النهار

​معظم تاريخ تونس تحت الأرض... دعوات إلى كشف الآثار وحمايتها
روعة قاسم
المصدر: النهار العربي
تزخر تونس بكنوز أثرية ومعالم تاريخية فريدة تحكي قصص الحضارات التي مرّت عليها. والمفارقة ان جل هذه الكنوز لا تزال تحت الأرض ولم يتم التنقيب عنها.
​معظم تاريخ تونس تحت الأرض... دعوات إلى كشف الآثار وحمايتها
تجهد السلطات التونسية المعنية في استكشاف أماكن محتملة للآثار المطمورة.
A+   A-
تزخر تونس بكنوز أثرية ومعالم تاريخية فريدة تحكي قصص الحضارات التي مرّت عليها، والمفارقة أن جل هذه الكنوز لا يزال تحت الأرض ولم يتم التنقيب عنه. هذا ما أكده المدير العام لمعهد التراث في تونس طارق البكوش في تصريحات لاقت ردود فعل واسعة، خصوصاً من المهتمين بحفظ التاريخ والتراث التونسيين وحمايتهما.
 
ويشتكي أغلب هؤلاء في السنوات الأخيرة من عمليات سطو واسعة يتعرض لها تاريخ تونس وتراثها المادي واللامادي من بعض دول المنطقة، مؤكدين أن ثمة من استغل خلال السنوات الماضية حالة الوهن التي تمرّ بها مؤسسات الدولة التونسية للسطو على ما للبلاد من تاريخ وتراث، ومنهم من قام حتى بتسجيل بعضه في اليونسكو من دون رقيب أو حسيب.
 
وكان البكوش قد أكد من مدينة سبيطلة التاريخية التابعة لولاية القصرين أن تونس تحتوي على 4500 موقع أثري بالتمام والكمال، منها 100 موقع قابلة للزيارة و4400 موقع لا تزال تحت الأرض. وأكد أيضاً أن معظم المواقع الأثرية التاريخية القابلة للزيارة في تونس تم التنقيب عنها قَبل الاستعمار الفرنسي وبعده وعلى أيدي فرنسيين، لأن عمليات التنقيب تتطلب إمكانات بشرية ومالية كبيرة ووقتاً طويلاً من العمل قد يصل إلى أكثر من خمس سنوات من العمل المستمر.
 
 
تاريخ المنتصر
ولعل ما أزعج كثيرين هو عدم قيام دولة الاستقلال في تونس، ومن حكم بعدها، بأي جهد في سبيل معرفة تاريخ البلاد والتدقيق فيه بعيداً عن المراجع الإغريقية والرومانية اللاتينية التي كثيراً ما طمست تاريخ قرطاج وإنجازات السكان المحليين في مختلف الحضارات مقابل الإعلاء من شأن الغزاة وإنجازاتهم. فالتاريخ الذي يكتبه المنتصر، بحسب هؤلاء، يكون بحاجة دائماً إلى المراجعة والبحث والتمحيص، بخاصة أن العلوم تطورت وبالإمكان إثبات الكثير في هذا المجال بعيداً عما يطرحه هوميروس وهيرودوت وتيتيوس ليفيوس وبوليبيوس وغيرهم من مؤرخي الإغريق والرومان الذين كتبوا التاريخ بحسب أمزجتهم وأهوائهم وإرادة بني قومهم مقابل حرق مكتبة قرطاج من قبل الرومان وبيادقهم من النوميديين أبناء البلد.
 
كما أن تصريحات البكوش بأن الأجانب هم من قاموا بالتنقيب عن الآثار التونسية في الماضي، سواء قبل الاستعمار أم بعده، رأى كثير من التونسيين أنها تفسر وجود الآثار القبصية والقرطاجية والإسلامية التونسية بكثرة في كبريات المتاحف الغربية، في أوروبا أو في الولايات المتحدة. ويؤكد هؤلاء أن عمليات التهريب الحاصلة في العقود الأخيرة ساهمت بدورها في استفحال ظاهرة وجود الآثار التونسية خارج البلاد، وفي متاحف عالمية كان من المفروض أن ترجع هذه التحف إلى أصحابها عوض عرضها والبحث عن جلب أكبر عدد من الزوار من السياح المهتمين بالتاريخ.
 
 
إيجابيات كثيرة
الباحث التونسي في التراث فيصل الجوادي أكد لـ"النهار العربي" أن تصريحات مدير معهد التراث التونسي فيها الكثير من الإيجايبات، على غرار أن المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، إضافة لبقية الهياكل المتداخلة، تعمل على تطوير التشريعات الخاصة بالتراث للحفاظ عليه وتثمينه، فالبلاد، بحسب الباحث التونسي، بحاجة إلى تشريعات جديدة تحمي تاريخ البلاد وتراثها بعدما تبين أن التشريعات القديمة قاصرة عن القيام بذلك مع حالة النهب الواسعة لتاريخ تونس وتراثها المادي واللامادي الذي برز في السنوات الأخيرة.
 
وأضاف الجوادي: "من الإيجابيات في تصريحات مدير معهد التراث أيضاً، أن هناك من يقوم في هذه الفترة بإعداد ما يلزم لترسيم الموقع الأثري في سبيطلة التونسية في قائمة التراث العالمي لليونِسكو، بانتظار أن يتم العمل على تسجيل بقية المواقع وكل ما له علاقة بالتراث المادي واللامادي. ومن الإيجابيات أيضاً أن معهد التراث التونسي التابع لوزارة الثقافة قام بما يجب القيام به بشأن لوحة الفسيفساء التي وصفت بأنها "نادرة جداً" والتي عُثر عليها أخيراً في معتمدية طينة في ولاية صفاقس داخل موقع أثري أثناء أشغال إنجاز طريق سريع".
لكن هذه الجهود تبدو غير كافية، في رأي جوادي، "لحماية تراث بلد عريق في الحضارة مثل تونس فيه أهم عواصم المنطقة المغاربية في مختلف الحقب التاريخية، ولعب الدور الأبرز في منطقته ثقافياً ومعرفياً وفكرياً وترك بصمته بارزة وجلية في ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية وفي أفريقيا جنوب الصحراء. فحماية هذا التراث العالمي والإرث الإنساني هي مسؤولية التونسيين بالأساس ومسؤولية المنظمات الإقليمية والدولية التي تعنى بالثقافة والتراث على غرار اليونسكو والألكسو والأسيسكو وغيرها، بخاصة أن التصريحات الأخيرة أثبتت أن معظم تاريخ تونس لا يزال مطموراً تحت الأرض ويخفي أسراراً كثيرة، وأن ما عُثر عليه وكتابة تاريخ البلد من خلاله هو قطرة ماء في بحر لا متناه". 
 

اقرأ في النهار Premium