بعد فترة من الركود وتوقف مشاريع الطاقة البديلة في تونس، تشهد البلاد حركة واسعة سعياً لتغطية العجز الذي تسبب فيه النقص في إنتاج حقول النفط والغاز وعدم القيام بالتنقيب منذ فترة طويلة بالتزامن مع ارتفاع الاستهلاك. وفي هذا الإطار، تم أخيراً توقيع اتفاقيتين لإنجاز محطتين لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في ولايتي قفصة وتطاوين، بإشراف رئيس الحكومة أحمد الحشاني.
الدفعة الأولى
وتتضمن الاتفاقية الأولى إنجاز محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في ولاية قفصة جنوب غربي البلاد بقدرة 100 ميغاوات، وستشرف على تنفيذ هذا المشروع الشركة الإماراتية "أيميا باور" Amea power. وتتضمن الاتفاقية الثانية إنجاز محطة مماثلة في ولاية تطاوين جنوب شرقي البلاد بقدرة 200 ميغاوات، وستشرف على تنفيذ المشروع الثاني شركة "فالتاليا" الفرنسية. وتقدر كلفة الاستثمارات الإجمالية للمحطتين بنحو 800 مليون دينار، ويتوقع أن يبدأ العمل في إنشائهما بداية 2025 ومن خلالهما تكون تونس قد استكملت الـ500 ميغاواط المبرمجة في الدفعة الأولى.
وكانت تونس قد وقعت اتفاقاً مع شركة "أيميا باور" الإماراتية نفسها لإنشاء محطة أخرى للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميغاواط في ولاية القيروان، بتمويل من البنك الأفريقي للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية. وتبلغ تكلفة المشروع حوالي 250 مليون دينار، وسينطلق العمل به خلال شهر حزيران (يونيو)، على أن تدخل المحطة حيز الإنتاج خلال الربع الأخير من هذا العام.
وتضمن البرنامج الوطني للطاقات البديلة في البداية إنجاز مشاريع بقدرة 500 ميغاواط لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية من خلال نظام التلزيمات، وتم طلب عروض لهذه المشاريع في 5 ولايات هي تطاوين وتوزر وسيدي بوزيد والقيروان وقفصة. كما تم إطلاق طلب عروض جديد لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة بقدرة 2000 ميغاواط سيشمل ولايات أخرى، وينتظر أن تجد البلاد إقبالاً من مستثمرين ومانحين، بخاصة مع انطلاق إنجاز مشروع الربط الكهربائي مع إيطاليا الفريد من نوعه، والذي سيصبح من خلاله بإمكان المستثمرين في تونس تصدير الكهرباء المستخرجة من الطاقة الشمسية إلى قلب القارة الأوروبية.
الاستكمال في الآجال
يرى الخبير التونسي في مجال الطاقة صفوان المطوسي، في حديث إلى "النهار العربي"، أن المصادقة على هذه الاتفاقيات، وإن جاءت متأخرة جداً، إلا أنها مبشرة وتبعث على الارتياح شرط استكمالها في الآجال المحددة والانطلاق سريعاً في إنجاز مشاريع أخرى. فدولة مثل تونس، بحسب المطوسي، بدأت تعرف العجز الطاقي تدريجياً منذ بداية الألفية، وذلك بسبب تناقص إنتاج حقول غازها ونفطها وتوقف نشاط التنقيب أخيراً، وقد كان من المفروض أن تضع الدولة خطة لتغطية هذا العجز، الذي قارب نصف استهلاكها، بالكامل حتى تتجنب إهدار العملة الصعبة في الاستيراد.
ويضيف: "للأسف، تعطل كل شيء بعد الثورة إذ انصرفت الطبقة السياسية إلى كل ما هو سياسي وأهملت الاقتصاد والاستثمار في الطاقات البديلة. ويحبذ الأوروبيون الاستثمار في تونس بالنظر إلى الجغرافيا التي جعلتها في خط مستقيم مع قلب أوروبا وليس على أطرافها، وبالتالي فإن كلفة الإنتاج والتصدير باتجاه قلب أوروبا تكون زهيدة، ولولا الظرف السياسي الاستثنائي وعدم الاستقرار ما كان الأوروبيون ليستجيبوا لإغراءات حوّلت وجهتهم عن تونس".
ويشرح المطوسي أنه "مع تراجع الاضطرابات والإضرابات العمالية واستتباب الأمن، عادت تونس جاذبة للاستثمار الخارجي والداخلي في قطاع الطاقة، يساعدها في ذلك موقعها الجغرافي المواجه لقلب أوروبا تماماً، أي إيطاليا وسويسرا وألمانيا، وبمحاذاتهم فرنسا غرباً، وأوروبا الشرقية شرقاً. كما أن الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا سيكون محفزاً للمستثمرين التونسيين والأجانب لبعث مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وبيع الإنتاج إلى السوق الداخلية وإلى القارة العجوز الراغبة في طي صفحة الطاقة الأحفورية والغاز الروسي واستيراد الطاقة النظيفة من القارة الأفريقية عبر تونس".
جدوى بيئية
وفي الجدوى المرجوة من هذه المشاريع، يرى الناشط في المجتمع المدني في المجال البيئي وليد الزيناوي، أن تونس تسعى إلى خفض الدعم المخصص للطاقة وكلفة استيراد الغاز من الخارج، وبالتالي تقليص العجز في الميزان التجاري لإيجاد السيولة المالية لإنجاز المشاريع التنموية. كما أن الهدف من هذه المشاريع، بحسب الزيناوي، هو تنويع مصادر الطاقة والعودة التدريجية إلى الاستقلالية الطاقية التي بدأت تفتقدها البلاد مع بداية الألفية والارتفاع التدريجي للعجز الطاقي الذي جعل تونس تستورد لتغطية العجز "الجديد" من روسيا والجزائر والسعودية وغيرها.
ويقول إن "أهم هدف من إنجاز هذه المشاريع هو مزيد من انخراط الدولة في الاقتصاد الأخضر والحفاظ على البيئة، وذلك بالحد من انبعاثات الغازات الناتجة من استعمال الطاقة الأحفورية. ويبدو أن هناك رغبة في تونس في الوصول عام 2030 إلى توفير 35 في المئة من الاستهلاك المحلي من الطاقات البديلة، على أن ترتفع هذه النسبة إلى 50 في المئة مع نهاية سنة 2035، وهو ما يعني العودة إلى مرحلة الاستقلالية الطاقية التي تقوي وتدعم القرار السيادي الوطني".