خرقت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية صمت السلطات حيال التأويلات التي صاحبت اللقاء التشاوري الأول بين قادة دول كل من الجزائر وتونس وليبيا، المنعقد في 22 نيسان (أبريل) الماضي في قصر قرطاج في العاصمة التونسية.
وكتبت أنه في السنة المقبلة 2025 "سيكون قد مرّ 30 عاماً بالضبط على الإعلان عن شهادة الموت السريري لاتحاد المغرب العربي، الذي لم يعد موجوداً في الواقع"، في إشارة صريحة إلى حالة الجمود التي يعرفها هذا التكتل المُنشأ قبل 35 عاماً.
وفي ما بدا أنه منشور إعلامي عادي بالنسبة إلى الوكالة، فإن متابعين يؤكدون أن المقال تعبير صريح عما يختلج السلطة في الجزائر حيال موضوع اتحاد المغرب العربي وردود فعل بعض الأطراف تجاه اللقاء الثلاثي الأخير لقادة ثلاث دول مغاربية.
تبرير المبادرة الجديدة؟
في قراءة أولية، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر حمزة حسام، أن مقال الوكالة قال ما لم تقله الخطابات الرسمية، إذ لفت إلى "الأسباب الحقيقية التي دفعت الجزائر إلى المبادرة إلى إقامة تكتل إقليمي جديد، وقيلت فيه أيضاً الأسباب الحقيقية لتوقف أو لجمود اتحاد المغرب العربي من وجهة نظر جزائرية طبعاً، عندما استذكر السلوك المغربي الذي جمد الاتحاد المغاربي عام 1995 في تصريح لوزير الخارجية المغربي آنذاك عبد اللطيف الفيلالي".
وكتب الفيلالي، عام 1995، إلى نظرائه في بلدان اتحاد المغرب العربي رسالة يبلغهم فيها تجميد عمل هذا الاتحاد، احتجاجاً على "السياسة الجزائرية المناوئة لمصالح الرباط" والمتعلقة بنزاع الصحراء الغربية؛ لتتعطل بالتالي هياكل الاتحاد المغاربي إلى غاية اجتماع وزراء خارجية دول المغرب العربي في الجزائر عام 2001.
ويؤكد حسام أن ما قيل في المقال تبرير بطريقة أو بأخرى للانطلاقة أو المبادرة الجديدة المعلنة من قادة دول الجزائر وتونس وليبيا.
ويضيف أن الاستجابة التونسية والليبية للمبادرة الجزائرية بعقد اللقاء التشاوري الأول "دليل واضح على أن هناك حتميات أو ظروفاً واقعية أو معطى واقعياً يفرض هذا التعاطي المشترك أو إعادة بعث مبادرة ذات توجه تكاملي في التعاطي مع المسائل المغاربية".
"موت سريري"
وعلى نقيض بعض التحليلات المؤكدة أن مقال وكالة الأنباء الجزائرية يمثل انسحاباً أكيداً للجزائر من اتحاد المغرب العربي، يرى حسام أن "الجزائر لم تنسحب ولكنها تعتبر أن ما يحصل في الاتحاد المغاربي هو حالة من الموت السريري، حالة من عدم القدرة على بعث الحياة في كيان لا يقوم بأي دور من الأدوار التي أنيطت به. لهذا لا يمكن البقاء في وضعية المتفرج، لا يمكن الركون إلى الجمود وانتظار فرج قد لا يأتي أبداً".
وشكل لقاء الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والتونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي في قرطاج، بادرة جديدة نحو تكتل إقليمي مغاربي لا بد منه، يقول مراقبون، بخاصة مع الغيبوبة المستمرة التي يعرفها اتحاد المغرب العربي.
ولئن لم يعلن بصفة صريحة ورسمية عن تسمية القمة الثلاثية، غير أن خبراء السياسة يؤكدون أنها تمهيد للتأسيس لتكتل أو كيان جديد أو اتحاد استراتيجي سياسي واقتصادي يتصدى لمتغيرات الظروف الإقليمية والعالمية الحالية، ويواجه التكتلات الأخرى بخاصة منها الاتحاد الأوروبي.
متفائلون ومتشائمون
وإن كان أكبر المتفائلين يؤكدون نيات البلدان الثلاثة في المضي قدماً نحو حلف مغاربي ثلاثي قوي تنضم إليه موريتانيا قريباً، فإن أكبر المتشائمين يمنّون النفس بأن لا يكون مصير هذا التكتل الجديد الذي يجمع بعضاً من شتات المغاربيين، مصير اتحاد المغرب العربي.
وفي هذا الإطار، يعتقد حسام في حديث إلى "النهار العربي" أن "الحلف الثلاثي الجديد يمكن أن يكون أفضل من الاتحاد المغاربي لسبب بسيط هو تحييد المغرب الذي يقارب دائماً المسائل المغاربية من زاوية نظر مسألة الصحراء الغربية ومن زاوية مناكفة الجزائر".
ويؤكد أن "نزعة معاكسة التوجه الجزائري موجودة دائماً لدى الرباط، وإذا استثنينا هذا العامل المشوش، أو بالأحرى إذا أبعدناه، فإني أعتقد أن الأمور ستسير بطريقة أفضل بين الدول المغاربية".
ويشير حسام إلى "المقومات العديدة التي تجمع البلدان المغاربية والتي من شأنها أن تساعد على نجاح التجربة التكاملية التي بادرت بها الجزائر واحتضنتها كل من تونس وليبيا، فالتواصل الجغرافي والبحري، واللغة المشتركة، والهوية المشتركة، والحدود... إلخ، كلها عوامل تساهم حقيقة في تسهيل أو على الأقل تمهد لانطلاق مشروع تكاملي حقيقي بين الدول الثلاث".
"ضرورة حتمية"
تضاف إلى كل هذا، يقول حسام، "الظرفية الإقليمية والعالمية الحالية، بملابساتها الخاصة الحاملة للكثير من التحديات للدول المغاربية وتتطلب رداً مشتركاً... فعندما نتحدث مثلاً عن أمن الحدود وعن التهديدات العابرة للحدود، عن الإرهاب، عن الجريمة المنظمة والمخدرات، وعندما نتحدث عن حركية الاختراق الأجنبي، وعن الطموحات التنموية وبعث حركة النمو على المستوى المغاربي، وحتى عن العلاقات مع الكتل الإقليمية والجيوسياسية الأخرى وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، فهذه كلها ظروف تجعل من خيار الذهاب نحو تنسيق مغاربي، ولمَ لا تجربة تكاملية جديدة، أمراً حتمياً وضرورة وليس حتى خياراً بالنسبة إلى الدول المغاربية؛ وفي الوقت نفسه، تعطي دافعاً من شأنه أن يبقي هذه الدول متمسكة بنجاح مبادرتها هذه المرة".