تصاعدت التحذيرات المحلية والدولية من كارثة إنسانية وصحية تلوح في مدينة الكُفرة الليبية بسبب تزايد أعداد اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية المشتعلة في السودان، في ظل تقارير عن إصابة المئات منهم بأمراض معدية، ما دفع السلطات الليبية إلى التحرك لمحاولة حلحلة الأزمة والتخفيف من حدتها.
تحديات اللجوء في الكفرة
وعانت الكفرة (جنوب شرقي ليبيا)، وهي عبارة عن أرخبيل من الواحات، يقطنها نحو 60 ألف نسمة، الإهمال والتهميش على مدى عقود، رغم أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية. لكن مع اشتعال الصراع في السودان قبل نحو عام، تستقبل المدينة التي تطل على شريط حدودي يمتد من مصر إلى السودان وينتهي عند تشاد، ما يقارب الألف نازح يومياً، وفقاً لتقارير منظمات دولية، ما فاقم معاناة سكانها الأصليين، وشكل ضغطاً على الأجهزة الحكومية الهشة في المدينة، لا سيما القطاع الصحي، وسط مخاوف محلية من حصول تغير ديموغرافي، إذا طال أمد إقامة اللاجئين.
وتشتهر الكُفرة بالينابيع والآبار، المصدر الرئيسي للمياه في المدينة التي تعد إحدى أغنى الواحات في إنتاج التمور والزيتون والمانغو لطقسها الشديد الحرارة، وهي تعد مركزاً تجارياً يربط بين مدن الجنوب الليبي ودولتي الجوار السودان وتشاد.
ووفقاً لناشطين في ملف المهاجرين ومسؤولين محليين تحدث إليهم "النهار العربي"، فإن الكفرة تستضيف ما يقارب الـ50 ألف نازح سوداني، والأعداد تتزايد يومياً، رغم عدم وجود إحصاءات رسمية بأعداد اللاجئين السودانيين الذين توافدوا على الجنوب الليبي منذ اشتعال الصراع في بلادهم، وذلك لضغف أجهزة الإحصاء الرسمية، وتجنب بعض اللاجئين الإفصاح عن هويتهم. وحذر هؤلاء من أن المئات من رفاقهم يحملون أمراضاً معدية، ما يهدد بتفشي تلك الأمراض في الكُفرة وانتقالها إلى مدن ليبية أخرى.
وسُجلت نحو 800 إصابة بالالتهاب الكبدي، و45 بالتهاب الكبد الوبائي و130 حالة ملاريا وسل، خلال الشهور الخمسة الماضية، وفقاً لإحصاءات محلية تحدثت أيضاً عن اكتشاف إصابات بالإيدز.
وأكدت المصادر الليبية أن "تدفق اللاجئين يهدد بانهيار القطاع الصحي المحلي المحدود الإمكانات وغير القادر على التعامل مع تلك الأمراض". ولفتت أيضاً إلى "معضلات معيشية يواجهها الهاربون من جحيم الحرب، فبعضهم يضل طريقه في الصحراء، ومن يصل إلى المدن يضطر إلى افتراش الطرق والنوم في العراء في ظل محدودية الوحدات السكنية المتاحة". وطالبت الأمم المتحدة والمنظمات الصحية الدولية بالتدخل لمنع كارثة إنسانية وصحية تلوح في الأفق.
إعلان الطوارئ
مدير مستشفى الكُفرة التعليمي إسماعيل العيضة أوضح لـ"النهار العربي" أن "السلطات المحلية أعلنت حالة الطوارئ في المدينة منذ اشتعال الصراع في السودان"، لكنه لفت إلى أن توافد مئات الهاربين يومياً "أرهق القطاع الصحي الذي يعاني في الأساس ويحتاج إلى الدعم". وأكد "رصد تزايد كبير في الإصابات بالأمراض المعدية والمزمنة، وعلى رأسها حالات الدرن والإيدز والالتهاب الكبدي، ما فاقم الأعباء على المراكز الصحية في المدينة التي تستقبل ما يزيد عن الألف لاجئ يومياً". وحذر العيضة من انتقال الأمراض من اللاجئين إلى سكان المدينة وتوسع انتشارها، لافتاً إلى أن الدعم الحكومي للقطاع الصحي "غير كاف ولا بد من تدخل المنظمات الدولية لتوفير التجهيزات والأجهزة الطبية، وكذلك توفير طواقم طبية بالإضافة إلى العلاجات والعقاقير".
وأمام هذا الوضع، استنفرت السلطة في شرق ليبيا، لبحث ملف الكُفرة، ومحاولة حلحلة أزماته الصحية والمعيشية.
جولة ميدانية ووعود بحلول
وتخضع المدينة لسيطرة "الجيش الوطني" الليبي الذي كان قد سارع إلى إغلاق الحدود الجنوبية الليبية مع السودان مع اشتعال الصراع هناك في نيسان (أبريل) العام الماضي. وزار رئيس الحكومة الموازية في الشرق أسامة حمّاد، الأسبوع الماضي، برفقة المدير العام لصندوق التنمية وإعادة الإعمار بلقاسم حفتر، نجل قائد "الجيش الوطني"، مدينة الكفرة، ضمن جولة شملت مدن الجنوب الليبي الرئيسية.
واطلع حماد وحفتر الابن على المشكلات والاحتياجات من أجل حصرها للشروع في أعمال التنمية والتطوير في المدينة، كما تفقدا عدداً من الطرق الرئيسية في المدينة التي من المقرر أن تبدأ فيها أعمال التعبيد والصيانة والتوسعة، وفق بيان حكومي.
وبعد الزيارة عقد حماد اجتماعاً مع وزيري الخارجية عبد الهادي الحويج والصحة عثمان عبد الجليل، ركز على بحث ملف تزايد أعداد اللاجئين السودانيين في المدن الليبية، خصوصاً في الكفرة وأجدابيا. كما ناقشوا "دعم المنظمات الدولية لكي تتمكن من المساهمة في تخفيف معاناة النازحين".
وزار عبد الجليل مقر فرع الهجرة غير الشرعية في الكُفرة واطلع على "المعاناة التي يتعرض لها النازحون والصعوبات التي تواجه الجهات التي ترعى شؤونهم".
وأكد عبد الجليل أن الشعب الليبي "تربطه علاقات قوية مع الشعب السوداني، وأن ليبيا لن تترك إخوانها النازحين من دولة السودان جراء الحروب التي تحدث هناك"، لافتاً إلى مساندة وزارته "كل النازحين من أجل تقديم الرعاية الصحية المطلوبة لهم، وسوف تتكفل إجراء كل التحاليل والفحوصات الطبية اللازمة لهم". كما وعد بأنه "لن يترك الكُفرة إلا بعد تقييم الوضع الصحي بالكامل وبدقة ووضع خطة عملية لتقديم خدمات صحية للنازحين تراعي إنسانيتهم وتحمي المواطنين الليبيين من تفشي أي أمراض معدية".