النهار

صراع روسي – أميركي على النفوذ في ليبيا يعزز المخاوف من اتّساع الانقسام
القاهرة-أحمد علي حسن
المصدر: النهار العربي
أثارت زيارة وفد دبلوماسي - عسكري يتبع سلطة الغرب الليبي، العاصمة الروسية موسكو، علامات استفهام، في توقيت يُلاحظ فيه تصاعد المنافسة بين موسكو وواشنطن على النفوذ في الساحة الليبية المنقسمة
صراع روسي – أميركي على النفوذ في ليبيا
يعزز المخاوف من اتّساع الانقسام
لافروف مستقبلا الوفد الليبي
A+   A-
 
أثارت زيارة وفد دبلوماسي - عسكري يتبع سلطة الغرب الليبي للعاصمة الروسية تساؤلات، تزامناً مع تصاعد المنافسة بين موسكو وواشنطن على النفوذ في الساحة الليبية المنقسمة، وسط مخاوف محلية من تطور تداعياتها إلى حرب بالوكالة.

زيارة الوفد الليبي اقتصرت على لقاءين منفصلين في مقر وزارة الخارجية الروسية، الأول مع رأس الدبلوماسية سيرغي لافروف، قبل أن تُستكمل المحادثات مع الموفد الروسي إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا ميخائيل بوغدانوف. ومع أنّ الوفد الليبي الذي ضمّ نائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي ووزير الخارجية المكلّف الطاهر الباعور، ضمّ أيضاً ممثلاً عسكرياً عن العاصمة طرابلس هو رئيس الأركان محمد الحداد، بدا أنّ موسكو تضع محدّدات لانفتاحها على سلطة الغرب الليبي، وأنّ بوصلة الاهتمام، خصوصاً في الشق العسكري – الأمني، تتجّه نحو شرق ليبيا وقادته.

لكن في المقابل، جاء تأكيد لافروف "الحاجة إلى توحيد جهود المجتمع الدولي لدعم جهود الليبيين في ما يتعلق بمواصلة تفعيل العملية السياسية، ودعم دور الأمم المتحدة" الذي وصفه بـ"الرائد"، والذي تواكب مع استضافة السفير الروسي لدى ليبيا أيدار أغانين نائبة الموفد الأممي إلى ليبيا الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري، ليعطي إشارة إلى عدم ممانعة موسكو تولّي الأخيرة رئاسة البعثة الأممية خلفاً للموفد المستقيل عبدالله باثيلي، أو على الأقل تسيير أعمالها.

ووفقاً للبيانات الرسمية، فإنّ محور لقاءات الوفد الليبي كان النقاش بشأن الأزمة الليبية وحلحلتها، والمصالحة الوطنية الليبية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين موسكو وطرابلس.
 
جهود لحوار شامل
لكن تشديد وزير الخارجية الروسي خلال اللقاء على "أهمية ضمان الطابع الشامل للحوار الوطني الهادف إلى الحفاظ على وحدة أراضي الدولة الليبية وسيادتها"، بدا إشارة إلى ضرورة أن يشمل الحوار أنصار الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ونجله سيف الإسلام، على خلاف الرغبة الغربية.

وإذ اعتبرت وزارة الخارجية الليبية في بيان مقتضب، أنّ الزيارة "تأتي في إطار الجهود الدبلوماسية لتعزيز العلاقات مع الجانب الروسي لتوسيع آفاق التعاون في مختلف المجالات"، لافتة إلى أنّ لافروف أكّد "التمسك بوحدة ليبيا واستقرارها"، أشارت الى أنّ الجانبين "اتفقا على تفعيل اللجان المشتركة وتقوية العلاقات الثنائية".

بيان المجلس الرئاسي كان أكثر تفصيلاً، إذ أوضح أنّ اللقاء جرت خلاله مناقشة "العلاقات الثنائية بين البلدين، وتفعيل عمل اللجنة المشتركة، وبحث سبل استئناف عملها، وعودة الشركات الروسية إلى ليبيا، ولا سيما في قطاعات النفط والغاز، والبنية التحتية، بالإضافة إلى دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بعد استقالة رئيسها، وسبل دعمها في تسيير العملية السياسية والأمنية في ليبيا، وإطلاع الجانب الروسي على مستجدات ملف المصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية في ليبيا، وسبل التعاون في هذا المجال".

وأضاف البيان أنّ اللقاء "تناول دور روسيا في المنطقة، وكيفية التعاون والتشاور لإيجاد الحلول الناجعة في المنطقة، من خلال شراكة حقيقية، كما تمّ التطرق إلى قضية غزة، حيث شكر اللافي روسيا على موقفها تجاه القطاع".

وأكّد اللافي "أهمية العلاقات الثنائية بين ليبيا وروسيا، وأهمية الشراكة بين البلدين في عدد من المجالات الثنائية"، مشدّداً على أهمية "وجود دور روسي إيجابي وبنّاء، لمصلحة الاستقرار في ليبيا، وأهمية دعم عمل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، وضرورة إنهاء حالة الانسداد السياسي في ليبيا، والتمهيد لانتخابات توافقية نزيهة في أقرب الآجال".
 
 
وبالتزامن، أوضحت السفارة الروسية في ليبيا، في بيان مقتضب تعقيباً على لقاء أغانين وخوري الذي بحث في "العملية السياسية الليبية"، أنّ الطرفين بحثا "الوضع الحالي في العملية السياسية الليبية والحاجة لتوحيد الجهود بغرض إيجاد الحل على أساس الإجماع الوطني لجميع الأطراف السياسية والاجتماعية الليبية".
 
انعكاسات الصراع الخارجي
ويؤكد المحلل السياسي عبدالله الكبير أنّ موسكو "تفضّل ألّا تنحصر علاقتها في ليبيا مع طرف أو اثنين (في إشارة إلى الجيش الوطني وقائده خليفة حفتر ونجل القذافي)، ولكي تعزز دورها، لا بدّ من الانفتاح على سلطة الغرب المعترف بها دولياً. وموسكو تسعى بقوة إلى تطوير علاقتها مع ليبيا المنقسمة". ويبدي الكبير في حديث لـ"النهار العربي" قلقه في حال استمر التنامي العسكري الروسي في ليبيا، اذ ستُكثف واشنطن في المقابل من وجودها العسكري في غرب ليبيا، وستتحالف مع قوات محلية، وهو ما يكرّس تقسيم البلاد، محذّراً من تطور الأمر إلى مواجهة مسلحة بالوكالة.

وفي سياق تداعيات احتمالات كهذه، يرى أنّ "التمدّد الروسي في دول الساحل الإفريقي واضح ومنافس للوجود الغربي، لكن هناك مبالغة في هذا الدور الذي يركّز على الحضور العسكري، فلا يزال النفوذ الاقتصادي الصيني والأميركي أكبر"، مشيراً إلى أنّه "على ما يبدو أنّ موسكو انتبهت إلى ضرورة أن تلعب دوراً اقتصادياً في المنطقة، ولا تكتفي بالجانب العسكري. في المقابل واشنطن قلقة من الوجود الروسي خصوصاً في ليبيا، لذلك بدأت التحرك لتعزيز حضورها وعدم السماح بترك الساحة الليبية فارغة لتملأها موسكو". وأضاف: "نعم هناك أولويات للسياسة الأميركية الخارجية، لكن هذا لا يعني إهمال الملف الليبي المتشابك مع صراعات دولية دائرة".

أما الباحث السياسي محمد السنوسي، فأكّد أنّ موسكو "تتعامل ببراغماتية ولديها اهتمام ومصلحة في تطوير علاقات اقتصادية مع الغرب الليبي، لكن هذا لا يعني تغيّر أولوياتها في مناطق نفوذها في ليبيا وإفريقيا". وأضاف لـ"النهار العربي": "موسكو يهمّها أيضاً أن تظل لاعباً رئيسياً في مفاوضات الحل السياسي، لذلك يجب أن تضمن التواصل والتنسيق مع كل الأطراف الليبية"، لافتاً إلى امتلاك روسيا علاقات متينة مع "الجيش الوطني" وسيف الإسلام القذافي، باعتبارهما قوتين على الأرض في مقابل هشاشة واقع السلطة في الغرب. واتفق السنوسي مع الكبير في التحذير من احتدام المنافسة بين روسيا والدول الغربية على الساحة الليبية، مؤكّداً أنّ "ليبيا دولة مهمّة لواشنطن والدول الأوروبية، في حين أنّ روسيا قطعت خطوات في التوغل في العمق الإفريقي ولن تتنازل عن نفوذها".

اقرأ في النهار Premium