أطل شبح الميليشيات برأسه مجدداً على غرب ليبيا، في رسالة شديدة اللهجة إلى نائبة الموفد الأممي المستقيل الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري التي يُتوقع على نطاق واسع أن تقود العملية السياسية في المرحلة المقبلة، وفق ما يرى خبراء.
وبعد مواجهات دامية شهدتها مدينة الزاوية (غرب ليبيا)، وسط فوضى وتبادل الرصاص والقذائف بين الميليشيات المتصارعة، عاد الهدوء الحذر إلى المدينة التي تطل على ساحل البحر المتوسط، وتبعد عن العاصمة طرابلس نحو 50 كلم.
ستيفاني خوري وعبد الله باثيلي (يمين) خلال لقاء مع محمد الحداد، طرابلس 6 أيار (مايو) 2024. (إكس)
ورغم الأهمية الاستراتيجية للزاوية لامتلاكها مصفاة رئيسية لتكرير النفط وميناء لتصديره، إلا أن سكانها يشتكون منذ شهور من فوضى أمنية عارمة يدفع ثمنها المدنيون، وسط تجاهل حكومي عزز اتهامات لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بمعاقبة المدينة بعد خروج ناشطيها مرات عدة يطالبونه بالرحيل.
اشتباكات "متكررة وستتكرر"
وكانت ضاحية أبو صرة في المدينة قد شهدت اشتباكات استُخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بين ميليشيات تُسمى بـ"قوة الإسناد" يقودها محمد بحرون الملقب "الفار"، وأخرى تابعة لـ"جهاز دعم الاستقرار"، سقط فيها قتيل وستة جرحى، وتسببت في توقف الدراسة في جامعة الزاوية، وقطع الكهرباء والاتصالات عن المنطقة. وأوضح ناشطون في المدينة لـ"النهار العربي" أن سبب الصدامات يعود إلى توقيف أجهزة الأمن أحد المطلوبين أمنياً وتسليمه إلى "جهاز دعم الاستقرار" في العاصمة طرابلس، ما دفع "قوة الإسناد" التي ينتمي إليها هذا المطلوب إلى الاحتشاد وحصار جهاز البحث الجنائي في الزاوية قبل أن تندلع مواجهات مع عناصر "دعم الاستقرار" تمددت إلى عدد من ضواحي الزاوية.
وقال الناشط مسعد الوحيشي: "الصدامات بين الميليشيات متكررة وستتكرر، وستظل عمليات ترويع المدنيين وتهديد حياتهم، في ظل غياب المؤسسات الأمنية والعسكرية وفلتان السلاح"، مضيفاً: "لطالما طالبنا السلطة في العاصمة بالتدخل والسيطرة على هذه الميليشيات بضمها تحت مظلة المؤسسة العسكرية وجمع السلاح المنفلت، لكن لم نلق سوى التجاهل المستمر".
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لتبادل الرصاص في أحياء وشوارع ضيقة، فيما اندلع حريق في أحد المنازل إثر سقوط إحدى القذائف بالخطأ.
ورغم احتدام المواجهات وتبادل الرصاص والقذائف، آثرت حكومة الدبيبة الصمت، فيما اكتفت وزارة الصحة بإعلان حالة الطوارئ في مستشفيات الزاوية.
وأعلن جهاز الإسعاف والطوارئ مقتل شاب يُدعى علي الحطاب وإصابة 6 آخرين، فيما اشتكى الهلال الأحمر من صعوبة الوصول إلى العالقين وتأمين خروجهم من منطقة الاشتباكات، داعياً في بيان أجهزة الأمن إلى التعاون في إعلان هدنة وفتح ممرات آمنة. قبل أن يعود ويعلن تمكنه من إخراج عشر عائلات من المنطقة، مشدداً على أن "فرق الطوارئ والمدنيين وسيارات الإسعاف والأطقم الطبية والطبية المساعدة والأماكن العامة ومنازل المواطنين ليست هدفاً".
وقالت منظمة رصد الجرائم في ليبيا إن المواجهات المسلحة تسببت في سقوط قتلى وجرحى من المدنيين والمسلحين، كما أدت إلى تعرض عدد من المنازل والمباني المدنية لأضرار، جراء سقوط القذائف والرصاص.
اتهامات للسلطات
وحمّلت المنظمة غير الرسمية، في بيان، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية "مسؤولية حماية أرواح المدنيين، ووقف معاناتهم جراء الانفلات الأمني". وحضت على "العمل على وقف الجريمة المنظمة في المدينة واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين، والمنشآت المدنية". كما دعت السلطات القضائية إلى "إجراء تحقيق شفاف ونزيه لتحديد المسؤولين عن الاشتباكات المسلحة المستمرة في الزاوية، وتعريض حياة المدنيين للخطر، ومحاسبتهم وفقاً للقانون".
وسبق المواجهات بساعات قليلة الكشف عن مذبحة راح ضحيتها خمسة أشخاص من عائلة واحدة، بينهم الشاب علاء بن عامر، أحد عناصر حرس المنشآت النفطية في المنطقة الغربية، وعُثر على الجثامين الخمسة داخل سيارة متأثرين بإصابات متفرقة بالرصاص، في منطقة الأحراج. لكن مصادر محلية نفت لـ"النهار العربي" وجود علاقة بين الحادث وصدام الميليشيات، مشيرة إلى أن جثامين الضحايا نُقلت إلى مشرحة مستشفى الزاوية، وأن أجهزة الأمن فتحت تحقيقاً لمعرفة ملابسات الحادث، فيما أثارت المذبحة غضب سكان الزاوية، إذ تجمع العشرات أمام مديرية أمن الزاوية احتجاجاً على تردي الوضع الأمني.
مساعٍ للتهدئة
عضو مجلس أعيان الزاوية الهاشمي دخيل، حمّل أجهزة الدولة "مسؤولية تردي الوضع في المدينة منذ فترة طويلة وتكرار صدامات المجموعات المسلحة وإهدار الأرواح، الأمر الذي تخطى القدرة على الاحتمال ويحتاج إلى قبضة الدولة ومؤسساتها الأمنية للجم الفوضى"، كما اشتكى من "سلبية ولا مبالاة" السلطة في العاصمة حيال ما تعانيه المدينة منذ شهور.
وأوضح دخيل لـ"النهار العربي" أن المجلس في اجتماعات مستمرة لبحث الوضع الأمني في المدينة وتداعياته، وقال: "نعمل على التهدئة بين الأطراف المتصارعة في المدينة، وحل الخلافات للحؤول دون تجدد الاشتباكات، لكن تدخلنا لا يكفي وعلى الأجهزة الأمنية والقضائية القيام بدورها ومحاسبة المخطئين"، كما طالب الأجهزة المحلية بـ"معالجة آثار الاشتباكات وإعادة الكهرباء والاتصالات التي قُطعت في عدد من الضواحي".