وكشفت "حركة النهضة" الإسلامية منذ أشهر أنها غير معنية بهذا الاستحقاق الانتخابي، سواء بالمشاركة أو الترشيح المباشر، لكنها لم تنف حينها إمكانية مساندة شخصية تتوافق بشأنها مع حلفائها، وهم المنتمون خصوصاً لـ"جبهة الخلاص" (تحالف يجمع شخصيات وأحزاباً قريبة من حزب "النهضة" أو متعاطفة معه).
لا مرشح...
في تصريح لـ"النهار العربي" قال الأمين العام لـ"النهضة" العجمي الوريمي على هامش مؤتمر صحافي لـ"جبهة الخلاص" إن حزبه لن يرشح اسماً للانتخابات المقبلة، لكنه أوضح أن الجبهة لم تحسم موقفها بعد بشأن المشاركة فيها، مشدداً على أن "الموقف الذي استقرت عليه إلى حد اللحظة هو عدم المشاركة أو المقاطعة".
وأضاف موضحاً أن ثمة حالياً "تمسكاً بعدم دعم أي مرشح ولن يكون للجبهة أي مرشح" في حال عدم توافر ما وصفها بـ"شروط انتخابات نزيهة وديموقراطية".
وعن هذه الشروط قال الوريمي إنها تتمثل خاصة في "استقلالية هيئة الانتخابات" و"إطلاق سراح جميع القادة السياسيين من السجون، وخصوصاً أولئك المعنيين بالترشح للانتخابات الرئاسية"، و"توفر مناخ انتخابي تتساوى فيه الحظوظ دون تضييق أو تهديد لأي مرشح".
وكان الأمين العام لحزب "الجمهوري" عصام الشابي ورئيسة "حزب الدستوري الحر" عبير موسي قد أعلنا ترشحهما للرئاسة من السجن قبل أسابيع.
بدوره قال رئيس "جبهة الخلاص" نجيب الشابي إن الجبهة قررت عدم الترشح لهذه الانتخابات، وأوضح في تصريح لـ"النهار العربي" أنها تعتقد أن المناخ الحالي غير ملائم لترشيح أي اسم للرئاسة.
وتابع: "لن تزكي الجبهة أي مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة نظراً لعدم توافر شروط الانتخابات الديموقراطية، وغياب تكافؤ الفرص بعد استهداف حرية التعبير وحرية التنظيم".
وطالب الشابي بإطلاق سراح المساجين السياسيين، معتبراً أنه "لا انتخابات حرة في ظل هذا المناخ".
ومنذ أكثر من سنة أوقفت السلطات في تونس عدداً من السياسيين بسبب شبهات متعلقة بالتآمر على أمن الدولة، وتنفي المعارضة ما نسب إليهم مؤكدة أن توقيفهم يدخل في إطار التضييق على العمل السياسي في البلاد وإقصاء المعارضين.
تكتيك
ولا تبدو مقاطعة الإسلاميين للانتخابات الرئاسية مفاجئة في نظر كثير من المراقبين، على رغم اختلاف قراءاتهم لها بين من يعتبر أن هذا الانسحاب هو خيار تكتيكي ومناورة ومن يرى أنه "عنوان للإفلاس".
ويعتقد مراقبون أن الإسلاميين في تونس سيكونون موجودين في هذه الانتخابات لكن دون الظهور في الصورة، وذلك من خلال الوقوف وراء أحد المرشحين غير المنتمين إليهم، أو ما صار يعرف بين الفاعلين السياسيين بـ"غواصة النهضة".
ويعرف الإسلاميون في تونس بجنوحهم في عملهم السياسي للمناورات، مخيرين عدم الظهور في الواجهة والتحرك في الخفاء خلف أطراف وأسماء تبدو في الظاهر مستقلة أو حتى معارضة لهم سياسياً وأيديولوجياً.
وطيلة فترة حكمها بعد حوادث 2011 فضّلت "النهضة" الحكم بالاشتراك مع أحزاب تخالفها التوجه السياسي والأيديولوجي، لذلك يقول المحلل السياسي مهدي المناعي إن إعلان الإسلاميين عدم ترشحهم للانتخابات المقلة مباشرةً، أي عبر ترشيح اسم من قياداتهم، هو في حقيقة الأمر مناورة تعودها التونسيون، معتبراً أن "النهضة منذ كانت في الحكم تفضل أن تدفع بأسماء أخرى تبدو في الظاهر مستقلة للحديث باسمها، فيما تظل هي من يدير خيوط اللعبة من الخلف".
ويرجح المتحدث أن تكرر الحركة الإسلامية التكتيك ذاته في الانتخابات الحالية، قائلاً إن ما أعلنته "جبهة الخلاص" غير صحيح، "إذ إن ثمة حالياً خلافاً داخلها بشأن من سيقع ترشيحه، لذلك تواصل التظاهر بأنها غير معنية بالانتخابات المقبلة".
ويضيف: "كلّنا نعلم أن الإسلاميين يعتمدون دائماً تكتيك العمل في الخفاء، لذلك لن يكون لهم مرشح واضح ينتمي إليهم، وذلك حتّى لا يُفضح حجمهم الحقيقي".
ويعتبر أن ما تقوم به "النهضة" حالياً "هو دليل آخر إلى أنها أفلست ولم يعد لها وزن شعبي"، موضحاً أن سياسة دعم مرشح آخر استعملتها "النهضة" في البداية لإقناع الناخب التونسي بأنها تغيرت وقامت بمراجعات. ويستطرد قائلاً "لكنها في حقيقة الأمر لم تعد تملك اليوم أي ثقل ولم يعد لها خزان انتخابي كما كانت تروج دائماً، لذلك تحاول الاختباء وراء اسم يبدو مستقلاً".
ويتابع: "بعد حوادث 25 تموز (يوليو) 2021 ثبت أن النهضة لا تملك خزاناً شعبياً، وأن خزانها الحقيقي تآكل بفعل الزمن وانفض من حولها حتى من كانوا يتملقونها وصارت هناك عملية فرز حقيقية. لذلك اليوم هي لن تترشح خوفاً من انفضاح أمرها مقابل مواصلة التمسك بثوب المظلومية وكذبة أنها ضحية الإقصاء".