرحلة مفصلية في حياتها السياسية، وهي التي كانت من بين المسجونين في 2019، بعد حراك شعبي أطاح الرئيس بوتفليقة.
وينتظر أن تشارك حنون في رئاسيات أيلول المقبل، غير أن ناقدين يرون أنها لن تكون سوى مشاركة من أجل المشاركة، في ظل حديث مستمر عن ولاية ثانية للرئيس الحالي عبد المجيد تبون.
وترى بانا أن طموحات حنون ونظيراتها الأخريات، ومنهن رئيسة "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" زبيدة عسول، "ستولد ميتة" إذا ما أردن خوض هذا الغمار.
وتضيف أن ترشح امرأة للرئاسة "حتى وإن كان إيجابياً، لكنه يعد حالياً طموحاً ميتاً إن صح التعبير، وأعتقد أن حتى المرشحات أنفسهن يعرفن ذلك منذ البداية".
"قوقعة فكرية مجتمعية"
من جانب آخر، يؤكد مراقبون أن العقبات أمام صعود امرأة لمنصب الرئاسة في الجزائر، كثيرة ومتعددة، تجعل المرأة تعزف عن دخول المعترك منذ البداية.
وتعتقد الباحثة الاجتماعية حنين منصر أن منظومة الحكم في الجزائر تعد مسايرة لتقاليد المجتمع وتفكيره، "فنلاحظ أن نسبة حضور المرأة في البرلمان وحتى في الحكومة مقبولة جداً، لكنها غائبة من جهة أخرى عن الانتخابات الرئاسية. السلطة في الجزائر تستعمل ورقة المرأة في المواعيد السياسية التي تريد والتي لا يمكن للمجتمع أن يعارضها. ومن ثم، فإن المرأة السياسية الطامحة للوصول لكرسي المرادية، تصطدم بعقبات فرضتها المنظومة السياسية المسايرة للفكر المجتمعي في هذا الخصوص".
وترى منصر أن "التقاليد والقيم الاجتماعية تلعب دوراً حساساً في تحديد دور المرأة في المجتمع وتوجهاتها السياسية، وحسب اعتقادي فإن هذه التوجهات المجتمعية إضافة إلى الدينية والثقافية السائدة، تحول دون الوصول إلى رؤية امرأة في منصب الرئاسة في الجزائر".
وتؤكد أن هذه النظرة تؤثر تأثيراً بالغاً في قرارات المرأة وتقلص طموحاتها السياسية. وتوافق طرح بانا بخصوص الرفض المجتمعي القائم على معتقدات دينية، لافتة إلى أن أغلب المجتمع لا يزال يعيش ضمن قوقعة فكرية مضمونها "لعن الله قوماً تحكمهم امرأة".