بدأت ليبيا الاستعداد لموسم الحج وسط انقسام طاول حتى المؤسسة المعنية بالملف، ما قد يؤثر في قدرتها على تنظيم الرحلات إلى الأراضي المقدسة ورعاية الحجيج.
وكغيرها من المؤسسات الليبية، تنقسم الهيئة العامة لشؤون الحج بين إدارة مقرها العاصمة طرابلس وتتبع لرئيس الحكومة المسيطرة على الغرب الليبي عبد الحميد الدبيبة، وأخرى تتبع لمجلس النواب وحكومته في الشرق.
خلافات وعراقيل
وكان مجلس النواب قد أصدر نهاية العام الماضي قانوناً جديداً لتنظيم عمل هيئة الحج، ألحقها بمجلس النواب، في قرار عارضه المجلس الأعلى للدولة (الغرفة الثانية المفترضة للسلطة التشريعية)، بحجة "انتهاكه مبدأ الفصل بين السلطات، بعد نقل تبعية جهاز تنفيذي إلى سلطة تشريعية، ويكشف عن ميل واضح للتفرد بالسيطرة على مقاليد الأمور ومخالفته للاتفاق السياسي وما أُلحق به من مقررات ووثائق".
وبحث رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة مع المدير التنفيذي للهيئة العامة لشؤون الحج عبد اللطيف العالم "تذليل العراقيل أمام الهيئة وتمكينها من أداء مهماتها".
وتطرق لقاء تكالة والعالم الذي عقد في مقر مجلس الدولة في طرابلس، إلى "جهود هيئة الحج وما تواجهه من تحديات وعراقيل، بخاصة في ظل فرض أجسام موازية بما يخالف الاتفاقات السياسية"، وفق بيان مقتضب صادر عن المكتب الإعلامي للمجلس.
وتتحمل الحكومة الليبية كامل مصاريف الحج لحصة قوامها 7800 حاج حصلت عليها السلطات الليبية لهذا العام، وسط شكوك في شفافية آلية اختيار المستفيدين، ومخاوف من أن تسيطر عليها المحسوبية والرّشى السياسية.
وزاد من حدة الجدل إعلان نائب رئيس مجلس إدارة هيئة الحج صبري البوعيشي "تخصيص حصة قوامها 200 حاج للمشرفين والمنسقين"، فيما حصل أهالي درنة والمناطق المتضررة من إعصار "دانيال" على حصة 490 حاجاً.
"محرم شرعاً"
أستاذ الشريعة والفقة ونيس مبروك شدد على أن استغلال المسؤولين مناصبهم في الذهاب إلى الحج على نفقة الدولة "محرم شرعاً"، فيما أكد لـ"النهار العربي" صحة أداء المواطنين الفريضة على نفقة الدولة: "على رغم أن الشرع يشترط الحج لمن استطاع إليه سبيلاً، والمسلم غير مُلزم بأداء الفريضة إذا لم يكن يستطيع، لكن من حق الشخص أن يقبله كهدية، وحجّه صحيح". لكن مبروك تساءل: "وفق أي معيار يتم اختيار المستفيد؟"، مشدداً على أن "مال الدولة هو مال عام لكل مواطن نصيب فيه والحاكم مدير لهذا المال بالعدل والمساواة. وسيكون من الظلم الاجتماعي إذا ذهبت غالبية حصة الحج إلى أبناء المسؤولين أو ميسوري الحال".
وكان البوعيشي قد قال إن تكلفة كل حاج ليبي تصل إلى ثمانية آلاف دولار، ما يعني تكبد الخزانة الليبية ما يزيد عن 62 مليون دولار، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً على المستوى الاقتصادي أيضاً، في بلد يعاني أزمة سيولة ضاربة وشحّاً في المعروض من النقد الأجنبي في السوق الرسمية.
تكاليف الحج والإجراءات
وأوضح البوعيشي أن التكلفة تشمل قيمة النقل الجوي وبالحافلات والإقامة في الفنادق ورسوم التأشيرة والإعاشة ورسوم المشاعر في عرفات ومنى، مشيراً إلى أن السلطات الليبية تعاقدت مع فنادق 5 نجوم في المناطق المركزية في مكة والمدينة، ومع شركة للنقل البري.
وأوضح الناطق باسم هيئة الحج محمد الحضيري أن السلطات في ليبيا "شرعت في استخراج التأشيرات للحجاج على أن تنطلق أولى الرحلات مطلع الشهر المقبل". وعزا ارتفاع تكلفة الحج إلى رغبة سلطات بلاده في "تقديم خدمات جيدة وتوفير سبل الراحة للحجاج، سواء في وسائل التنقل أم في الإعاشة الفندقية".
توزيع الحصص
وإذ دافع الحضيري عن آلية اختيار الحجاج، موضحاً لـ"النهار العربي" أن "الراغبين في أداء الفريضة تقدموا بأوراقهم عبر بوابة إلكترونية مخصصة للتسجيل وفق ضوابط وشروط معمول بها خلال السنوات الماضية، قبل عملية الاختيار في ما بينهم والتي تُجرى عبر قرعة علنية تحكمها الشفافية"، أقر بتخصيص حصة للمسؤولين في الدولة، تحت بند "مرافقين للحجاج وللإشراف على الرحلة وأداء المناسك". ولفت أيضاً إلى تخصيص حصة للمتضررين جراء الفيضانات في مدينة درنة الساحلية (شرق ليبيا).
وكان مدير صندوق إعادة إعمار المدن المنكوبة بلقاسم خليفة، نجل قائد "الجيش الوطني" خليفة حفتر، قد عقد اجتماعاً قبل أيام مع المسؤولين عن ملف الحج، بحث فيه "كل ما يخص حجاج بيت الله الحرام، من المتضررين في مدينة درنة، الذين ستنطلق رحلتهم من مطار مرتوبة الدولي". وبحسب بيان رسمي، فإن الاجتماع ناقش "سبل توفير الراحة والرعاية الصحية للحجاج، وتسهيل إجراءاتهم الروتينية في الرحلات الدولية".
الحجاج بين حكومتين
وتطرق الدبيبة بدوره خلال اجتماع سابق مع رئيس هيئة الحج علي حمودة، إلى ملف الحجاج المختارين من أهالي درنة، وحض على ضرورة "استكمال إجراءاتهم وفق معايير واضحة"، في إشارة إلى تشكيك سلطة الغرب في إجراءات خصومها في الشرق.
ووفقاً لبيان حكومي، قدم حمودة للدبيبة آخر إجراءات الهيئة اللوجستية من اختيار الفنادق المناسبة والمسار وغيرها من إجراءات تسهم في توفير ظروف جيدة للحجاج. وشدد الدبيبة على "أهمية توفير الظروف الجيدة للحجاج الليبيين، واختيار عناصر الإشراف والإدارة المؤهلة لخدمتهم".