أوقف الأمن الجزائري صباح اليوم الثلثاء، 7 أشخاص بتهمة التورّط في غرق 5 أطفال كانوا في رحلة منظّمة، في مياه شاطئ الصابلات بالجزائر العاصمة.
ووضعت الشرطة الجزائرية الموقوفين قيد التحقيق.
وقال بيان لمجلس قضاء الجزائر، إن العدالة "فتحت تحقيقاً معمقاً ودقيقاً حول هذه الواقعة والظروف والملابسات التي صاحبتها، وبالأخصّ مدى توفر الشروط القانونية والتنظيمية المتعلقة بحماية الأطفال المعنيين بمثل هذه النشاطات والمحافظة على سلامتهم الجسدية، مع تحديد المسؤوليات ضدّ كل من يثبت ضلوعه في واقعة الحال".
وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منشورات تؤكد اتخاذ مديريات التربية عبر كافة محافظات البلاد، قراراً بمنع كافة الرحلات المدرسية مستقبلاً.
ونام الجزائريون، ليل السبت - الأحد، على أخبار فاجعة مروعة اتّشحت البلاد على إثرها بالسواد حداداً على وفاة 5 أطفال غرقاً في شاطئ "الصابلات" في بلدية حسين داي (الضاحية الشرقية في العاصمة الجزائرية)، فيما يرقد اثنان آخران في العناية المركزة في مستشفى مصطفى باشا الجامعي، وفق بيان الحماية المدنية (الدفاع المدني).
وتناقل الجزائريون صوراً للغطاسين وهم يُخرجون جثامين أطفال في عمر الزهور، لقوا حتفهم في البحر، إذ راحت مصالح الحماية المدنية تعلن تباعاً عن حصيلة كارثة "الصابلات".
وتراوح أعمار الضحايا بين 9 و12 عاماً، وهم تلاميذ من ابتدائية تتبع بلدة "عين بوسيف" التابعة لمحافظة المدية (مدينة داخلية تبعد 70 كلم تقريباً جنوب الجزائر العاصمة) وكانوا في نزهة نظّمتها جمعيتان من محافظتي المدية والبويرة.
وأعادت الفاجعة إلى الأذهان الحوادث التي لفّت صيف الجزائر حزناً وسواداً، سواءً بالسقوط في الوديان أو الغرق في السدود أو الآبار العميقة أو الشواطئ الصخرية، وحتى تلك التي تخضع للمراقبة، وفتحت باباً عريضاً للنقاش عمّن يتحمّل المسؤولية.
مَن المسؤول؟
من أكثر الأسئلة الشائعة التي تطرحها هذه المواجع التي تتكرر بمجرد أن يطرق لهيب الصيف الأبواب: مَن المسؤول عنها؟ وهل هي نتيجة ضعف الوعي أو ربما انعدامه؟
حادثة الغرق المؤلمة دفعت بمصالح الحماية المدنية (الدفاع المدني) إلى توجيه نداء للمواطنين من أجل توخّي الحيطة والحذر عند ممارسة السباحة في هذا الوقت، وترك الأطفال وحدهم على الشاطئ، لأنّ الحصيلة التي سُجّلت الموسم الماضي كانت مرعبة. فمنذ بداية حزيران (يونيو) 2023 وإلى غاية مطلع آب (أغسطس) من العام ذاته، لقي 199 شخصاً مصرعهم في حوادث غرق متفرقة، معظمها رُصد في المدن الداخلية والجنوبية التي يفتقر قاطنوها إلى المرافق وأماكن الترفيه.
يقول الاختصاصي في علم النفس العيادي والصحة العقلية دليمي عبد القادر لـ"النهار العربي" إنّ "الإجابة عن هذه التساؤلات تحتاج منا وقفة جادة وحقيقية لمعرفة الأسباب الكامنة وراء كل ما يحدث. ولا يختلف اثنان على أنّ ما سقط من أرواح وما نشهده بشكل متكرّر عند اقتراب فصل الصيف من غرق الأطفال في البرك المائية والمسابح والشواطئ، أمر تقشعر له الأبدان. أليس حرياً كأولياء ومجتمع ومؤسسات توفير الجو الملائم والأرض الخصبة لهذه الفئة؟".
يضيف عبد القادر أنّه "يتوجب علينا جميعاً توفير أماكن اللعب والسباحة وتأمينها، وهي تُعتبر من أهم الركائز الأساسية لبناء شخصية الطفل، إذ تؤكّد دراسات، على غرار دراسة الألماني كارل بيولر، أنّ للعب أهمية كبرى في النمو العقلي للطفل. كما يؤكّد التأثير البالغ للعب في تكوين شخصية الطفل، وتبعاً لذلك ترى مدرسة التحليل النفسي أنّ الطفل يلعب لكي يعبّر عن ميوله ورغباته المكبوتة التي عجز عن تحقيقها في الواقع".
ويتفق مع هذه المقاربة رئيس حركة "البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة، الذي وصف الحادثة بـ"المؤلمة"، وقال إنّ "الظروف المحيطة بها تستدعي فتح تحقيق عاجل للتعرّف على أسبابها". ودعا السلطات المعنية إلى تعزيز تدابير الأمن والسلامة على الشواطئ وتعزيز الوسائل المادية والبشرية للتقليل من حوادث الغرق التي أصبحت كابوساً وهمّاً اجتماعياً في تزايد خطير.
والمؤسف بحسب تقارير رسمية صادرة عن الهلال الأحمر الجزائري (جمعية إنسانية تطوعية جزائرية) أنّ معظم الوفيات من الأطفال ناجمة عن السباحة في السدود والبرك والآبار العميقة.
غضب على المنظمين
وفتحت الحادثة أيضاً باباً آخر للنقاش بشأن طريقة تنظيم هذه الرحلات، وأجمع كثيرون على تحميل المعنيين المسؤولية بسبب الإهمال، كما وجد الأولياء أنفسهم في قفص الاتهام بسبب السماح لأطفالهم بالذهاب في رحلات سياحية تزامناً مع انطلاق امتحانات نهاية الموسم الدراسي.
وفي هذا المضمار، نشر الناشط الجزائري بن سعيدة حسام الدين، تعليقاً مطولاً على الحادثة مما ورد فيه: "ليس من الهين أن تكون قائداً ومسؤولاً عن أطفال صغار، لأنّ اللعب والسباحة يؤديان دوراً كبيراً في التفريغ الانفعالي للطاقة الكامنة عند الأطفال، فالخبرة والتعامل يلعبان دوراً هاماً في التأطير، وما حدث بالأمس يجعلنا اليوم أمام ألف تساؤل، والأبرز أين كان المنظمون؟ أين هي روح المسؤولية؟ أعلم أنّ للمشيئة الربانية كلاماً آخر".
ويوافق صاحب حساب مراد على هذا الطرح، متسائلاً بدوره: "مأساة أطفال عين بوسيف في شاطئ الصابلات... من اختار هذه الوجهة؟ أين كان المرافقون؟ من يتحمّل المسؤولية؟".
ووصف الناشط نبيل بلحداد ما حدث بـ"الأمر المحزن" وقال: "إنّ أعضاء الجمعية المشرفة على الرحلة تحت التحقيق وسيقدمون إلى العدالة، وأغلب الظن العقاب". وتساءل: "من المسؤول عن الفاجعة؟ لا يمكن أن يُلام الطفل عن أي تصرف يقوم به بخاصة في رحلة ترفيهية، حيث يُخرج كامل طاقته ومكبوتاته. ولا شك في أنّ اللوم سيلقى على المنظمين والمؤطرين بخاصة المسؤول الأول، ولا بدّ لكل الجمعيات من أن تأخذ العبرة من هذه الحادثة".
وبحسب التفاصيل التي قدّمها، فإنّ "الرحلة كان فيها تقريباً ما يقارب 200 طفل، مقابل 5 منظّمين، أي ما يعادل مؤطراً واحداً لكل 40 طفلاً، وهذا من دون شك خلل جسيم، ولذلك لا بدّ من تكليف مؤطرين مسؤولين وواعين بحجم المسؤولية. وأهم شيء التكوين ثم التكوين".
من جهتها، نشرت صفحة تحمل اسم "البويرة" باللغة الفرنسية، تعليقاً عقب فاجعة الصابلات جاء فيه: "مَن برمج الرحلة على شاطئ البحر لأطفال قصّر في هذا الجو المتقلّب والمعروف عنه هيجان البحر، أين كان مسؤولو الرحلة عندما دخل الأطفال إلى الشاطئ وهم لا يعرفون ويدركون خطورة البحر، لا سيما وهم قادمون من مدن داخلية، ومن المفترض حراس متنزه الصابلات يمنعون مثل هذه الممارسات، وحتى الأولياء يتحمّلون جزءاً من المسؤولية. من المفروض أنّهم يعلمون خريطة ومخطط الرحلة، وهم من مرافقي أولادهم".