تعيش جامعات الغرب الليبي أجواء متوترة، فبينما يهدد الأساتذة بالاعتصام احتجاجاً على تجاهل الحكومة مطالبهم، جاء اختطاف عضو هيئة تدريس في جامعة مدينة الزاوية (ساحل غرب ليبيا) ليزيد من اشتعال الأجواء.
وانفجرت حالة من الغضب داخل أروقة الجامعة على إثر خطف الدكتور محمد ساسي كردمين، وهو في طريقه إلى منزله، في حادث مجهول الدوافع، لكن وجهت أصابع الاتهام فيه إلى مسلحين موالين لحكومة الوحدة الوطنية المسيطرة على العاصمة طرابلس.
واستهجن الاتحاد العام لطلبة جامعة الزاوية خطف كردمين، واصفاً إياه بـ"السلوك المشين"، لافتاً إلى أن الجريمة ارتكبتها جهة مجهولة في أثناء مغادرته الجامعة متوجهاً إلى منزله.
وطالب الاتحاد الجهات الأمنية بـ"اتخاذ ما يلزم من إجراءات تكفل حماية الفرد داخل مؤسسات المجتمع وخارجها، وبصورة خاصة المؤسسات التعليمية"، كما لوّح بـ"تنظيم وقفة احتجاجية تضامناً مع جميع شرائح منتسبي جامعة الزاوية".
حوادث الخطف تتكرر
وليست الحادثة هي الأولى من نوعها، فقد تكررت حوادث خطف أساتذة الجامعات في ليبيا، وكان آخرها خطف الدكتور بشير عريبي أستاذ الهندسة النووية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وقبله خطف نقيب أعضاء هيئة التدريس عبد الفتاح خليفة السائح.
وتزامن حادث الخطف الأخير، مع حالة من الغليان تعيشها جامعات غرب ليبيا، بسبب تجاهل الحكومة تنفيذ مطالب هيئة التدريس، وسط تهديدات بالعودة إلى الاعتصام وإقفال الجامعات.
وفي شباط (فبراير) الماضي، أبرمت النقابة العامة لهيئة التدريس اتفاقاً مع حكومة الوحدة الوطنية، يقضي بمعالجة عدد من الإشكالات التي تتعلق بضعف الرواتب، ونظام إيفاد الأكاديميين إلى الخارج، لكن النقابة عادت قبل أيام لتحذر من انهيار هذا الاتفاق، في ظل تجاهل الحكومة تنفيذه، محذرة من دخول أعضاء هيئة التدريس في عصيان مدني "ما يهدد العام الجامعي الذي بالكاد نجح أعضاء هيئة التدريس في تعويض ما ضاع من أوله".
وأعلن نقيب أعضاء هيئة التدريس في جامعة طرابلس أسامة الأزرق، مهلة حتى مطلع الشهر المقبل، لتنفيذ حكومة عبد الحميد الدبيبة ما تعهدته، "وإلا فسنعلن اعتصاماً عاماً في الجامعات الليبية". وأكد أن "الدراسة مستمرة بشكلها المعتاد، ونترقب المستجدات"، لافتاً إلى "حالة من الاستياء العام داخل الجامعات جراء تجاهل الحكومات المتعاقبة مطالب هيئات التدريس".
تدخّل النائب العام
وأمام تفاقم حالة الغضب دخل النائب العام الليبي الصديق الصور على الخط، ورعى اجتماعاً ضم ممثلين عن حكومة الوحدة الوطنية، ونقابة أعضاء هيئة التدريس الجامعي. وأوضح الأزرق لـ"النهار العربي" أن "الاجتماع جاء استجابة لمخاطبات عدة إلى النائب العام طالبته بالتدخل تحسباً لتفاقم الأزمة، وحتى يضمن تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بعد تكرار الوعود الحكومية". وقال: "طالبنا خلاله بتطبيق قانون الرواتب الموحد الذي يُلزم الحكومة بزيادتها، ودعم الطلاب الموفدين إلى الخارج للحصول على درجات الماجيستير والدكتوراه، ووضع آلية منضبطة بعد الفساد الذي أحيط بهذا الملف"، موضحاً أن "أساتذة الجامعات يحتاجون إلى رواتب عادلة تمكنهم من الإنفاق على رفع مستواهم العلمي عبر الاشتراك في مؤتمرات ودوريات دولية، وهو ما سينعكس على العملية التعليمية التي تعاني انهياراً وتعتمد على الكم لا الكيف. كما نطالب برعاية صحية خصوصاً لمن يُدرسون تخصصات تُعرّض صحتهم لمخاطر".
وشدد الأزرق على أن "ليبيا في حاجة ملحة لإيفاد المعيدين وأعضاء هيئة التدريس إلى الخارج لرفع المستوى التعليمي ومواكبة آخر ما توصل إليه العلم في الخارج"، لافتاً إلى "انعكاس توقف الإيفاد على مدى سنوات، على خروج جامعات ليبيا من التصنيفات الدولية، خصوصاً في ظل وضعها المتردي وضعف إمكاناتها وتراجع مستوى المناهج التعليمية". وأضاف: "هناك تخصصات علمية في جامعة طرابلس، الأكبر في ليبيا، ليس فيها حملة الدكتوراه وتعتمد على حملة الماجيستير بعد تقاعد كبار السن. مطالبنا لا تنحصر في الجانب المالي، وندق ناقوس الخطر من الوضع الذي وصل إليه الوضع التعليمي في الجامعات".
وكان مكتب النائب العام قد أوضح في بيان، أن اللقاء الذي جمع ممثلين عن الحكومة وهيئة التدريس ناقش "ضوابط الإيفاد وشروطه ومواعيد تنفيذ مخطط حركة الدراسة في الخارج، كما تطرق إلى التدابير المتخذة للإيفاء بالحقوق المالية المقررة لشؤون أعضاء هيئة التدريس الجامعي".
وكان نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي قد عقد اجتماعاً أواخر الشهر الماضي مع عمداء الكليات في جامعة طرابلس، بحث في "سير الدراسة وأوضاع أعضاء هيئة التدريس والمعيدين، وسبل تهيئة الظروف المناسبة لأداء مهماتهم العلمية". كما استعرض "المشكلات والعوائق والمقترحات، لمنح أعضاء هيئة التدريس حقوقهم العلمية والمادية، ومعالجة أوضاع المعيدين والأوائل"، وفق بيان للرئاسي الليبي.
وأكد اللافي "ضرورة الاهتمام بأعضاء هيئة التدريس الجامعي، بإعتبارهم حجر زاوية في العملية التعليمية"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "أهمية استمرار الدراسة بالوتيرة نفسها".