عاد الحراك للشارع التونسي بعد أشهر من الهدوء مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي يُفترض أن تُجرى قبل 23 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، ولم يُحدّد موعدها بعد.
وخلال الأيام الأخيرة، كان شارع بورقيبة في العاصمة تونس مسرحاً لعدد من التظاهرات التي شهدت حضور وجوه وأحزاب سياسية من مختلف المشارب والتوجّهات، ورُفعت شعارات بعضها مع السلطة وبعضها الآخر ضدّها.
وتظاهر الجمعة الماضي بشارع بورقيبة مئات الشباب من غير المنتمين لأحزاب سياسية تحت شعار "لا للتضييق على الحريات".
وكانت الاحتجاجات والمسيرات قد غابت عن شوارع تونس، حتى في المناسبات والأعياد الوطنية. وتقول المعارضة إنّ سياسات الرئيس قيس سعيّد هي السبب وراء ما تعتبره "إسكاتاً لصوت الشارع". في حين يقول أنصاره إنّ التونسي ضاق ذرعاً بالأحزاب وبتحركاتها الاحتجاجية التي لم يكن لها أي تأثير على مستوى عيشه.
دعم الرئيس
والأحد 19 أيار (مايو) اختار أنصار الرئيس سعيّد التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة الذي غادرته الاحتجاجات منذ فترة، للتعبير عن رفضهم التدخّل الخارجي في شؤون بلدهم، على خلفية بيانات كانت دول غربية أصدرتها الأسبوع الماضي، تنديداً بحملة اعتقالات ضدّ إعلاميين ومعارضين.
ولا ينتمي سعيّد إلى أي حزب سياسي، وهو أستاذ جامعي كسب شهرته من ظهوره في بدايات الأعوام الأولى التي تلت انتفاضة 2011 كمحلل ومعلّق على الأحداث السياسية، وخصوصاً على المسائل ذات العلاقة بالقانون الدستوري.
ولسعيد موقف ناقد للأحزاب السياسية التي لا يُخفي تبرّمه منها، وهو منذ نحو عامين لم يستقبل أي ممثل عنها، لكن ذلك لم يمنع وجود عدد من الأحزاب الداعمة له، والتي ظهر بعضها بعد إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) 2021 وصارت تسمّى "أحزاب المسار" نسبة الى مسار 25 تموز.
وتدعم هذه الأحزاب إعادة ترشّح سعيّد للانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما لم يعلن الرئيس التونسي صراحة نيته تجديد عهده.
وجاءت تظاهرة الأحد لدعم سعيّد رغم أنّها ظاهرياً رفعت شعارات تتعلق بالسيادة الوطنية، رداً على جملة من الانتقادات والبيانات التي صدرت من منظمات ودول غربية على خلفية توقيف عدد من المحامين والإعلاميين.
وكان سعيّد علّق على هذه البيانات والتصريحات معبّراً عن رفضه تدخّل أي جهة خارجية في شؤون بلده الداخلية، مضيفاً أنّ تونس بلد له سيادة. وأوصى بدعوة سفراء هذه الدول لإبلاغهم احتجاجه رسمياً.
والأحد رفع المتظاهرون، وكان من بينهم عدد من النواب، شعارات تدعم موقف سعيّد من قبيل "الشعب يريد سعيّد من جديد" و"نعم للمحاسبة لا للتدخّل الأجنبي".
وقالت النائبة فاطمة المسدي التي شاركت في هذه التظاهرة لـ"النهار"، إنّ الهدف منها هو الدفاع عن سيادة تونس ورفض التدخّل الأجنبي في شؤونها، مؤكّدة أنّها تساند مسار 25 تموز (يوليو) الذي وضع حدّاً لمنظومة حكم الإسلاميين.
ردّ على المعارضة
ويعتبر مراقبون هذه التظاهرة بمثابة تحرك انتخابي للرئيس سعيّد، حتى وإن لم يكن داعماً لها، ويقول هؤلاء إنّها تدخل في باب الردّ من "أنصار المسار" على تظاهرة المعارضة لاستعراض شعبية الرئيس.
والأسبوع الماضي، نظّمت "جبهة الخلاص" التي تضمّ أحزاباً وشخصيات معارضة لسعيّد، أغلبها منتمٍ الى حزب "النهضة"، مسيرة للضغط على الرئيس من أجل تحديد موعد للانتخابات، في وقت تقول إنّها "تشك في نواياه بشأنها". وردّد أنصار "جبهة الخلاص الوطني" شعارات مثل "العهدة الرئاسية انتهت... أين الانتخابات؟".
ومع أنّه لا يتبنى مواقف أي حزب من الأحزاب التي تقدّم نفسها مساندة له، يقول معارضوه إنّه يستفيد من دعمها، وإن كان ذلك بصمته على عدد من مواقفها وتصريحاتها. لكن المحلل السياسي باسل ترجمان يقول لـ"النهار" إنّ تظاهرة الأحد "عفوية وجاءت لتردّ على تدخّلات الغرب في شؤون تونس"، مضيفاً أنّ "من نزل الى شارع بورقيبة لم يكن يحمل سوى أجندة وحيدة وهي الدفاع عن سيادة تونس".
وتطالب المعارضة سعيّد بالخروج عن صمته وبتحديد تاريخ للانتخابات الرئاسية مع أنّها لم تحسم موقفها بعد منها.
ولا يُعرف بعد إن كانت الأحزاب المعارضة ستدعو الى مقاطعة الانتخابات أو أنّها ستدفع بمرشح واحد. ويبدو التشتت واضحاً في صفوفها، خصوصاً مع إعلان أكثر من اسم ترشحه للانتخابات.
ويرى ترجمان أنّ عودة الحراك الى الشارع قبل أشهر من موعد الانتخابات أمر طبيعي، لأنّ كل طرف يحاول أن يكسبه لصفه، معتبراً أنّ "الجميع يعلمون أنّ الاستحقاق الانتخابي سيجرى في موعده، لذلك بدأوا مبكراً في التحضير له".
ويشدّد سعيّد على أنّ الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها. وقال في مناسبات عديدة تعليقاً على الانتقادات الموجّهة إليه: "كما احترمنا بقية المواعيد الانتخابية سنحترم تاريخ الانتخابات الرئاسية".
وفي السياق، قالت عضو هيئة الانتخابات نجلاء عبروقي إنّه لا يمكن دستورياً تجاوز موعد 23 تشرين الأول لإجراء الانتخابات الرئاسية.
والاثنين 20 أيار انطلقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تحديث المجلات الانتخابية، كخطوة أولى للتحضير للانتخابات الرئاسية، في انتظار صدور أمر عن الرئيس سعيّد يدعو الناخبين الى المشاركة فيها.