النهار

"قاطعوا أضحية العيد"... جنون الأسعار يحرم التّونسيين من اللّحوم الحمراء
تونس-كريمة دغراش
المصدر: النهار العربي
ويصل سعر كلغ واحد من اللحم إلى أكثر من 50 دينارا، أي نحو 15 دولارا، وهو ما يعني أن الأجر الأدنى المضمون في تونس، ويقدر بـ 450 دينارا، لا يكفي لشراء 5 كلغ من اللحم.
"قاطعوا أضحية العيد"... جنون الأسعار يحرم التّونسيين من اللّحوم الحمراء
سوق للاضاحي في تونس
A+   A-
مع اقتراب عيد الأضحى، ينشغل التونسيون بتأمين الأضاحي، في ظل تواتر الحديث عن ارتفاع أسعارها وبلوغها معدلات قياسية بسبب النقص الكبير في أعداد القطيع وغلاء الأعلاف.
 
وتعاني سوق اللحوم الحمراء في تونس في السنوات الأخيرة صعوبات كبيرة حرمت كثيرين منها بعدما شهدت أسعارها زيادات جنونية في ظرف وجيز.
 
ويصل سعر كلغ واحد من اللحم إلى أكثر من 50 ديناراً، أي نحو 15 دولاراً، وهو ما يعني أن الأجر الأدنى المضمون في تونس، ويقدر بـ450 ديناراً، لا يكفي لشراء 5 كلغ من اللحم. وكان سعر الكلغ قبل 2011 أقل من 20 ديناراً. وبحسب الأرقام الرسمية لا يتجاوز معدل استهلاك التونسي للحوم الحمراء 9 كلغ سنوياً، وهو من أضعف المعدلات في المنطقة.
 
ويعاني القصابون تراجع الإقبال على شراء اللحوم الحمراء، ويقول رئيس غرفة القصابين أحمد العميري لـ"النهار العربي" إن عدداً منهم ترك هذه المهنة بسبب ضعف الإقبال وتراجع كميات اللحوم المعروضة في الأسواق التونسية.
 
ارتفاع قياسي لأسعار الأضاحي
وصار عيد الأضحى المناسبة الوحيدة التي يتناول فيها كثير من التونسيين اللحوم الحمراء، لكن ارتفاع أسعار أضاحي العيد قد يواصل حرمان هذه الشريحة من هذه اللحوم حتى في هذه المناسبة.
 
وقدرت أسعار أضاحي العيد هذا العام بأكثر من 1500 دينار، وقال رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي لـ"النهار العربي" إنها قد تصل إلى أكثر من ألفي دينار تونسي (600 دولار)، وهو ما أكده المستشار الاقتصادي لاتحاد المزارعين فتحي بن خليفة بقوله إن سعر أضاحي العيد سوف يراوح هذا العام بين 600 دينار و1500 دينار.
 
وتعود أسباب ارتفاع أسعار الأضاحي واللحوم الحمراء، وفق العميري، إلى تراجع عدد القطيع في السنوات الأخيرة.
 
ويقول عضو اتحاد المزارعين حمادي بوبكري إن عدد القطيع عرف تراجعاً في الأعوام الأخيرة بعدما تخلى جزء من المربين عن مواشيهم، بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج التي تعتبر التغييرات المناخية وتراجع كميات الأمطار وما نتج منها من تقلص لمساحات الرعي من أبرز أسبابها، لكنه يؤكد أن ارتفاع أسعار الأعلاف يعتبر السبب الأول لنفور المربين من مواصلة تربية الأبقار والخرفان، وهو ما كان له تأثير على منظومة اللحوم الحمراء ككل.
 
 ويقدر تراجع عدد القطيع في تونس بنحو 30 في المئة مقارنة بالعام الماضي، ويتوقع ألا يتجاوز عدد رؤوس أضاحي العيد هذا العام المليون أضحية.
 
وتعاني تونس تأثيرات تواصل موجة جفاف بدأت منذ 6 سنوات، وكان لها تأثير كبير على محاصيلها الزراعية ومساحات الرعي التي عرفت تراجعاً كبيراً بسبب النقص في كميات الأمطار.
 
إجراءات لكبح الأسعار
وأقرت السلطات التونسية جملة من الإجراءات لدعم المربين وتقليص تكلفة إنتاج اللحوم الحمراء، من ذلك خفض أسعار بعض أصناف الأعلاف مثل "فيتورة الصوجا" كما جاء في بيان صادر هذا الأسبوع عن وزارة التجارة، مع مواصلة العمل بالتخفيضات التي كانت قد أعلنت عنها سابقاً خلال شهر رمضان والإسراع بحل كل المشكلات التي تساهم في ارتفاع تكلفة إنتاج الأعلاف وجودتها.
 
ومنذ سنوات تحاول السلطات كبح جماح الارتفاع الجنوني لأسعار الأضاحي من خلال تسقيف سعرها، لكن التونسيين يقولون إنهم لا يلمسون تأثيراً واضحاً لهذه الإجراءات على أسواق الماشية.
 
ويتوقع مراقبون أن تقوم السلطات باستيراد كميات من الأضاحي بأسعار مناسبة لعرضها في السوق المحلية. وكانت شركة اللحوم الحكومية في تونس قد استوردت خلال شهر رمضان كميات من اللحوم الحمراء لتعديل الأسعار في السوق. 
 
 
دعوات لـ"فتوى" تلغي شراء الأضاحي!
ودفع الحديث عن ارتفاع أسعار الأضاحي هذا العام إلى ظهور دعوات إلى مقاطعة شراء الأضحية هذا العام.
 
وساندت منظمة "إرشاد المستهلك" هذه الدعوة، ودعا الرياحي عبر "النهار العربي" دار الإفتاء في تونس إلى إلغاء سنّة شراء الأضحية هذا العام مثلما هو معمول به في دول أخرى تعاني المشكلة نفسها. 
 
ويرى الرياحي أن التونسي الذي يقدس عيد الأضحى غير قادر على اتخاذ هذه الخطوة بمفرده، وقد يلجأ إلى الاستدانة من أجل شراء الأضحية، لكن صدور فتوى عن دار الإفتاء الرسمية سيشجعه على مقاطعتها وفق تقديره.
 
وكالرياحي دافع تونسيون كثيرون على فكرة إلغاء شراء الأضحية هذا العام، وتحت وسم "قاطعوا أضحية العيد" كتب هؤلاء مطالبين دار الإفتاء بالتحرك وإصدار هذه الفتوى، وشدد أصحاب هذا الرأي على أن المقاطعة هي أفضل حل للضرب على أيادي المحتكرين.
 
في المقابل، ظهر تيار آخر عارض الحملة الأولى وشن حملة معاكسة تحت وسم "لن أقاطع"، داعياً إلى احترام معتقدات التونسيين وشعائرهم، واعتبر أصحاب هذا الرأي أن كل تونسي حر في اتخاذ القرار الذي يتماشى مع قناعاته ويناسب مقدرته، وتساءل عدد من هؤلاء عن سبب الدعوة إلى إلغاء أضحية عيد الأضحى مقابل السكوت عن الاستمرار في "تبذير الأموال في مسائل كمالية"، فيما دافع آخرون عن المربين الذين يعتبر عيد الأضحى مصدر رزقهم الوحيد بعد تراجع معدل استهلاك اللحوم الحمراء في البلد.
 

اقرأ في النهار Premium