يسعى صنّاع السياسات الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر جاهدين لتوفير مناخ من الهدوء، قبل الاستحقاق الرئاسي المقرّر في السابع من أيلول (سبتمبر) المقبل، عبر حزمة من القرارات التحفيزية شملت المتقاعدين والموظفين والعاطلين من العمل، بصرف النظر عن تكلفتها التي يقول خبراء إنها ستثقل كاهل الموازنة لا محالة.
وفي خطوة غير مسبوقة، أفرجت الحكومة الجزائرية أخيراً عن المراسيم التنفيذية المعدّلة للقوانين الأساسية الخاصة بالأساتذة الجامعيين والنظام التعويضي الخاص بهم، وقد قوبلت بارتياح كبير، لأنّها ستساهم في تحسين القدرة الشرائية لهذه الفئة.
هدنة مع الجبهة الاجتماعية
واللافت أنّ الحكومة نجحت في اجتياز هذا الامتحان، إذ لم تعترض أي نقابة في قطاع التعليم العالي على المراسيم التنفيذية المعدلة للقوانين الأساسية الخاصة والنظام التعويضي، بل بالعكس، شكرت الاتحادية الجزائرية للتعليم العالي والبحث العلمي الرئيس عبد المجيد تبون على "وفائه بتعهداته والتزاماته" المتعلقة بالإفراج عن قانون أساسي جديد للأستاذ الجامعي.
وتسابق الحكومة، وبتعليمات من تبون، الزمن للإفراج عن القوانين الأساسية الخاصة بالأطباء وجميع ممارسي الصحة العمومية، وبخاصة قطاع التربية الذي يتمتع بثقل كبير في الوظيفة العمومية، فهو إلى جانب أنّه يستقطب حوالى 10 ملايين تلميذ يشغل أكثر من 750 ألف موظف.
وينتظر موظفو قطاع التربية وبمختلف فئاتهم وأصنافهم على أحرّ من الجمر الإفراج عن القانون الأساسي المرتقب صدوره منذ سنة تقريباً، وكلهم أمل في تصحيح الثغرات الموجودة في القانون الحالي. ومن شأن القانون الجديد الذي شهد تأجيلات عدة، أن يخلص المؤسسات التربوية من الإضرابات والاحتجاجات التي شهدتها في السنوات الأخيرة.
"عدل 3"... حلم يتحقق
ومما يراهن عليه صنّاع السياسات الاقتصادية والاجتماعية أيضاً للحفاظ على استقرار الوضع الاجتماعي، تفعيل ملف السكن الذي يشكّل تحدّياً كبيراً لفئات اجتماعية كثيرة، إذ يترقب الجزائريون بشغف كبير فتح التسجيل في موقع "سكنات عدل 3"، وهو الوعد الذي سبق أن أطلقه الرئيس تبون على هامش زيارته محافظة الجلفة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
ويقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بسكرة البروفيسور نور الصباح عكنوش لـ"النهار العربي"، إنّ "موجبات المرحلة المقبلة تقتضي جاهزية مؤسساتية ومجتمعية شاملة، نحو بيئة حاضنة لإنجاح المسار الانتخابي على مستوى الاستعداد التقني والتنظيمي والبنيوي، بما يضمن تحقيق أكبر عوامل النجاح واستباق أي متغيّرات سلبية مؤثرة، بالنظر الى أهمية الاستحقاقات المقبلة، ليس فقط دستورياً، بل استراتيجياً كذلك، بما يقتضي تعزيز قوة الجبهة الداخلية ووحدتها، وهو ما يُفهم من رسائل السلطة إلى المجتمع المدني، وهي رسائل اطمئنان وتهدئة وثقة في منظور ايجابي للمستقبل".
وأبدت الدولة الجزائرية عبر قانون موازنة 2024، التزامها إنجاز كل أنماط السكن المعلن منذ عقود، فالبرنامج المسجّل بعنوان قانون الموازنة لعام 2024 يتضمن 210 آلاف وحدة سكنية بمختلف الصيغ، وتُضاف إليها 250 ألف وحدة سكنية (100 ألف سكن عمومي إيجاري و 150 ألف سكن ريفي)،
وخلال العام 2023، أنجزت الحكومة الجزائرية ما يقرب من 331 ألف وحدة سكنية، بمجموع مليون و250 ألف وحدة تمّ إنجازها منذ 2020 إلى الآن، وهو رقم كبير إذا ما قورن بفترة الإنجاز التي لم تتخط عتبة الـ4 سنوات، وخُصّص لهذا البرنامج مبلغ يقدّر بـ 25 مليار دينار جزائري أي ما يعادل 186 مليون دولار.
وفي خطوة لرفع العبء عن الجزائريين خلال شهر رمضان الفائت وعيد الأضحى، أوصى تبون باستيراد 100 ألف رأس من الأغنام من رومانيا، على أن تستورد باقي الكميات قبيل عيد الأضحى، بغية تمكين المواطنين من شراء أضاحي العيد بأسعار معقولة تراوح بين 45 ألف دينار جزائري و50 ألفاً، أي ما يعادل 350 يورو، في وقت تعرف أسعار الأضاحي المحلية ارتفاعاً كبيراً يحول سنوياً دون تمكن قطاع عريض من العائلات الجزائرية، ولا سيما ذات الدخل المتوسط، من شراء الأضحية.
تحقيق تعبئة مقبولة
وقبل أشهر فقط، دخلت منحة الـ 80 دولاراً حيز التنفيذ لفائدة العاطلين من العمل، بهدف امتصاص غضب هذه الفئة التي باتت في أمسّ الحاجة إلى مصدر معيشي، وخصوصاً أنّ أغلب هؤلاء تراوح أعمارهم بين 19 عاماً و40 عاماً، ومعظمهم مسؤولون عن عائلات بأكملها.
وبالنسبة للأستاذ المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة محمد الصديق بن يحيى في محافظة جيجل عبد الرفيق كشوط، فإنّ "الجزائر بادرت بمجموعة من الإصلاحات ذات الأثر المباشر على الجبهة الاجتماعية، لكن الملاحظ أنّ هذه الإصلاحات لم تكن ظرفية بل كانت أولاً منسجمة مع الوعود التي قطعها الرئيس الجزائري على نفسه في ولايته الرئاسية الأولى، بخاصة في ما يتعلق بتحسين الظروف الاجتماعية للمواطن".
لكن كشوط لا ينكر "مساعي السلطة الجزائرية للحفاظ على الاستقرار الذي تشهده الجبهة الاجتماعية قبيل الانتخابات الرئاسية، بقصد تحقيق تعبئة مقبولة، والتي في غيابها ستتضرر صورة الانتخابات وصدقيتها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي. وعليه، فهذه الإصلاحات هي في الحقيقة تقدّم خدمتين، الأولى للمواطن والأخرى للسلطة. فالظروف الاجتماعية الصعبة التي ما فتئت تتدهور، كانت تحتّم الإسراع في الإصلاحات حتى لا تتدهور أكثر، مما يثير حالة من الاحتقان والتذمر لدى المواطن، وهو ما لا يخدم السلطة في أي سياسات مستقبلية، بما فيها الانتخابات الرئاسية المقبلة".