النهار

تهريب الذهب يشغل الأوساط الأمنية في ليبيا... من هم المتورّطون؟
القاهرة-أحمد علي حسن
المصدر: النهار العربي
الى جانب تهريب الذهب، تعاني ليبيا من عصابات التنقيب غير المشروع عن الخام الاصفر، إذ قالت النيابة الليبية إن مأمور الضبط القضائي في جهاز الاستخبارات الليبية، ضبط أربعة أشخاص يحملون الجنسية الصينية دخلوا ليبيا بشكل غير قانوني وانخرطوا مع آخرين من ليبيا وتشاد في التنقيب عن الذهب في أربعة أحواض سطحية في الجنوب الليبي. ​
تهريب الذهب يشغل الأوساط الأمنية في ليبيا... من هم المتورّطون؟
كمية من الذهب المضبوط
A+   A-
مثلت قضية تهريب كميات ضخمة من الذهب التي كُشف النقاب عن بعض تفاصيلها أخيراً، آخر تجليات الواقع الذي تعيشه ليبيا المنقسمة، من تغول الفساد وتمدده إلى أعلى المستويات، فيما قبضة القانون مكبلة بواقع أمني وسياسي فوضوي.
 
فبعد شهور من تفجر فضيحة تهريب ذهب عبر ميناء مدينة مصراتة (غرب ليبيا)، وضلوع مسؤولين وجناح أمني موال لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وانتشار تسجيلات مسربة لمسؤولين يُقرون فيها بوقوع الجريمة ثم قيام احتجاجات شعبية واعتصامات مُطالبة الجهات القضائية بفتح تحقيق، دخل النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور على الخط، وكشف مكتبه جانباً من تفاصيل القضية التي هزت الأوساط الليبية وسط صمت حكومي حيالها. 
 
وقال الصور إن جهة التحقيق انتهت إلى حبس مدير عام مصلحة الجمارك ورؤساء مركز جمرك مطار مصراتة والمراجعة ولجنة التصدير الموقت للذهب، وذلك لـ"تآمرهم مع آخرين على إخراج نحو 26 ألف كيلوغرام من سبائك الذهب مخالفين التشريعات الناظمة".
 
وبحسب موقع "بيزنس إنسايدر أفريكا"، تحتل ليبيا المرتبة الثالثة في احتياطي الذهب بامتلاكها 117 طناً خلال عام 2023، فيما أكد تحقيق أجرته منظمة "ذا سنتري" الأميركية المتخصصة في مكافحة الفساد، أن الأراضي الليبية تستخدم منذ عام 2014 نقطة عبور رئيسية لعمليات تهريب المعدن النفيس.
 
وإلى جانب تهريب الذهب، تعاني ليبيا من عصابات التنقيب غير المشروع عن الخام الأصفر، إذ قالت النيابة الليبية إن مأمور الضبط القضائي في جهاز الاستخبارات الليبية، ضبط أربعة أشخاص يحملون الجنسية الصينية دخلوا ليبيا بطريقة غير قانونية وانخرطوا مع آخرين من ليبيا وتشاد في التنقيب عن الذهب في أربعة أحواض سطحية في الجنوب الليبي.
 
ولم يضع تدخل الادعاء العام حداً للقضية التي على ما يبدو ستكون لها توابع وتطورات، خصوصاً على المستوى الأمني، إذ اتهم ناشطون في المدينة ميليشيات تُعرف بـ"القوة الأمنية المشتركة" التي يقودها عمر بوغدادة، وتمثل الذراع الطولى لحكومة الدبيبة في مصراتة، باقتحام مقر النيابة العامة في مصراتة ومحاولة خطف وكيل النائب العام إبراهيم الشركسية، الممسك بملف التحقيق في القضية، بل تهريب الجناة، إلا أن تدخل سكان المنطقة حال دون حصول ذلك، قبل أن تخرج القوة المشتركة في بيان نفت فيه الاتهامات، شاكية من تعرضها لـ"حملة مضللة". 
 
وأوضح بيان النائب العام أن التحقيقات خلصت إلى "انصراف إرادة مسؤولي الشؤون الجمركية إلى ممارسة سلوكيات غير رشيدة، بتآمرهم مع آخرين على إخراج خمسة وعشرين ألفاً وثمانمئة وخمسة وسبعين كيلوغراماً من سبائك الذهب بالمخالفة، وتعمّدهم الإسهام في ارتكاب واقعة تحقيق منافع مادية غير مشروعة لغيرهم؛ وتسبّبهم في إلحاق ضرر بالاقتصاد الوطني".
 
لكن الخبير الاقتصادي إدريس الشريف أشار إلى أن بيان النائب العام "يشوبه الغموض، إذ تضمن الإشارة إلى تورط مسؤولين في الجمارك في تسهيل الجريمة، وهؤلاء هم الطرف الأضعف في القضية، فيما لم يكشف عن المتهمين الأصليين الذين كان التهريب يتم لمصلحتهم، وما إن كان هؤلاء ليبيين أم يتبعون جنسيات أخرى، كما لم يوضح مصدر هذا الذهب من داخل ليبيا أم خارجها، ولم يكشف أيضاً عن مراحل عمليات التهريب، وما إن كانت جرت على دفعة واحدة أم على دفعات خلال السنوات الماضية".
 
وإذ اعتبر أن الكشف عن القضية "خطوة نحو وقف نزيف التهريب عبر المنافذ الحدودية الليبية"، لفت لـ"النهار العربي" إلى أن "تهريب هذه الكمية من الذهب على ضخامتها، تمثل قطرة في بحر هدر موارد البلاد، فليبيا شهدت خلال السنوات الماضية عمليات تهريب معادن ومحروقات، وحتى عملات أجنبية بما تُقدر قميته بمليارات الدولارات".
 
ومع تكشف تفاصيل القضية وتداعياتها، عاشت مصراتة في الفترة الأخيرة على صفيح ساخن، وسط احتجاجات أمام النيابة في ضاحية نيابة زاوية المحجوب، ضد محاولات طمس القضية، دخلت على خطها قوى مسلحة احتشدت في محيط مقر النائب العام لتأمينه. 
 
وألقى عشرات المتجمعين بياناً، قالوا إنه يحمل توقيع "أهالي منطقة زاوية المحجوب"، اتهموا فيه "قوة العمليات الأمنية المشتركة" في مصراتة باقتحام مقر النيابة والاعتداء على زميل المستشار الشركسية داخل النيابة، في حادث عده البيان "اعتداءً على أحد أبناء المنطقة، يمثل إحدى أعلى السلطات القضائية في الدولة"، مطالباً رئيس حكومة الوحدة الوطنية بـ"توضيح موقفه من الحادث وقوة العمليات المشتركة، وما إذا كانت تتبع أجهزة الدولة وتحت سلطة الحكومة أم أنها تقوم بأفعال خارجة عن سيطرتها؟". كما حض أهالي مصراتة وليبيا عامة على "الوقوف صفاً واحداً أمام هذا التحول الخطير في الأحداث، وحماية السلطة القضائية الملاذ الأخير لحماية الحقوق وصون الحريات".
 
كما دخل أعضاء مجلس النواب عن مصراتة على خط الأزمة، ودان بيان صادر عنهم "تعدي قوة العمليات المشتركة على مكتب النائب العام في المدينة، ومحاولة اختطاف وكيل النيابة"، في انتهاكات "تدنس محراب العدالة، وتصوب رصاصة الرحمة على كيان الدولة، وتمثل سابقة خطيرة لم يجر تسجيلها في بلادنا من قبل"، وفق البيان الذي شدد على ضرورة "اتخاذ كل الإجراءات العاجلة والفاعلة، التي من شأنها أن تضع حداً لمثل هذه الخروق والانتهاكات الكارثية".
 
في المقابل، نفت "القوة المشتركة" اقتحامها مكتب النائب العام ومحاولة اختطاف الشركسية أو تهديده. وقالت إنها كانت هناك لـ"إيصال بريد سري وعاجل كإجراء اعتيادي، وغادرت المكان فور علمها بعدم وجود وكيل النيابة الشركسية في المكتب". واستغربت القوة الاتهامات التي عدتها ضمن "حملة إعلامية موجهة ومضللة ليست وليدة اللحظة بل مستمرة منذ شهور"، كما استغربت "عدم خروج وكيل النيابة لنفي تلك الأكاذيب وإعلام الناس بحقيقة الأمر، وأنه كان حينها خارج المدينة أساساً". 
 
لكن إشارة بيان القوة إلى أنها "ترصد في كل لحظة من يقف وراء هذه الحملة، سواء داخل المدينة (مصراتة) أم خارجها وحتى خارج البلاد"، عُد نذيراً بشن حملة اعتقالات تستهدف معارضيها.
 
الناشط في حراك مصراتة أسامة جعفر أكد "الغضب الذي يسود الأوساط الشعبية" في مدينته، جراء تصرفات القوة المشتركة، "وهذا الغضب ليس وليد الحادث الأخير بل نابع من ارتكاب عناصرها انتهاكات على مدى الشهور الماضية"، معتبراً أن "الهجوم على مكتب النائب العام تطور خطير لن نسمح بتكراره، ولا بد من معالجة فلتان المجموعات المسلحة". كما استنكر غياب الشفافية وتداخل الاختصاصات بين الأجهزة التابعة للدولة، الأمر الذي يفاقم الغضب.
وشدد جعفر لـ"النهار العربي" على "ضرورة دعم استقلال القضاء ومنع أي تدخلات في سلطاته، فالقضاء يبقى المؤسسة الوحيدة في ليبيا البعيدة عن الانقسام وتداعياته". وأضاف: "نلعب دوراً في تخفيف الاحتقان غير المسبوق في المدينة، ونحرص على عدم تطور الوضع والحفاظ على سلطة القانون رغم التحرشات التي تتعرض لها التجمعات الغاضبة من أجهزة أمنية تابعة للحكومة".
 

اقرأ في النهار Premium