النهار

احتفالات الرّبيع أو" "ثافسوث"... شهران من تقاليد الفرح في الطّبيعة الجزائريّة
الجزائر-نهال دويب
المصدر: النهار العربي
يقطع الأطفال والنسوة الصمت الطويل الذي يخيم على المناطق الجبلية بأغانيهم التراثية ، ومن بين ما يُردد "شاو ربيع ربعاني، كل عام تلقاني، في العطيل الفوقاني" والمقصود بهذه العبارة "أيها الربيع المزهر، ستعود وتجدني كل عام في المرج الأعلى".
احتفالات الرّبيع أو" "ثافسوث"... شهران من تقاليد الفرح في الطّبيعة الجزائريّة
عائلات من سطيف تمضي العطلة في الطبيعة
A+   A-
مع أولى ساعات الصباح خلال عطلة الأسبوع، انطلقت عائلات كثيرة في محافظة سطيف وعاصمتها التي تحمل الإسم نفسه، والمعروفة أيضاً بمدينة عين الفوارة (على بعد 300 كلم شرق الجزائر العاصمة وهي عاصمة الهضاب في شمال شرقي البلاد) للصعود إلى الحقول والمساحات الخضراء التي يمتاز بها جبل "بو طالب" الشهير للاحتفال بحلول الربيع أو "ثافسوث" باللغة الأمازيغية. ولكل مدينة من مدن البلاد طقوسها وعاداتها وتقاليدها في الاحتفال، غير أن الأمر المتفق عليه أن شهر آذار (مارس) أو "مغرس" بالتقويم الأمازيغي هو شهر الزرع والبذر والسقي. 
 
الخروج إلى البراري 
تقول جميلة، وهي سيدة جزائرية في العقد الرابع من عمرها من وسط مدينة سطيف لـ"النهار العربي"، إن "فصل الربيع هو فصل الخروج إلى البراري وعالم الطبيعة والأرياف، حيث تلقي الشمس بدفئها لتذيب الثلوج والجليد في سفوح الجبال".
 
 
ويعتبر الترحيب بالربيع في مناطق متفرقة من محافظة برج بوعريريج (مدينة جزائرية تقع على بعد نحو 215 كيلومتراً جنوب شرقي البلاد وتلقب لدى العامة بـ"البرج")، باحتفالات شعبية تتخللها طقوس وتقاليد خاصة بـ"شاو الربيع" والمقصود بها باللغة الأمازيغية بداية الربيع، أولى تباشير الفرح بحلول هذا الفصل التي تبدأ بتحضير "المبرجة" أو "البراج"، وهي من الحلويات التقليدية التي تشتهر بها مناطق الشرق الجزائري، ويعد التمر "الغرس" والسميد الخشن والزبدة المكونات الرئيسية لهذه الحلوى.
 
 
وتقام الاحتفالات عادة خلال الجمعات الثلاث الأولى من شهر "مغرس" وتدوم إلى غاية نهاية نيسان (أبريل). ويقطع الأطفال والنسوة الصمت الطويل الذي يخيم على المناطق الجبلية بأغانيهم التراثية، ومن بين ما يُردد "شاو ربيع ربعاني، كل عام تلقاني، في العطيل الفوقاني" والمقصود "أيها الربيع المزهر، ستعود وتجدني كل عام في المرج الأعلى". 
 
 
"طلاعة" الربيع 
وتشرح زينة، ابنة مدينة عين ولمان أجواء الاحتفال بفصل الاخضرار والجمال بقولها إن "السيدات يعكفن على اقتناء طلاعة الربيع، أي قفة النزهة الربيعية المصنوعة من البلاستيك أو الحلفاء التي يتم ملؤها بالبيض المسلوق وحبات من البرتقال والمبرجة والرفيس أو الطمينة التي يتم تحضيرها بتحميص الدقيق الخشن على النار حتى يأخذ اللون الذهبي الناصع، ويخلط مع معجون التمر والزبدة وكمية قليلة من العسل ويصاغ في قوالب ذات أشكال مختلفة وتقدم عادة مع اللبن أو الحليب".
 
وتذكر أن "هذه الطلاعة تقتنى خصوصاً للأطفال الصغار وتحمل رسومات مختلفة مثل رسمة سبايدرمان أو الرجل العنكبوت أو صورة دورا الشخصية الكرتونية المحبوبة، يحملها الأطفال بين أيديهم وهم يسيرون وسط الدروب الضيقة المؤدية إلى أعالي الجبال التي تزخر بها مناطق الهضاب العليا، وكل يتباهى ويتفاخر بقفته وما تحتويه". 
 
وبحسب التداول الاجتماعي، يعرف فصل الربيع في مناطق متفرقة من الشرق الجزائري بفصل "الكلخ" كدليل قاطع على ارتباط السكان بالأرض. 
 
وفي سياق الحديث عن الأطباق التقليدية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من هذه الاحتفالات، تعد النسوة في هذه المناطق "قرص الربيع التقليدي"، وهو خبز تقليدي قوامه السميد والملح والقليل من الخميرة، وهو لا يختلف إطلاقاً عن الكسرة التي تشتهر بها العديد في المناطق الجزائرية سوى في الشكل، كأن تأخذ أشكال الأزهار البرية التي تزين الحقول والجبال في هذه المناطق أو شمس الربيع، على أن تدهن في الأخير بصفار البيض نسبة إلى اللون الحقيقي لأشعة الشمس وهو الأصفر. 
 
البحث عن عروس 
ويكمن الدافع الأكبر لمثل هذه الاحتفالات المتجذرة في العديد من المناطق كطقس تقليدي لا يختلف إطلاقاً عن طقوس الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في كانون الثاني (يناير)، حسبما يقول أستاذ التاريخ في جامعة برج بوعريريج الصالح بن سالم، في مقالة له بعنوان "احتفالية شاو الربيع الأصول والتمظهرات" في "التلاحم والـتآزر الفريد من نوعه بتقديم يد المساعدة والعون من العائلات الميسورة للعائلات الفقيرة، لا سيما المحرومين". 
 
 
وهناك من السيدات من تستغل هذه المناسبة، بحسب الصالح بن سالم "في البحث عن عروس لائقة لأحد شباب العائلة، وعادة لا تعود العائلات من هذا المتنزه إلا بعد صلاة العصر فرحة بفصل الربيع على أن تلتقي في السنة المقبلة".  
 
وتختلف الاحتفالات من منطقة إلى أخرى، فالجزائر "قارة"، ليس لأنها الدولة الأكبر حجماً في قارة أفريقيا، بل أيضاً من حيث تنوع العادات والتقاليد والموروثات، إذ تعرف مدينة بجاية (على ساحل البحر على بعد 250 كلم شرق الجزائر)، بكونها عاصمة طبق "سكسكو أذرييس" وله تسميات أخرى لكن أقل شهرة في مناطق أخرى. 
 
يتكون الطبق أساساً من بعض الأعشاب الطبيعية المفيدة للجسم كعشبة الزعيترة التي تمتلك خصائص مضادة للتأكسد ومضادة للبكتيريا والسرطان، وعشبة الخروب التي تساهم في علاج العديد من الأمراض على غرار الإسهال والسكري وحرقة المعدة والسمنة، إضافة إلى أغصان من الزيتون والخزامى (نبتة جبلية موطنها الأصلي شمال أفريقيا والمناطق الجبلية في البحر الأبيض المتوسط، تمتاز برائحتها العطرية الزكية).
 
ويتمثل المكون الأساسي في هذا الطبق في عشبة "أذرييس" أو "بونافع"، وهي دليل قاطع على بداية "مغرس" أو شهر آذار. يقص الأجداد أساطير عدة عنها، منها أن طفلاً مرض مرضاً شديداً ولم يعثر الأطباء له أي علاج، في يوم من الأيام رأى والده مريضاً ينبش نبة "بونافع" بحثاً عن جذورها، فأحضر الوالد جذراً بعدما قام بحماية يديه ووجهه بالقماش وأحضر شراباً، ما إن تناوله الطفل حتى شفي منه فصاح الوالد من شدة الفرح قائلاً: "يدر ييس" (عاش به، بفضله). 
 
تكشف نجاة لـ"النهار العربي" طريقة تحضير هذه الوجبة قائلة: "يتم غلي جميع تلك الأعشاب السالفة الذكر مع البيض من جهة وفوقها يتم تفوير الكسكس مرتين متتاليتين، ومن جهة أخرى يتم تفوير كمية من الحمص والجزر والبطاطا والبصل والطماطم، لتخلط كل المكونات في الأخير ما عدا الأعشاب التي كان الغرض منها تنكيه الطبق والمنزل مع تطهيره من الفيروسات الموسمية لفصل الشتاء". 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium