تشغل أزمة المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء كلاً من تونس والجزائر وليبيا، والتي تسعى سلطاتها إلى توحيد المواقف بشأن هذا الملف الساخن وإيجاد حلول مشتركة له في مواجهة ضغط أوروبي.
وتلوح بوادر أزمة في الأفق بين الدول الثلاث، مع تعالي الأصوات المتسائلة داخل تونس عن كيفية عبور هؤلاء المهاجرين إلى البلد الذي لا يملك حدوداً برية إلا مع الدولتين الجارتين، مقابل اعتراض الأخيرتين على عمليات ترحيلهم نحو حدودهما.
وتتعالى الأصوات في تونس مطالبة بضبط الحدود ومنع المهاجرين غير النظاميين من دخول البلاد، مع دعوات إلى ترحيلهم تتزايد يوماً بعد آخر وبلغ صداها البرلمان.
وعاد ملف الهجرة ليتصدر المشهد في تونس طيلة الأيام الأخيرة، وسط موجة من الغضب الشعبي من حضورهم اللافت في مدن بعينها تحولت إلى ما يشبه مراكز إيواء لهم، ما أضر بمصالح السكان مقابل تنديد حقوقي بطريقة التعامل الرسمية معهم.
وليل أمس السبت اقتحم الأمن التونسي "دار المحامي" (هيئة نقابة المحامين) واعتقل بالقوة المحامية سنية الدهماني، بعد تصريحات تلفزيونية لها ذات علاقة بملف المهاجرين غير النظاميين، اعتُبرت مسيئة إلى تونس.
والخميس تظاهر عدد من المدافعين عن حقوق المهاجرين أمام مقر بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس للتنديد بالسياسيات الأوروبية في التعامل مع هذا الملف.
إخلاء وترحيل
وقبل أيام أخلت السلطات التونسية مراكز ومخيمات يقيم فيها مئات المهاجرين غير النظاميين في العاصمة تونس ومحافظة صفاقس جنوباً، قبل أن ترحلهم إلى مناطق غير معلومة، لكن المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أكد لـ"النهار العربي" أن 600 منهم رحلوا باتجاه الحدود الجزائرية، فيما كان الرئيس قيس سعيد قد تطرق الاثنين الماضي في اجتماع لمجلس الأمن القومي لملف الهجرة غير النظامية، معلناً إعادة 400 شخص من المهاجرين غير النظاميين من الحدود الشرقية (مع ليبيا).
وتساءل الرئيس التونسي عن "كيفية دخول هؤلاء المهاجرين وكيفية توطينهم"، مشيراً إلى أنهم "يتدفقون على تونس بالمئات يومياً"، وعاد ليؤكد مجدداً أن بلده لن يكون "أرضاً لتوطينهم" مثلما "يعمل على ألا يكون أيضاً معبراً لهم".
تنسيق رسمي
واستقبل سعيد الاثنين وزير داخلية ليبيا المكلف اللواء عماد مصطفى الطرابلسي، وقال بيان الرئاسة التونسية إنه ناقش معه أزمة الهجرة غير النظامية، مشدداً على أن "هذه الظاهرة التي تستفحل كل يوم لا يمكن معالجتها إلا بتنسيق المواقف وتكاملها، وبالقضاء على أسبابها في إطار مقاربة جديدة تشترك فيها كل الدول المعنية".
وكان الرئيس التونسي قد استضاف أيضاً قبل أيام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي في قصر قرطاج، وتصدرت أزمة الهجرة غير النظامية جدول أعمال اللقاء الثلاثي الأول من نوعه الذي حاول أن يبحث عن حلول مشتركة لها ويوحد المواقف بشأنها.
ولا تربط تونس حدود برية بدول أفريقيا جنوب الصحراء، ويمر أغلب الوافدين عليها بالحدود الجزائرية أو الليبية المتاخمة لدول أفريقيا غرب الصحراء.
استياء ليبي
وفي ليبيا عبرت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان عن استنكارها نهاية الأسبوع الماضي "استمرار صمت السلطات الأمنية التونسية والليبية حيال عمليات الطرد التعسفي والإبعاد القسري للمهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء من تونس إلى ليبيا"، وقالت إنها ستعمل "على التقدم بشكوى لدى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ولجنة العقوبات الدولية المعنية بليبيا ولجان الاتحاد الأفريقي والفريق المعني بالمهاجرين في ليبيا في مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في شأن هذه الواقعة وغيرها من الوقائع الأخرى".
وطالبت المؤسسة السلطات التونسية بوقف عمليات طرد المهاجرين والإبعاد القسري لهم إلى ليبيا على الفور.
وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها مواقف مشابهة في ليبيا بسبب ترحيل تونس مهاجرين غير نظاميين نحو حدودها.
وفي شهر أغسطس (آب) الماضي قالت السلطات الليبية إنها اعترضت مهاجرين غير نظاميين قامت تونس بطردهم نحو حدودها بعد تقديم المساعدة لهم، في حدث لاقى تنديداً حقوقياً واسعاً بلغ صداه الأمم المتحدة، بعد أنباء عن وفاة عدد منهم بسبب العطش والجوع.
وفي السياق، أعلنت تونس في مناسبات متكررة عن ضبطها عدداً كبيراً من المهاجرين غير النظامين على مقربة من حدودها مع الجزائر، وكشفت تقارير صحافية تونسية أن الحدود مع الجارة الغربية هي المصدر الأول لدخول هؤلاء المجتازين نحو تونس، خصوصاً من منطقتي القصرين وتوزر (غرباً).
وغالباً ما تعلن الوحدات الأمنية في تونس توقيف مهاجرين غير نظاميين على حدودها الغربية مع الجزائر. وفي دراسة سابقة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كشف ثلاثة أرباع المستجوبين من المهاجرين غير النظاميين في منطقة توزر الحدودية أنهم تعرضوا للمطاردة من طرف حرس حدود البلدين.
كرة نار
وتحول المهاجرون غير النظاميين "كرة نار تتقاذفها البلدان الثلاثة"، وفق بن عمر الذي يقول إن كلاً من تونس وليبيا والجزائر عجزت عن إيجاد حلول لهذه الأزمة فحاول كل بلد ترحيلها عن أرضه، وهو ما حوّل تونس في تقديره "مصيدة لهم"، متهماً الاتحاد الأوروبي بممارسة الضغط على هذه الدول في محاولة لتصدير الأزمة نحوها.
ويعتبر الخبير الليبي المختص في الهجرة حسام العبدلي أن ليبيا تعاني بدورها أزمة المهاجرين غير النظاميين، خصوصاً أن لها حدوداً مباشرة مع الدول التي يتوافدون منها.
وقال لـ"النهار العربي" إن عدم استباب الأمن في ليبيا، وانتشار العصابات التي تقوم باختطاف المهاجرين غير النظاميين وتطالب عائلاتهم بفدية، أو تستغلهم في أنشطة أخرى، جعلتهم يفضلون اجتياز الحدود الليبية نحو تونس "التي يشعرون أنها أكثر أمناً بالنسبة لهم".
وأوضح أن تونس هي النقطة الأقرب جغرافياً في شمال أفريقيا لأوروبا "لذلك هي الوجهة المفضلة للمهاجرين غير النظاميين الذين يقصدونها بهدف العبور نحو أوروبا لا الإقامة فيها".
وتتضارب الأرقام بشأن عدد المهاجرين غير النظاميين، ولا إحصائيات دقيقة لعددهم، لكن وزير الداخلية التونسي قدّرهم سابقاً بنحو 80 ألفاً.