في خطوة تصعيدية جديدة تعكس الاحتقان الذي يعيشه القطاع الصحي في المغرب، أعلن طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة عن تنظيم "مسيرة الصمود الوطنية" اليوم الاثنين، وخوض طلبة السنة السادسة والسابعة إضراباً وطنياً عن التدريبات الاستشفائية باستثناء المداومات الليلية والنهارية ومصالح المستعجلات (الطوارئ) اليوم وغداً الثلثاء، وذلك تزامناً مع واقع الإضرابات المتكررة للأطباء والعاملين في المستشفيات الحكومية ضد ما وصفوها بتلكؤ الحكومة المغربية في الوفاء بتعهداتها.
وأعلن التنسيق النقابي الوطني لقطاع الصحة، الأحد، خوضه إضراباً وطنياً جديداً، يومي 7 أيار (مايو) الجاري و8 منه، في كل المؤسسات الصحية، مع استثناء أقسام الطوارئ والإنعاش، وذلك بسبب ما وصفه بـ"استمرار تجاهل الحكومة، وتعنتها في الاستجابة لانتظارات الشغيلة الصحية"، عقب الإضراب الوطني الذي عرفه القطاع، يومي 24 نيسان (أبريل) الفائت و25 منه، "لمواجهة الردة الحكومية والتملص من الوفاء بالتزاماتها الموقعة في محضري 29 كانون الأول (ديسمبر) و26 كانون الثاني (يناير) المنصرمين بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والنقابات الصحية، تتويجاً لجولات متعددة وطويلة من جلسات الحوار الاجتماعي القطاعي"، ورفضاً لما وصفوه بـ"سياسة التجاهل وصمّ الآذان التي تنهجها الحكومة تجاه الأوضاع المهنية المزرية لعموم مهنيي الصحة والهجوم على حقوقهم ومكتسباتهم المشروعة والتاريخية".
امتعاض طبي من الحكومة
وفي تصريح لـ"النهار العربي"، قال مصطفى الشناوي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الكونفيدرالية الديموقراطية للشغل، إنهم يستشعرون بانزعاج وأسف شديدين "مدى الألم المجتمعي الناجم عن تعطيل العلاجات والخدمات الصحية وانسيابيتها بسبب الإضراب، والتي يتحمل ويلاتها المواطن البسيط المنتسب للمؤسسات الصحية العمومية".
ويرى الشناوي أن الحكومة تسببت "عبر نهجها لسياسة النكوص والتراجع عن الالتزامات وضرب العمل المؤسساتي، بأزمة ثقة كبيرة واحتقان غير مسبوق في القطاع الذي يشهد ورشاً مهيكلة في إطار تطوير وإعادة تأهيل المنظومة الصحية برمتها، والتي جعلت من النهوض بأوضاع مهنيي الصحة إحدى ركائزها الأساسية".
ويتّهم أطباء المغرب الحكومة باعتماد مقاربة السلبية تجاه مطالب مهنيي الصحة بصمتها "المريب" في هذا الظرف بالذات، وهو ما لم يجدوا له "مبرراً موضوعياً إلا الارتهان إلى حسابات سياسوية ضيقة لا تفيد لا القطاع ولا المنظومة الصحية ولا المواطنين في شيء، بل تُعَمِّقُ هوة انعدام الثقة في أي حوار مع الحكومة، ولا تساهم بذلك في مصالحة مهنيي الصحة مع منظومتهم الصحية، وعلى العكس تزيد الحكومة في منسوب التذمر والاحتقان في القطاع الصحي"، وفق تعبير الشناوي الذي أشار إلى "مواصلة الحكومة التنكر لمطالبهم ورفض أوضاعهم المادية والمهنية والاجتماعية وتحفيزهم على المزيد من العطاء".
يتحدّون الحكومة رغم الملاحقات القضائية
متاعب الحكومة المغربية مع قطاع الصحة شملت أيضاً أطباء المستقبل، إذ أعلنت اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة التي تقود إضرابات منذ ثلاثة أشهر، عن تنظيم مسيرة أطلقت عليها "مسيرة الصمود الوطنية" اليوم 6 أيار، رداً على قرارات التوقيفات بحقّ 66 طالباً وإغلاق باب الحوار مع الوزارة الوصية.
وقالت اللجنة إنها تستنكر ما تعرض له الطلبة "من قمع وترهيب"، ودعت الوزارة الى الجلوس إلى طاولة الحوار بنية إيجاد الحلول "والاستجابة لمطالبنا المشروعة"، لافتة إلى أن "التوقيفات التي اتخذتها إدارة كليات الطب في حق عدد من الطلبة الذين يقودون الإضرابات شملت 66 طالباً أغلبهم من ممثلي الطلبة باللجنة الوطنية، وكذا أعضاء المكاتب والمجالس المحلية وبعض الطلبة، وبلغت ما يناهز 35 سنة من التوقيفات عن الدراسة موزعة على ممثلي الطلبة"، في انتظار إضفاء الطابع الرسمي على القرار.
وأشار بيان اللجنة إلى حصول استدعاءات للمثول أمام الشرطة القضائية، وتهديد مستقبل 25 ألف طالب بسنة بيضاء، ويتعلق الأمر برفع شكوى لدى النيابة العامة ضد ممثلي الطلبة بكلية الطب والصيدلة في مدينة وجدة، كما انتقد الطلبة القرار الضمني لـ"توجه الوزارتين الوصيتين نحو السنة البيضاء بدل الجلوس إلى طاولة الحوار والعمل على إيجاد حلول عاجلة للأزمة الحالية وتغليب المصلحة العليا للوطن وأبنائه".
ووجه طلبة الطب كلامهم للوزارة بالقول: "اخترتم نهج ترهيب وتهديد الطلبة فقابلناه بالثبات على الحوار وقيم المواطنة". وتحدث البيان عن "إغلاق أبواب الكليات في وجوه عموم الطلبة ومنعهم قسراً من الولوج إليها، ثم نشر بلاغات موحدة المضمون والتوقيت من طرف عمادات كليات الطب والصيدلة، تضمنت منع تنظيم أي أنشطة طلابية داخل الكليات إلا بموافقة كتابية، والتهديد الصريح بالطرد والضغط النفسي للطلبة المقاطعين وذويهم، خاصة المكررين منهم".
ويخوض طلبة الطب إضرابات عن الدراسة منذ ثلاثة أشهر، مطالبين الوزارة الوصية بالتراجع عن إصلاح نظام الدراسة في كليات الطب، خاصة تخفيض سنوات الدراسة من 7 إلى 6 سنوات، وهو ما اعتبرته نرجس الهلالي، نائبة الكاتب العام للجنة الوطنية لطلبة الطب "مطلباً مشروعاً" في غياب تصور واضح لإصلاح شامل وواقعي لمنظومة التكوين الطبي ولما لهذا القرار من تأثير سلبي مباشر على جودة تكوين أطباء مغرب الغد، مشدّدة على أن الطلبة وعكس ما سوّقت له الحكومة، لا يرفضون الإصلاح، ولكنهم يرفضون بشكل قطعي العشوائية فيه.
"التهديد بدل الإنصات"
وفي حديث لـ"النهار العربي"، حمّلت الهلالي، الطالبة في السنة الخامسة من كلية الطب، المسؤولية الكاملة لوزارتي الصحة والتعليم العالي، "اللتين استمرتا في نهج أسلوب التعنت والتهديد، عوض الإنصات لأطباء المستقبل وهمومهم، ومن دون أن تطلع على ملفهم المطلبي بدقة أكبر وانفتاح أكثر وأذن صاغية، مع التشكيك في حس وطنيتهم"، معتبرة أن "هذا السلوك يكرس لاحتضار الكلية العمومية، لأن حياة الناس ليست مجرد أرقام أو أوراق، ويجب توفير البنى التحتية اللازمة للتكوين، وتأمين أساتذة وكوادر، وأيضاً تدريبات مستمرة في ظل واقع الاكتظاظ الذي تعانيه كليات الطب، إلى جانب ضعف وهزالة التعويض المحدد بـ 21 درهماً في اليوم خلافاً لعدد من الدول، بما فيها فرنسا، التي لا تعد بالأساس نموذجاً في المنظومة الطبية".
ولفتت الهلالي إلى أن نسبة مشاركة طلبة الطب في الإضرابات ومقاطعة الامتحانات هي 100 في المئة، أي أن 25 ألف طالب ينتمون لما يناهز 11 كلية طب وصيدلة، منخرطون تماماً في البرنامج التصعيدي، وجميعهم مؤمنون بالملف المطلبي الذي رفض وزير الصحة مجالستهم بخصوصه لتحقيق حوار فعلي، وتقول: "نحن نتحداه أن نعرض مشاكلنا بشفافية أمام أي مختص أو الرأي العام ليقولوا هل نحن على حق ومطالبنا مشروعة أم لا، فنحن اليوم نجاهر بمطلبنا للحديث عن مآل الدراسة ومستقبل المنظومة الطبية في بلادنا، ونتحدث عن صحة المواطنين".