النهار

"الثلاثيّة" تعود قريباً للمرّة الأولى في عهد تبّون... هل تُنصف العمّال؟
الجزائر - نبيل سليماني
المصدر: النهار العربي
"نلتقي بحضور الكاميرات، نأكل ونشرب وبعد ذلك الشامي شامي والبغدادي بغدادي والذي يدفع الثمن هم العمال"... هكذا وصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اجتماعات حكومات سلفه عبد العزيز بوتفليقة مع نقابة العمال وأرباب العمل، والتي تُعرف باجتماعات "الثلاثية".
"الثلاثيّة" تعود قريباً للمرّة الأولى في عهد تبّون... هل تُنصف العمّال؟
الرئيس تبون متحدثاً في مهرجان نقابي.
A+   A-

"نلتقي بحضور الكاميرات، نأكل ونشرب وبعد ذلك الشامي شامي والبغدادي بغدادي والذي يدفع الثمن هم العمال"... هكذا وصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اجتماعات حكومات سلفه عبد العزيز بوتفليقة مع نقابة العمال وأرباب العمل، والتي تُعرف باجتماعات "الثلاثية".

"لا... كلما جعلنا أمورنا شورى بيننا لا نخطئ"؛ هكذا سطّر الخطوط العريضة للقاء ثلاثي يمكنه أن يجمع من جديد كلاً من الحكومة والاتحاد العام للعمال الجزائريين ومنظمات أرباب العمل.

الرئيس الجزائري قال من داخل مقر اتحاد العمال بمناسبة اليوم العالمي للشغل، إنه لا بد من "الحوار والتشاور مع الاتحاد العام للعمال الجزائريين وكافة الوطنيين الأحرار وكل من سبقونا في الوطنية والكفاح من أجل الوصول إلى قرارات صائبة وغير ظرفية"، محملاً حكومات عشرية ما قبل 2019، التي سماها بـ"المافياوية"، مسؤولية "غبن" الطبقة العاملة.

وعقدت حكومات أحمد أويحيى وعبد المالك سلال (رئيسا وزراء سابقان يقبعان في السجن بسبب قضايا فساد) اجتماعات كثيرة للثلاثية، وعبر محافظات عدة للبلاد، آخرها اجتماع عنابة في آذار (مارس) 2017، وهو الاجتماع الذي تمحور على "تقييم الوضع الاجتماعي والاقتصادي ودعم الاقتصاد"، في وقت كانت البلاد تعيش على وقع "تقشف استهلاكي" بفعل تراجع أسعار النفط في الأسواق الدولية حينذاك.

اجتماعات "الثلاثية" سابقاً... لا مكاسب عمالية!
ويرى محللون أن الرئيس الجزائري يريد إرساء تقاليد جديدة في تعامل الجهاز التنفيذي مع نقابات العمال، وعلى رأسها أكبر نقابة عمالية في الجزائر أي الاتحاد العام للعمال الجزائريين. فالأخير عاش على مدار أكثر من 20 سنة سجيناً في يد بعض المناورين المحسوبين على مافيا المال والسياسة خلال الحقبة السابقة، وفق تعبير خبراء في السياسة والاقتصاد، ما جعل الطبقة العاملة رهينة بأجور لا تمت بصلة للوضع المعيشي آنذاك، ودون آفاق واعدة لتحسين القدرة الشرائية.

وبحسب الخبير الاقتصادي أحمد حيدوسي، فإن الرئيس تبون قام بتشخيص للاجتماعات السابقة بين الحكومة واتحاد العمال وأرباب العمل، والتي لم تكن في صالح العامل الجزائري، بحكم تدهور القدرة الشرائية بشكل تراكمي لسنوات عديدة.

ويضيف حيدوسي في حديث لـ"النهار العربي" أن الرئيس تبون "يحاول بناء اجتماع الثلاثية المقبل على أسس سليمة منطلقها تعزيز نقاط قوة الاقتصاد الجزائري وتصحيح نقاط ضعفه، ومن ثم تحقيق مؤشرات الاقتصاد الكلي الإيجابي، إذ لا يمكن الحديث عن تطور الطبقة العاملة ولا عن تطور رجال الأعمال الجزائريين واستثماراتهم إلا بتطوير الاقتصاد".

ويضيف أن الاجتماع ذو أهداف اقتصادية ولكن وفق مقاربة اجتماعية، وهذه هي القاعدة الصلبة التي ستؤسس عليها اجتماعات الثلاثية المقبلة. ويقول: "التصور الاقتصادي العام للحكومة واضح، لذا فإن إشراك الجميع، نقابات وأرباب عمل، مهم وفاعل، وخصوصاً أن الحكومة صححت الاختلالات التي كانت موجودة سابقاً، وحددت قطاعات النمو الاستراتيجية من خلال قانون الاستثمار الجديد".

ويؤكد حيدوسي "ضرورة تطابق رؤية رجال الأعمال واتحاد العمال مع رؤية الحكومة بما يخدم العامل الجزائري ويحقق له عوائد مهمة بالنسبة لدخله ولقدرته الشرائية"، مشيرا إلى أن مرتكزات الاجتماعات السابقة "كانت تهدف إلى تحقيق مصالح رجال الأعمال ولم يكن همها تحقيق التوازن بين أعمدة الاقتصاد الثلاثة: الحكومة، الباترونا (أرباب العمل)، واتحاد العمال، لذا فإن الضرورة اليوم تلح للارتكاز على مقاربة متوازنة تخدم الجميع بهدف اقتصادي وبأبعاد اجتماعية".

أول اجتماع للثلاثية في عهد تبون ... قريباً
رداً على سؤال عن قرب انعقاد اجتماع لـ"الثلاثية"، وهل يقتضي الوضع الحالي للاقتصاد الجزائري المتعافي حسب أرقام الحكومة وتقديرات المؤسسات المالية الدولية الذهاب نحو عقد مثل هذا الاجتماع، يقول حيدوسي بـ"ضرورة إشراك النقابات العمالية ورجال الأعمال في التصور العام للاقتصاد الجزائري، فلأرباب العمل رؤية ورغبة ومجالات وقطاعات يريدون الاستثمار فيها، ومن الضروري أن تتماشى رغباتهم وقدراتهم المالية والتقنية والبشرية مع استراتيجية الحكومة التنموية".

ويضيف: "كل هذا يحتم التئام الحكومة مع شركائها الاجتماعيين والاقتصاديين، حتى نقف على دينامية جديدة للاقتصاد تعطيه حلولاً إضافية، بخاصة ما يتعلق بقدرة رجال المال والأعمال الجزائريين على مواكبة التصور الذي تريده الحكومة، ومؤهلات العامل الجزائري التي تجعله فاعلاً مهماً في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية بالسرعة المطلوبة".

وعن الكيفية التي تحرك المياه الراكدة تحت اجتماعات "الثلاثية" وجعلها مختلفة تماماً عن سابقاتها خلال الحقب الماضية، قال حيدوسي إن "النموذج الذي ترتكز عليه الحكومة الآن ذو مقاربة اقتصادية اجتماعية"، مشيراً إلى قرارات رفع رواتب الموظفين والعمال والتي انعكست إيجاباً على القدرة الشرائية والاقتصاد من خلال خلق سوق جاذب لاهتمام المستثمرين ورجال الأعمال.

وأضاف أن مقاربة الحكومة الجزائرية الاجتماعية أبعادها اقتصادية محضة، وهي ما يعرف في الاقتصاد بالمقاربة الكنزية، والمقصود بها "مساعدة الطرح الاقتصادي الجزائري، وستوصل البلاد خلال الأعوام المقبلة إلى دولة الرفاه".

اقرأ في النهار Premium