وجد 14 مواطناً مغربياً، معظمهم من الشباب تحت سن 30 عاماً، أنفسهم في قبضة شبكات إجرامية في دولة ميانمار تُطالب أسرهم بفدية باهظة لا تستطيع توفيرها، وذلك عقب استجابتهم لإعلانات على الإنترنت تعدهم بوظائف جيدة الأجر في تايلاند، جعلتهم يسلكون طريقاً وضعهم في وجهة مظلمة.
وأعلنت أسر الشباب ضحايا الإتجار بالبشر تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، وسفارة جمهورية الصين الشعبية، فضلاً عن عقد ندوة صحافية في مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الرباط، استنكاراً لما وصفته بـ"الصمت غير المفهوم" للسلطات المغربية و"التفاعل السلبي واللامبالاة غير المبررة" لسفارة المغرب في تايلاند والسلطات الصينية.
رحلة مجهولة الوجهة
وقاد طموح تحسين الوضع الاجتماعي ومجابهة شبح البطالة هؤلاء الشباب ممن تقول المؤشرات الأولى إنهم من الفئة الهشة، إلى بيع الغالي والنفيس للصعود إلى طائرة الرحلة صوب ماليزيا، ثم منها إلى تايلاند، قبل التوجه جواً إلى بلدة تدعى "ماي سوت" الحدودية الخاضعة لسيطرة ميليشيات عرقية متمردة ومسلحة في ميانمار، تستغل حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة لبسط نفوذها.
وبمجرد وصول الضحايا إلى هذه المنطقة تم اختطافهم وتعذيبهم قبل وضعهم في العمل القسري المتمثل باستقطاب ضحايا جدد من "الدارك ويب"، حيث ينشط الشباب الباحثون عن العمل والراغبون في تحسين ظروفهم المعيشية، وفق ما أوضحته مصادر حكومية مغربية مسؤولة لـ"النهار العربي"، مؤكدة أن سلطات البلد الأمنية والقضائية والدبلوماسية أخدت علماً بالواقعة وسلكت القنوات اللازمة لإنقاذ رعاياها.
ونفت المصادر الحكومية المغربية وجود أي تقصير في التعامل مع هذا الملف، مؤكدة أنها بتنسيق مع السلطات الصينية والتايلاندية، شرعت في تتبّع مسار هذه الرحلات لإنقاذ ضحايا الإتجار بالبشر ممن تُطالب الميليشيات المحلية عائلاتهم بفديات تراوح بين 8000 و10000 يورو من أجل إطلاق سراحهم.
اتهامات للصين والسلطات المغربية تحقّق
وفيما تُحمّل أسر المحتجزين المغاربة المسؤولية المباشرة للصين، باعتبار العصابات المحتجزة لأبنائها والتي تستغلهم في النصب الإلكتروني كلها تحمل الجنسية الصينية، قالت مصادر حكومية مغربية لـ"النهار العربي" إن هذه المعلومة "غير مؤكدة" لأنها شبكة متعددة الجنسيات وتضم أيضاً عرباً من الشرق الأوسط، كما أنها تُشغّل الضحايا أساساً لاستدراج ضحايا جدد، وبالتالي من الصعب التحقق والتيقّن من هوية المسؤول عن هذه الميليشيات الناشطة في "الدارك ويب".
ووفق المصادر ذاتها، فإن عملية التجنيد تتم انطلاقاً من المغرب، من خلال مواطنين يعملون وسطاء للمغاربة الآخرين، وقد تم تجنيدهم في ميانمار، وعادة ما يكون هؤلاء المجندون مسؤولين عن جذب الأشخاص من بلدانهم الأصلية لإدارة عمليات احتيال ونصب متعددة، عبر ملفات تعريف مزيفة، وأحياناً، على شكل ما يسمى "بوابات الاستثمار"، ومواقع المقامرة المزيفة، ومن خلال تهديدات بانتهاك الخصوصية.
وأكدت المصادر لـ"النهار العربي" أن العصابة باتت تستهدف أيضاً المغاربة والسياح العرب، سواء في تركيا أم في تايلاند، وهو ما يفسر احتجازها، وفق المعطيات الأولية، شباباً مهووسين بالتجارة الإلكترونية قادمين من دول المغرب العربي، إذ إن شروط العمل معهم بسيطة على غرار إتقان بعض الإنكليزية، ومهارات أولية في التجارة الإلكترونية، من أجل تجنيدهم للقيام بأعمال إجرامية إلكترونية ومساومتهم بأرواحهم، فضلاً عن طلب فدية من العائلات مقابل إطلاق سراحهم.
وذكرت المصادر ذاتها أن عدداً من المواطنين المغاربة وافقوا على العمل في هذه الشركات مقابل أجر مغر، ولا يعتبرون أنفسهم ضحايا للإتجار بالبشر، فيما تمكن آخرون من مغادرة مراكز الاحتجاز بعد دفعهم الفدية، وقد تم الإبلاغ عن حالات سوء المعاملة، وكذلك التهديدات بالقتل.
حكايات متعددة تُخرج السفارة عن صمتها
وكانت أول شكوى وضعتها عائلات الشباب الضحايا لدى وزارة الخارجية بتاريخ 19 كانون الثاني (يناير) 2024، فيما لم يكن هناك أي تجاوب من الجهات المسؤولة لدى الوزارة، وبالتالي لم يكن أمامهم سوى الخروج إلى الرأي العام عبر الإعلام، خصوصاً بعد تحرير أول ناجية مغربية بتاريخ 9 شباط (فبراير) 2024، التي نقلت لهم خطورة ما يتعرض له محتجزو ميانمار.
وفي مُقابل غضبها مما تصفه بـ"البرود" الحكومي وصمت وزارة الخارجية، أشادت عائلات الشباب المغاربة المحتجزين بالتجاوب الإيجابي والسريع لكل من السلطات الأمنية والقضائية مع العائلات، وكذلك التفاعل الإيجابي للمنظمات الحقوقية والجمعيات التي تساعدها في حلحلة هذا الملف من منطلق حقوقي بحت، كما سجلت تقديرها للمنظمات الإنسانية الدولية في تايلاند التي تبنت الملف وحررت أول ناجية مغربية وساعدت في تحرير آخرين.
وتتابع سفارة المغرب في بانكوك هذا الملف عن كثب، وفق إيضاحات المصادر ذاتها، التي أكدت أن الوزارة اتصلت بالسلطات المعنية في تايلاند وميانمار والصين التي شغلت أجهزتها من أجل إطلاق سراح المغاربة المحتجزين. لكن هذه السلطات تواجه مشكلات على الأرض، بسبب وجود الشركات في مناطق يسيطر عليها متمردون.
تحركات دولية والبرلمان المغربي ينتفض
وستعقد المجموعة الأفريقية في بانكوك وممثلو المنظمات الدولية، بما في ذلك المنظمة الدولية للهجرة، اجتماعاً تنسيقياً لوضع مقاربة منسجمة لدعوة الحكومة التايلاندية إلى التحرك في هذا الاتجاه، وتسهيل إطلاق سراح المغاربة وغيرهم من المحتجزين الأفارقة.
وطلبت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار فاطمة التامني من الوزير ناصر بوريطة، توضيحات عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة لإنقاذ الشباب المغاربة.
وأكدت البرلمانية أن وزارة الخارجية باعتبارها مسؤولة عن شؤون المغاربة المقيمين في الخارج، معنية بمعالجة هذا الموضوع باستعجال لأن فيه تهديداً لسلامة هؤلاء الشباب.