دخل الانقسام المؤسساتي في ليبيا منحى جديداً باشتعال الخلافات بين رأس السلطة التنفيذية وأحد أبرز الأجهزة الرقابية في البلاد، في تطور يمثل آخر تجليات سيطرة "المناكفات السياسية وتصفية الحسابات" بين صانعي القرار في ليبيا.
تعميم واتهامات
الصدام بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية عبد الله قادربوه، طفا على سطح المشهد السياسي الليبي المحتقن، مع إصدار الأخير قراراً بوقف المدير العام للشركة العربية الليبية المغربية القابضة سامي يونس المنفي، شقيق رئيس المجلس الرئاسي، احتياطياً عن العمل، لما سمّاه "دواعي المصلحة العامة"، ضمن تحقيقات لم يُفصح عن تفاصيلها وتتعلق بـ"الفساد وإهدار المال العام" في شركته. تواكب ذلك مع تعميم المنفي على أجهزة أمنية وعسكرية في العاصمة الليبية قراراً بـ"عدم شرعية" تولي قادربوه منصبه، مطالباً إياها بعدم التعامل معه، مستنداً إلى حكم من محكمة شمال طرابلس الابتدائية.
واتهم المنفي في قراره رئيس هيئة الرقابة الإدارية بـ"اغتصاب السلطة من دون وجه حق"، ما أثار غموضاً في الأوساط الليبية وجدلاً واسعاً بشأن ما إن كان القراران جاءا في إطار الفعل ورد الفعل.
وعُين سامي المنفي في منصبه مطلع عام 2022، وكان آخر ظهور علني له أواخر الشهر الماضي، عندما أوفده شقيقه الأكبر، رئيس المجلس الرئاسي، إلى العاصمة المغربية الرباط حاملاً رسالة خطية إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، لم يُكشف عن مضمونها.
وزادت من حدة الجدل صور جرى تداولها لقادربوه يتحدث جانباً مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، خلال حضوره على رأس وفد من هيئة الرقابة الإدارية، مراسم عزاء نجل الأخير. وعُدّ التحرك في إطار صراع الشرعيات والمحاور المحتدم في ليبيا.
صراع الصلاحيات
وأوضح مصدر قيادي في مجلس النواب لـ"النهار العربي" أن سلطة تعيين رؤساء الهيئات التي يُطلق عليها "المناصب السيادية"، ومن بينهم الرقابة الإدارية، وكذلك إطاحتهم، هي من اختصاص البرلمان بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة، و"لا يحق للسلطة التنفيذية التدخل في هذا الشأن وفقاً للإعلان الدستوري المعمول به في ليبيا وكذلك القانون"، مشيراً إلى أن مجلس النواب "لم يُخطر بقرار رئيس المجلس الرئاسي، وبالتالي لم يُطرح الأمر للنقاش"، كما لفت إلى أن قرار المنفي الذي عممه على الأجهزة الأمنية في طرابلس "اعتمد على إخطار من محكمة طرابلس بناءً على شكوى قُدمت إليها، وليس حكماً قضائياً نهائياً".
وأضاف أنه بناءً على كل ذلك، فإن القرار - الذي عزاه المصدر إلى احتدام صراع النفوذ في العاصمة الليبية - "لا يُعتد به ويحق لقادربوه الطعن عليه أمام القضاء الذي يُرجح أن ينصفه".
ورأى المصدر أن تعميم المنفي على أجهزته الأمنية حصراً يشي باحتمالات الاشتباك جسدياً مع رئيس هيئة الرقابة الإدارية، محذراً من تعريض حياته للخطر.
مهمات الرقابة الإدارية
وأنشئت هيئة الرقابة الإدارية في عام 2013، وهي تتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة وتلحق بالسلطة التشريعية، ومهمتها الرقابة على الأجهزة التنفيذية ومتابعة أعمالها، وتعمل على الكشف عن الجرائم والمخالفات المتعلقة بأداء الوظيفة العامة والتحقيق فيها واتخاذ الإجراءات اللازمة لمساءلة مرتكبيها.
وتتشكل الهيئة من رئيس ووكيل أو أكثر ويلحق بها عدد من الأعضاء والموظفين ويكون تعيين الرئيس والوكيل لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، لكن خلال السنوات الخمس الأخيرة باتت تسمية الرئيس مثار خلاف بين الفرقاء.
وعُين قادربوه في منصبه في تموز (يوليو) العام الماضي، بقرار من رئيس مجلس النواب (البرلمان)، أقر به رئيس المجلس الأعلى السابق خالد المشري، خلفاً لرئيس الهيئة السابق سليمان الشنطي، بعد خلافات واسعة بشأن تسمية الرئيس الجديد للهيئة المنقسمة بين الشرق والغرب كغيرها من المؤسسات الليبية.
رئيس حزب "صوت الشعب" فتحي الشبلي ربط بين إطاحه قادربوه و"تصفيه الحسابات" بعد قراره وقف شقيق المنفي عن العمل احتياطياً للتحقيق في قضايا فساد، مؤكداً حق الرقابة الإدارية في أن توقف أي موظف عن العمل وتخضعه للتحقيقات التي تُثبت إن كان مذنباً أو بريئاً.
وأكد الشبلي لـ"النهار العربي" أنه "ليس من حق رئيس المجلس الرئاسي إصدار قرارات تتعلق بتعيين رؤساء الهيئات المستقلة أو إقالتهم، كما أن رئيس هيئة الرقابة الإدارية كان حصل على حكم قضائي العام الماضي بأن إجراءات تعيينه صحيحة قانوناً". وأضاف: "ما يجري الآن هو نتاج اعتماد تركيبة المناصب في ليبيا على المحاصصة والأقارب والمحسوبيات"، لافتاً إلى أن "الانقسام والمناكفات السياسية تحد من قدرة الأجهزة الرقابية على مواجهة تفشي الفساد في المؤسسات الليبية، وباتت قضايا الفساد تُلاحق صغار الموظفين أما الرؤوس الكبيرة فلا يستطيع أحد الاقتراب منها".
وحلت ليبيا في المرتبة 170 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023، من أصل 180 دولة يشملها المؤشر الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية.