الرباط- كريم السعدي
إقترح وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي إقامة شبكة أو منتدى دائم يحمل اسم "مسلسل الدول الإفريقية الأطلسية في مجال العدالة"، والذي سيشكل منصة للتواصل المستمر وتبادل الخبرات بين أجهزة العدالة في هذه الدول، مما سيسهم في بناء روابط قوية ومستدامة، كما يمكن أن يكون له دور محوري في سن التشريعات وإحداث المؤسسات والآليات المواكبة بما يتناسب مع الواقع الإفريقي- الأطلسي، وفي نفس الوقت، تعزيز الفهم المشترك للأنظمة القانونية والقضائية لهذه الدول.
جاء ذلك في كلمة القاها اليوم الاثنين في الاجتماع الوزاري الاول لمنتدى وزراء العدل للدول الإفريقية الأطلسية، المنعقد في منتجع الهرهورة (ضواحي الرباط)، مشيراً إلى ان اختيار هذا الموقع المتميز على ضفاف المحيط الأطلسي يعكس رمزية وأهمية هذا الملتقى، الذي يعد تتويجًا للمسار الراسخ الذي دشنه إعلان الرباط الأول في إطار مسلسل الدول الإفريقية- الأطلسية (PEAA) ، والذي أكد الالتزام السياسي الرفيع للدول الإفريقية الأطلسية بتعزيز تعاونها سعيا لتحقيق الاندماج المرجو بين دول المنطقة.
ووعد وهبي الاجتماع الوزاري تكريساً للرغبة المشتركة في إرساء شراكة متجددة في مجال العدالة، وفرصة للتحاور وتبادل الأفكار حول دور العدالة في بناء فضاء إفريقي- أطلسي آمن ومستقر، من منطلق الإيمان الراسخ بأن التفاعل مع قضايا العدالة يشكل الأساس لبلوغ الهدف المشترك، ألا وهو توطيد السلام والاستقرار والازدهار المشترك والتنمية المستدامة في المنطقة.
وأشار وهبي إلى أن تحقيق هذه الغاية الفضلى "يتطلب منا حتما تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والعدالة كمحرك أساسي للتقدم والتطور".
وتطرق وهبي إلى الأهمية الاستراتيجية لهذا المسلسل، وقال إنَّها تتجلى في تركيزه على مختلف التحديات التي تواجه دول هذه المنطقة من أجل إرساء منظومة عدالة مندمجة ومتجانسة وفعالة، تستجيب وتتفاعل وتتأقلم مع تطور المؤثرات عبر الوطنية التي تهدد الأمن والاستقرار وتقوض جهودها في تطوير نموذج تنموي مناسب لها يجعل من الإنسان وحقوقه الأساسية محورا له.
وأضاف وهبي أن الأهمية العملية لهذا الملتقى تكمن في الوقوف على رصد التوجهات الحالية للتعاون في المجالات المتصلة بالعدالة واستشراف آلياته المستقبلية وفق مقاربة نسقية وشاملة تجعل من الأدوار الجديدة المنوطة بالعدالة وأجهزتها في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان وخلق فضاء محفز لجلب الاستثمارات وحماية الاقتصاد وحماية البيئة والتنمية المستدامة، مدخلا أساسيا وحتمياً لتحقيق فضاء ينعم بالأمن والسلم والاستقرار.
وبعدما قال وهبي إنَّه تماشياً مع رغبة العاهل المغربي الملك محمد السادس" في وضع بلادنا كشريك للعديد من الدول الإفريقية"، ذكر بأنه سبق للعاهل المغربي أن أكد على ذلك بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء بالقول: "وإذا كانت الواجهة المتوسطية، تعد صلة وصل بين المغرب وأوروبا، فإن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو افريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأميركي"، كما ذكر بالخطاب الملكي الموجه بمناسبة انعقاد الدورة الرابعة للقمة الافريقية- الأوروبية في بروكسل يومي 2و3 نيسان (أبريل) 2014، عندما أوضح في هذا السياق قائلاً: "يشكل الأمن والاستقرار أولوية مركزية. فالشراكة التي تجمعنا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مختلف التحركات والاستراتيجيات التي يتم تبنيها محلياً وإقليمياً ودولياً، من أجل إضفاء قيمة مضافة والمساهمة في نشر السلم والسلام داخل الفضاء المشترك الذي نعيش فيه، في إطار الاحترام التام لسيادة كل بلد ووحدته الوطنية والترابية".
ولا يمكن بلوغ هذا الهدف النبيل،يضيف ملك المغرب، إلا إذا تم التصدي جماعياً وبكل حزم وقوة لكل التهديدات العابرة للحدود التي تتربص بأمن القارة، أينما كان مصدرها.فالإرهاب وعمليات القرصنة البحرية والجريمة المنظمة وشبكات الاتجار في البشر وتهريب المخدرات والأسلحة، كلها تحديات تقتضي أجوبة مشتركة وشاملة وتضامنية.
وخاطب وزير العدل المغربي نظراءه في الدول الأفريقية الأطلسية قائلاً: "مما لا شك فيه أن دولنا أمام مسؤولية مشتركة قصد معالجة التحديات التي تواجهها، مما يقتضي معالجتها في إطار متعدد الأطراف، بروح من المسؤولية والشفافية والتضامن، عبر تكثيف التعاون بين أجهزة العدالة بالمنطقة والتنسيق المستمر بين مكوناتها"، مشيراً إلى أن المملكة المغربية من منطلق انخراطها التام في إطار هذا المسلسل الجهوي،تلتزم بتعزيز تعاونها التقني والقضائي وتقاسم التجارب والممارسات الناجحة والاستثمار في بناء القدرات داخل الفضاء الإفريقي الأطلسي، مع التشديد على أهمية الاستفادة من الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة على نحو مسؤول من أجل استكمال الجهود القائمة؛ ومن هذا المنطلق، يقول وزير العدل المغربي: "سنسعى لتحقيق هذه الغايات من خلال هذا المنتدى والإعلان الأول الذي سينبثق عنه والذي يعد بمثابة خارطة طريق موحدة من أجل المساهمة في تحقيق الاندماج المرجو بين الدول الإفريقية الأطلسية في مجال العدالة".
وخلص وزير العدل المغربي إلى القول "يبقى طموحنا الأبرز أن يمكن هذا المنتدى من تعزيز التعاون الإفريقي الأطلسي ،وأن يساهم أيضا في تنزيل مضامين إعلاني الرباط الأول والثاني لهذا المسلسل من منظور أن أجهزة العدالة لها دور في تحقيق العدل والسلم وحماية حقوق الإنسان بدول المنطقة.
ويرمي الملتقى رصد التوجهات الحالية للتعاون في المجالات المتصلة بالعدالة واستشراف آلياتها المستقبلية، وفق مقاربة نسقية وشاملة ترمي لمواجهة التحديات التي تعرفها دول المنطقة، من خلال مناقشته قضايا مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية وتبادل المعلومات والخبرات والممارسات الفضلى في هذا المجال، إضافة إلى محاربة القرصنة البحرية؛ وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان؛ وجذب الاستثمارات وحماية الاقتصاد؛ ودعم المبادرات القانونية والقضائية الرامية إلى ضمان التوازن بين التنمية المستدامة وحماية البيئة، تعزيز آليات التعاون القضائي.