وجه محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المغربي (معارضة برلمانية) اليوم الثلثاء، رسالة مفتوحة إلى عزيز أخنوش رئيس الحكومة، ضمنها انتقادات شديدة اللهجة، ركزت على عشرة إخفاقات، قال إنها "تبرهن بالدليل الملموس على فشلها".
وذكر بنعبد الله، في معرض هذه الرسالة المفتوحة الثانية، باسم المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن "الأمر يتعلق فقط ببعض إخفاقات الحكومة"، وأنه "توجدُ أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها كلها، وذلك يستدعي فعلا تغيير السياسات الحكومية في اتجاه تقوية الاقتصاد الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية وجعل الإنسان فعلاً محوراً للتنمية".
وفي سبيل ذلك، يقول بنعبد الله: "على الحكومة أن تأخذ بتوجهاتٍ مغايرة أكثرَ نجاعة، منها إعطاء نَفَسٍ ديموقراطي للفضاء السياسي وتنقيته من الفساد والرجوع إلى توصيات النموذج التنموي الجديد، وتكريس دور الدولة المُنمية، لتحقيق إقلاعٍ اقتصادي حقيقي، يُقوِّي القدرات الإنتاجية للبلاد، ويَضمن السيادة في المجالات الحيوية، ويصون المرفق العمومي من التفكيك ومن توجُّهاتِ الخوصصة والاعتماد على تصنيع قوي وحديث، وعلى نسيجٍ مقاولاتي منظَّم وتنافسي ومسؤول ومُدَعَّم، ويتمتع بمناخٍ سليم للأعمال".
وذلك وفق بنعبد الله، "بعيداً عن الريع وتضارب المصالح، بما يكفل إحداث ما يلزم ويكفي من مناصب الشغل القارة واللائقة"؛ وإجراء إصلاحٍ جبائي عادل وشامل، على قاعدة القانون الإطار، والمراجعة الجذرية للسياسات الفلاحية، بما يَجعلُ السيادة الغذائية والأمن المائي أوْلى الأولويات؛ وإقرار العدالة الاجتماعية والمجالية، والإعمال الحازم للتخطيط الإيكولوجي في السياسات العمومية، والعناية الحقيقية بالعالَم القروي، وتسريع إصلاح منظومتيْ الصحة والتعليم ارتكازاً على المستشفى العمومي والمدرسة العمومية؛ والتجاوز السريع للاختلالات التي تُعيقُ التفعيل الأمثل لورش الحماية الاجتماعية، وضمان استدامته، ومعالجة وضعيات الإقصاء من الاستفادة، وبلورة منظومة متكاملة وناجعة لإدماج ملايين الشباب الذين يوجدون في وضعية "لا شغل، لا تكوين، لا تعليم".
وتمنى بنعبد الله في ختام رسالته أن "تتعاطى الحكومة مع حالات الاحتقان الاجتماعي، ومع التعبيرات الشعبية الاحتجاجية المشروعة والمسؤولة، وفق مقاربة الإنصات والحوار".
وفي مقدمة هذه الحالات، يضيف بنعبد الله، "الوضعية المتأزمة والخطيرةُ التي تعيشها كليات الطب والصيدلة منذ خمسة أشهر، دون تحركٍ ناجع من الحكومة، وأيضاً حالاتُ الأساتذة الذين عَــــرَّضَتْهُمْ الحكومة للتأديب عقاباً لهم على ممارستهم للحق الدستوري في الإضراب".
استعلاء الحكومة
وذكر بنعبد الله أخنوش، في مستهل رسالته، بعرض الحكومة أمام البرلمانِ لحصيلةَ نصفِ ولايتها، والتي اعتبرتها "إيجابيةً وغيرَ مسبوقة".
كما ذكر أخنوش بأن حكومته، التي "جعلتْ من النموذج التنموي الجديد مرجعًا أساسيا لبرنامجها، غيبته منذ ذلك الحين، كما يدل على ذلك عدمُ الإشارةِ إليه ضمن الحصيلة المرحلية، بإصلاحاته المختلفة التي ربما تفوقُ طموحَ الحكومةِ وأداءَها، فيما حضرتْ في هذه الحصيلة اختياراتٌ وتوجُّهاتٌ ليبرالية صِرفَة تَخجلُ الحكومةُ من الإفصاح الصريحِ عنها، وتَعمَدُ إلى تغليفها بقناعٍ، من خلال الرفع الزائف لشعار "الدولة الاجتماعية".
وقال بنعبد الله إن ما يدفع حزبه، إلى أن يتوجه إلى رئيس الحكومة برسالته المفتوحة الثانية هو أنَّ الحكومَة "تمادَتْ، بإصرارٍ واستعلاءٍ، أثناء مناقشة هذه الحصيلة، في الادعاءِ بتحقيق كل انتظارات المغاربة، وفي اعتمادِ خطابٍ مُفرطٍ في التعبير عن الارتياح والرضى عن الذات، خطابٍ غابت عنه، بشكلٍ مُقلق، الموضوعيةُ، وافتقَدَ إلى التواضع والنقد الذاتي".
وأضاف بنعبد الله، أنه "حتى يكونَ الرأيُ العام شاهداً على الحوار الذي نريدُهُ أن يكون صريحاً وبنَّاءً بيننا"،فقد اعتمد التقدم والاشتراكية هذه الصيغة التي تندرجُ، بشكلٍ طبيعي، في صميمِ الممارسة الديموقراطية السوية، كشكلٍ من أشكال النقد الشفاف والرقابة المؤسساتية والتعبير السياسي التي خَوَّلَها الدستورُ للأحزابِ السياسية".
خطورة مؤكدة
وقال بنعبد الله إنَّ "خطابَ الحكومة ينطوي على خطورة مؤكدة، لأنه يَفتقدُ إلى الاتزان المطلوب، ويتسم بالانفصام عن الواقع، ولا يُراعي هُـــمُومَ وآلامَ معظم الناس لتفادي استفزازهم بتضخيمِ مُنجزاتٍ لا يلمسون أثرها على حياتهم. كما أنه خطابٌ يتنافى مع حالة الاختناق التي تعيشها المقاولاتُ الوطنية الصغرى والمتوسطة.
وشدد على أن "هذا الخطاب يتناقض، بل ينزعج ويُشككُ عمليا في مقاصد ومصداقية التقارير والمعطيات المقلقة، اقتصاديًّا واجتماعيًّا، التي قال إن مؤسسات وطنية رسمية تُدلي بها، على سبيل تنبيه الحكومة".
10 إخفاقات
وقال بنعبد الله، إن من صميم واجب حزبه ودوره، أن ينبه الحكومة، وأن يضع حصيلته تحت "مجهر الحقيقة ومِحَكِّ الواقع"، لعلها تشرع فعلاً في تغيير سياساتها وفي إنجاز، على الأقل، ما التزمت به في برنامجها الحكومي، مشيرا إلى اكتفائه بتسجيل أبرز عشرة إخفاقات "تبرهن بالدليل الملموس على فشل"الحكومة.
تجاهل واقع المشهد السياسي والديموقراطي والحقوقي
وقال بنعبد الله إنه "لمن الخطير جدًّا بالنسبة لمسار البناء السياسي والديموقراطي في البلاد أن تتجاهلَ حكومة تدَّعي أنها سياسية مقاربةَ هذا البُعد الأساسي والمصيري، مما يعني أن الحكومة تَعتبرُ نفسَها غير معنية لا ببلورة الدستور، ولا بتوطيد الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان، ولا بقضايا المساواة، ولا بالنهوض الفعلي باللغة الأمازيغية، ولا بمصالحة المواطنين، وخاصة الشباب، مع الشأن العام، ولا بمعالجة أعطاب الفضاء السياسي، ولا بالتصدي للتراجعات المسجَّلة في الحقل السياسي والحقوقي".
ورأى أن "الحكومة لم تحقق أيَّ مُنجَز على هذا المستوى، وعجَزتْ عن اتخاذ أيِّ خطوة لاستعادة ثقة المغاربة في المؤسسات المنتخبة، بل أسهمتْ في مزيدٍ من تردِّي مكانة وصورةِ الأحزاب السياسية. وتجرأتْ على المساس بمبدأ استقلالية الصحافة، ولم تُحَرِّكْ ساكناً أمام أيِّ تراجعٍ أو مساسٍ بحرية التعبير، فيما انحسرَ النقاشُ العمومي في عهدها. كما أنها تتفادى، إلى اليوم، النداءات المتكررة لأجل فتح النقاش حول الإصلاح الحقيقي لمنظومة الانتخابات منذُ الآن، بما من شأنه حمايةُ الانتخابات والمؤسسات المنتخبة من الفساد والمفسدين ومن الاستعمال الفاحِش وغير القانوني للمال، وخفضُ معدلات العُزوف، ربما لأنها حكومةٌ لا ترى مصلحةً في هذا الإصلاح، وتُـراهن على اجتياز امتحان انتخابات 2026 بالوصفة نفسها لسنة 2021".
تفاقم البطالة
ووفق بنعبد الله، فإن "الحكومة التزمت مع المغاربة بإحداث مليون منصب شغل في خلال خَمْسِ سنوات، لكنها فشلت". وأضاف: "ها هي حصيلتها المرحلية صادمة، حيث ارتفع معدلُ البطالة بشكل غير مسبوق ليقفز من 12.3 بالمائة في ديسمبر 2021 إلى 13.7 بالمائة في آذار (مارس) 2024 (36 بالمائة في أوساط الشباب). وبلغ عدد العاطلين مليون و645 ألف شخص. وبَعدَ أن كان عدد الساكنة النشيطة العاملة في ديسمبر 2021 هو 10 ملايين و772 ألف شخص، فقد نَزَلَ هذا الرقمُ في مارس 2024 إلى 10 ملايين و337 ألف شخص، بما يعني أن اقتصادنا الوطني فَقَدَ في زمن حكومتكم 435 ألف منصب شغل. وقفز عددُ الشباب الذين يُوجدون خارج فضاءات التعليم والشغل والتكوين إلى 4.3 مليون شابًّا. وانخفض معدلُ مشاركة النساء في سوق الشغل إلى 18.3 بالمائة، بعدما التزمتم برفعه من 20 إلى 30 بالمائة".
ووصف بنعبد الله هذه المعطيات بأنها "فشل ذريع في المقاربات الاقتصادية للحكومة، وعجز بين منها في تطويرِ قُدراتِ المقاولات المغربية، وفي اعتماد تطويرٍ حقيقي لتصنيعٍ حديث". وأضاف أن "هذا الفشل لا يمكن للحكومة أن تفسره فقط بوضعية الجفاف الذي رافَقَ جُل حكوماتِ الماضي دون أن تصل وضعيةُ البطالة إلى كل هذا "المستوى الخطير". والأدهى، يضيف بنعبد الله، أنه أمام هذا الوضع الكارثي لم تجد الحكومةُ من جوابٍ سوى اللجوء إلى مكاتبِ دراساتٍ، وهو أمر محير ويدل على ضُعفِ المقاربات السياسية للحكومة، في مقابل الاكتفاء ببرامج متواضعة من قبيل فرصة وأوراش محدودَيْ الأثر، حيث خلقت الحكومةُ من خلالهما انتظاراتٍ عريضةً لدى عشرات الآلاف من الشباب، ثم أحبطتهم بشكلٍ صادمٍ يفقد الثقة والمصداقية في العمل السياسي وفي تدبير الشأن العام".
الأهداف الاقتصادية وتحسين مناخ الأعمال
وقال بنعبد الله إن "الحكومة التزمت بتحقيق نسبة نمو قدرها 4 بالمائة، لكنها فشلت، ولم تحقق سوى ما بين 1 و3 بالمائة على مدى سنتيْ 2022 و2023. كما أفلست في عهدها رسميًّا أزيدُ من 27 ألف مقاولة صغرى ومتوسطة، دون احتساب عشراتِ آلاف المقاولات الأخرى التي تختنقُ في صمت".
وأضاف أن "الحكومة تعثرت في جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي انخفضت بـ53 بالمائة في سنة 2023. كما عجزت عن تحقيق أي تقدمٍ في جعل الاستثمار الخصوصي يُشكِّــــلُ ثُلُثَيْ الاستثمار الإجمالي الوطني. ولم تلتزم ببلورة التعاقد الوطني حول الاستثمار من أجل تعبئة 550 مليار درهماً من الاستثمارات الخصوصية لإحداث 500 ألف منصب شغل. كما فشلتْ في "جعل الاستثمار العمومي في خدمة العدالة المجالية، حيث ما زالت تتركَّـــزُ 60 بالمائة من الثروة الوطنية المُـــنْـــتَـــجَـــة سنويا في ثلاث جهات فقط. كما فشلت في تنقية مناخ الأعمال من الممارسات غير المشروعة، إذ تراجعت البلادُ في مؤشر إدراك الفساد في 2023 بـ3 مراكز إلى المرتبة 180/97 عالميا، وتراجَعَ مؤشرُ الحرية الاقتصادية إلى 56.8 (ما دون المتوسط العالمي الذي هو 58.6)، ليحتل المغرب بذلك المرتبة 184/101".
وقال بنعبد الله إن الحكومة "خالفت" القانون "بعدم إخراج نظام دعم المقاولات الصغرى المنصوص عليه في الميثاق الجديد للاستثمار". أما المشاريعُ التي "تُمطر"بها الحكومة الرأي العام بالإعلانات على أنَّ لجنة الاستثماراتِ تُصادق عليها، بـ"أغلفة مالية فلكية"، يضيف بنعبد الله، فــ"لا نرى لها أيَّ تقييمٍ حقيقي وشفاف من حيث مدى الإنجاز الفعلي، كما أنها مشاريعٌ ضعيفة المردودية من حيث خلق مناصب الشغل". ولتفسير هذا الوضع الاقتصادي الكارثي، يضيف بنعبد الله في الرسالة الموجهة لأخنوش، "تلجأون إلى التذرُّعِ الانتقائي بصعوباتِ الظرفية الدولية، لكنكم تتجاهلون، بل تهدرون، الفرص التي تُتيحُها هذه الأخيرة، وأساسًا منها الانتعاشُ المتنامي للاقتصاد العالمي بعد ركود فترة كوفيد، وارتفاع عائدات السياحة، وعائدات مغاربة العالَم، وارتفاع الموارد الجبائية والرسوم الجمركية، بسبب ارتفاع الأسعار، أي من جيوب الأسر المغربية".
فشل في السيادة الاقتصادية
قال بنعبد الله إن الحكومة "التزمت" بـ"تحقيق السيادة في مجالاتٍ اقتصادية أساسية، لكنها فشلتْ في ضمان السيادة الصناعية، حيث لا تساهم الصناعة سوى ب 15 بالمائة من الناتج الداخلي الخام"،مشيرا إلى أن المغرب يستورد "جُل" حاجياته من المواد المصنعة. كما "التزمتِ الحكومةُ بتوفير السيادة الغذائية، لكن اختياراتُها في السياسة الفلاحية أدت إلى تصدير الماء عمليًّا، الذي توجد بلادُنا في أمسِّ الحاجة إليه، في مقابل استيراد الحبوب واللحوم والقطاني، وإلى إغناء كبار الفلاحين في مقابل تدمير الفلاحة الصغرى، وإقصاء العالَم القروي من التنمية، وقهر الفلاح الصغير".
وأضاف بنعبد الله أنه "رغم المجهود الكبير المبذول على مستوى الأمن المائي، إلا أن الحكومة مستمرة، من خلال اختياراتها المتعلقة بالسياسة الفلاحية، في الاستعمال السيئ وغير المعقلن" لما يزيد عن 80 بالمائة من المواردالمائية الوطنية، وفي "استنزاف الفرشات المائية، دون استعدادٍ لإعادة النظر وتغيير المسار". كما فشلت في تحقيق السيادة الطاقية، حيث يستورد المغرب معظم حاجاته الطاقية، بفاتورةٍ "تنهك" الاقتصاد الوطني، في "غيابِ أيِّ إرادةٍ سياسية أو إجراءٍ عملي لحل إشكالية المصفاة الوحيدة لا سامير وإعادة تشغيلها، بالنظر إلى أدوارها في التخزين والتكرير". كما فشلت الحكومة، يضيف بنعبد الله، في "الحد من الاقتراض المفرط، حيث وصلت نسبة الدين العمومي 86 بالمائة من الناتج الداخلي الخام". وفشلت أيضاً في "التحكم الحقيقي بعجز الميزانية، اللهم من خلال التفافٍ حساباتي يقوم على إدراج موارد الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال، وأرقامِ "التمويلات المبتكرة" التي هي موارد مؤقتة لا تتسم بطابع الاستدامة والبنيوية والشفافية".
غلاء الأسعار وتدهور مستوى المعيشة
قال بنعبد الله إن الحكومة التزمت بمواجهة الظرفية المتسمة بغلاءٍ غير مسبوق لكل أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، والتزمت بدعم القدرة الشرائية للأسر المغربية، وتوسيع دائرة الطبقة المتوسطة، لكنها "فشلت في ذلك"، بحيث "تأكَّد"، في زمنها، "انزلاقُ حواليْ 3.2 مليون مواطناً نحو دائرة الفقر والهشاشة"، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن الحكومة "تدَّعي خفضَ معدل التضخم إلى 0.3 بالمائة، متناسية أنه بلغ على امتداد سنتيْن مستوياتٍ قياسية من رقميْن بالنسبة للمواد الاستهلاكية الأساسية، ولم تعد أبداً أسعار هذه المواد إلى سابق عهدها (مثلاً أسعار اللحوم الحمراء ارتفعت اليوم إلى ما بين 100 و140 درهماً، وأسعار الغازوال والبنزين تتأرجح ما بين 13 و16 درهماً".
ورأى بنعبد الله، في معرض رسالة حزبه إلى أخنوش، أن الحكومة "أغنَتْ بملايير الدراهم من المال العام، أصحاب النقل ومستوردي الأبقار والأغنام، على حساب المواطنين المستضعفين، دون تسقيفٍ لأسعار المواد والخدمات المدعَّمَة، ودون أن ينعكسَ ذلك الدعمُ الانتقائيُّ إيجاباً على المواطنات والمواطنين الذين أفاد 82.5 بالمائة منهم بتدهور مستوى معيشتهم خلال العام الماضي،و90.4 بالمائة لا يثقون في قدرة الحكومة على تحسينه خلال العام الجاري".
كما سمحت الحكومةُ، يضيف بنعبد الله، بـ"أن تُواصِلَ شركاتُ المحروقاتِ ممارسة التواطؤات، في استنزافٍ لجيوب المواطنين ومراكمةٍ للأرباحٍ الخيالية، على الرغم من قرارات مجلس المنافسة على عِلاَّتِها. وعجزتْ عن مكافحة المضاربات وتَضارُبَ المصالح، ورفضتْ اتخاذ أيِّ إجراءٍ لتسقيف أسعار الغازوال والبنزين، أو تخفيض هوامش الربح، أو الرفع من الضرائب المفروضة على قطاع المحروقات إلى 40 بالمائة"، وهي كلها تدابير يتيحهاالقانون للحكومة، يضيف بنعبد الله، الذي شدد على ان الزيادة في الأجور، "رغم كونها إيجابية"، إلا أنها لا تُـــخَــــوِّلُ للحكومة "كل هذا الانشراح المفرط، طالما أنها زياداتٌ لا تُساوي فارق التضخم وغلاء المعيشة"، علاوةعلى أنها "جاءت مقرونةً بمنطق المقايضة الذي يُـــثير تخوفاتٍ جدية حول الحقوق النقابية وحول كلفة إصلاح منظومة التقاعد على الأُجَرَاء".
فشلٌ في تعميم ورش التغطية الصحية
قال بنعبد الله إن الحكومة التزمت بالتعميم الفعلي للتغطية الصحية، لكنها فشلت في ذلك؛ حيث "أقصت 8 ملايين مواطنا مُستضعفاً من مجانية الانخراط"، وذلك بمعايير وعتبة "مجحفة" و"تفرض عليهم الأداء وهم غيرُ قادرين عليه"، إلى درجة "تجاهلها" تماماً لوجود هؤلاء الملايين من المغاربة. أما المسجلون، يضيف بنعبد الله،فيواجهون "صعوباتٍ حقيقية في الولوج الفعلي والمتكافئ للخدمات الصحية".
وأضاف بنعبد الله أن الحكومة عجزتْ عن "خلق جاذبية الخدمة الصحية وجودتها، لضمان اشتراك المهنيين المستقلين، حيث لا يتجاوز عدد من أقبلوا منهم على التسجيل 13 بالمائة"، كما لم تُحَصِّل سوى 27 بالمائة من إجمالي الاشتراكات المفترَضة، بما "يهدد في العمق استدامة تمويل ورش التغطية الصحية".
وعوض أن تؤسس الحكومةُ عملها على الارتقاء بالمستشفى العمومي، يضيف بنعبد الله، فقد "جعلتْ من القطاع الصحي الخصوصي هو المستفيد الأول" من صناديق التغطية الصحية، بنسبة تناهز 75 بالمائة حسب أرقامِها، وأزيد من 90 بالمائة حسب مصادر أخرى، بما "يؤكد توجهات الحكومة المنتصرة للوبيات المال".
العدالة في الدعم الاجتماعي المباشر
قال بنعبد الله إن الحكومة أصبحت متفقة مع فكرة تقديم الدعم الاجتماعي المباشر للأسر المستضعفة، والتزمت بتفعيلها. لكنها "تَـــلْـــتَــف حول هذا الورش، بحرمان ملايين المستضعفين من هذا الدعم، من خلال إعمال معايير وعتبة إقصائية، فقط لخفض الكلفة".
وأشار بنعبد الله إلى أن الحكومة أوقفت صرف هذا الدعم عن عددٍ من الأسر شهوراً قليلةً بعد انطلاق الورش، مع العلم أن الحكومة "ألغت أيضًا برامج اجتماعية سابقة (تيسير، دعم الأرامل، مليون محفظة، التماسك الاجتماعي…)"، فيما "لا يرقى" ما تقدمه من دعمٍ مباشر إلى مستوى ما وعدت به من مدخولٍ للكرامة بالنسبة للمسنين، الوارد في البرنامج الحكومي.
برنامج دعم اقتناء السكن
بخصوص الدعم المباشر لاقتناء السكن، الذي قال إن حزبه يسانده مبدئيا، فبالإضافة إلى الفرق الكبير بين الأرقام المعلنة (110 ألف أسرة سنويا بكلفة 9.5 مليار درهماً سنويا) وبين ما هو منجزٌ فعلاً حتى الآن (60 ألف طلب فقط، وتصفية ما يكافئ 600 مليون درهماً فقط من كلفة الملفات المعالجة)؛فإنه توجد، بحسب بنعبد الله، "تدابير ضرورية" لم تتخذها الحكومة لتحقيق الهدف، وأساساً "محاربة ظاهرة الأداء غير المصرح به (المسمى شعبيا النْوار)، وضمان إقبال المنعشين العقاريين على إنتاج ما يلزم من عرض سكني، وخاصة السكن الاجتماعي، وتحريك الآليات والمبادرات العمومية لتوفير هذا الصنف من السكن".
ورأى بنعبد الله أنه في غياب ذلك، فإن هذا الوضع يُلزِمُ الحكومةَ باتخاذ التدابير الضرورية لتحويل هذا الإجراء إلى نجاحٍ فعلي يُلبِّي حجم الانتظارات، على أساس التكافؤ الاجتماعي والمجالي.
قانون تمويل الحماية الاجتماعية
قال بنعبد الله إنه باستحضار ما صرحت به الحكومة من تخصيصٍ زهاء 50 مليار درهم (5 مليار دولار) سنوياًّ للتغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر ودعم السكن، على المدى القريب؛
وبالنظر إلى ما سجل من "ثغراتٍ كبرى" في التفعيل، ومن "إقصاء" لملايين الأسر المستَحقة للاستفادة من كُلِّ أو بعضِ مكونات الحماية الاجتماعية؛ فإن حزبَ التقدم والاشتراكية يُطالبُ الحكومة بإحداث "قانون تمويل الحماية الاجتماعية"، وذلك لأجل "ضمان الاستدامة والشفافية، وحتى تتضح للعموم، بجلاءٍ، المبالغُ المالية التي ستُصرفُ فعلياًّ بهذا الشأن؛ ولأجل أن تبرهن الحكومةُ على أنها ليست بصدد إعلاناتٍ مُضَخَّمَة تخلق انتظاراتٍ عريضة، وتُفضي في نهاية المطافِ إلى خيبة أمل شرائح واسعة من المواطنات والمواطنين".
إصلاحاتٌ أساسية غائبة عن الحصيلة
إلى جانب كل "إخفاقات" الحكومة، رأى بنعبد الله أن الأخيرة "لم تباشر" أيضا الإصلاح الجبائي الشامل والعادل، بما فيه "مواجهة التملص والتهرب الضريبيين"، و"تقييم ومراجعة الامتيازات الضريبية".
كما رأى أن الحكومة "فشلت" في إدماج القطاع الاقتصادي غير المهيكل الذي يشكل نحو 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، من خلال الإدماج التحفيزي للقطاع غير المهيكل المعيشي من جهة، ومحاربة مكوناته المُضِرّة بالاقتصاد الوطني والنسيج المقاولاتي، من جهة ثانية. كما "عجزتْ"عن إصلاح صندوق المقاصة ( صندوق دعم المواد الأساسية) في اتجاه الاستفادة الحصرية للمحتاجين إلى الدعم. و"لم تشرعْ بعدُ في إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، ولا في إصلاح صناديق التقاعد". أما "التحول الإيكولوجي والاقتصاد الأخضر فيظلان خطاباً بلا تدابير حقيقية".
وتمنى بنعبد الله أن تتفهم الحكومة تركيز حزبه على النقائص، في مقابل خطاب الارتياح المطلق، وأن تأخذ تنبيهاتِ وملاحظاتِ الحزب واقتراحاته، التي قال إنه أوردها في رسالته المفتوحة بإيجازٍ شديد، بعين الاعتبار، بغاية تعامُلها "موضوعيًّا مع الواقع"، و"بأفق تغيير الاختيارات والمقاربات في اتجاه الإصلاح الحقيقي"، وذلك ارتكازاً على ما حملته حصيلةُ الحكومة من إيجابيات، و"تصحيحا لما تخللتها من سلبيات، لأجل الإذكاء الفعلي لعناصر الثقة والأمل في أوساط الأسر المغربية".