لم يصدّق عبده دغموش ما سمعه من أصدقاء ووسائل إعلام بشأن الارتفاع الجنوني في أسعار الأضاحي مع اقتراب عيد الأضحى، فقرّر القيام بجولة على أسواق الماشية في مدينة بنغازي (شرق ليبيا)، لعلّه يطمئن إلى قدرته على الحفاظ على طقوسه في العيد منتصف الشهر المقبل.
أسعار ليست في المتناول
لكن رهان دغموش خاب بعد جولته، بل أنه صُدم بعدما وجد أن الأسعار أعلى من التي سمعها. وأوضح لـ"النهار العربي" أن سعر الأضحية المحلية من الغنم يبدأ من 2500 دينار ويصل إلى 4000 دينار (الدولار يساوي 7.40 دنانير)، متوقعاً استمرار ارتفاع الأسعار ليصل سعر الأضحية الواحدة إلى ما يقارب 5000 دينار قبل ساعات من العيد. وقال: "سيكون على الراغب في شراء الأضحية خياران، إما شراؤها الآن ويتكبّد نفقات إعلافها، أو ينتظر ويشتري بالسعر الجديد"، واصفاً ما يجري في أسعار اللحوم بـ"الجنون".
وأشار دغموش إلى أنه اعتاد على شراء رأسين من الخراف يُخصص لحوم الأولى للمحتاجين والثانية لبيته وعائلته، لكن مع ارتفاع معدلات التضخم خلال السنوات الثلاث الماضية تقلّصت عادته إلى شراء رأس واحد، توزع لحومها بمناصفة بين المحتاجين وعائلته، أما هذا العام فلن يستطيع إلّا إذا شاركه جيران أو أصدقاء في التكلفة.
ويثير غلاء أسعار أضاحي العيد جدلاً واسعاً هذه الأيام في الأوساط الليبية، وسط تصاعد دعوات إلى مقاطعتها، في ظل تدهور القدرة الشرائية لليبيين، وندرة قطعان المواشي لأسباب عدة، بدأت بفيضانات "دانيال" التي ضربت ساحل شرق ليبيا، والجفاف الذي تعانيه ليبيا في السنوات الأخيرة، وأخيراً موجة الأمراض وعلى رأسها الحمى القلاعية التي أصابت الثروة الحيوانية في البلاد.
وتستهلك ليبيا ما يقرب من مليون رأس من الأغنام في عيد الأضحى، وفق إحصاءات لوزارة الزراعة والثروة الحيوانية.
الاستيراد هو الحل؟
وأمام الارتفاع غير المسبوق للأسعار، عمدت الحكومة المسيطرة على الشرق الليبي إلى استيراد أطنان من اللحوم والماشية لتوزيعها مدعومة قبل العيد، في حين سمحت المصارف ببيع اللحوم عبر خدمات التقسيط والدفع الإلكتروني، في ظل استمرار أزمة السيولة وتأخّر صرف الرواتب.
لكن دغموش لفت إلى اختلاف اللحوم المحلية التي يفضّلها الليبيون عن مثيلتها المستوردة الرديئة المذاق، ولا تتناسب مع طرق الطهو التي يفضّلها المواطن لأنها تحتاج إلى وقت أطول، مشيراً إلى أن شراء الأضحية وذبحها في الساعات الأولى للعيد عادة اجتماعية في ليبيا من الصعب التنازل عنها.
أما أبو بكر حماد، أحد كبار تجار المواشي في ليبيا، فحذّر من أن الثروة الحيوانية في ليبيا "مهدّده بالانقراض خلال السنوات القليلة المقبلة، لأسباب عدة، على رأسها ارتفاع اسعار الأعلاف، وعدم دعم الحكومات للمربين"، نافياً مسؤولية التجار عن ارتفاع اسعار اللحوم. وأوضح أن "الطلب على المواشي يزداد بشكل ملحوظ قبل عيد الأضحى كل عام، وفي ظل محدودية العرض، ارتفعت الأسعار".
حديث حماد تعكسه بيانات نشرتها الشركة الليبية للمواشي، أفادت باستيراد ليبيا 52.7 ألف رأس ماشية وأغنام خلال العام 2023، بزيادة تجاوزت الضعف عن العام 2022، الذي جرى خلاله استيراد 25.6 ألف رأس.
تناقص الثروة الحيوانية
وأكّد حماد لـ"النهار العربي" أنه "في كل عام نشهد تناقصاً واضحاً في الثروة الحيوانية الليبية لا يقلّ عن 10 آلاف رأس، عن العام الذي يسبقه... خلال الخمسة أعوام الماضية تقلّصت الثروة الليبية إلى ما يقارب النصف، وللأسف الحكومات تجاهلت معالجة الأزمة مع بدايتها"، مشيراً إلى أن "المناطق الرعوية المفتوحة التي تعتمد عليها البلاد تعاني من جفاف شديد خلال العامين الأخيرين. حتى الأدوية والتطعيمات لا توفرها السلطات المعنية للمربين، الأمر الذي أدّى إلى انتشار مرض الحمى القلاعية خلال الشهور الماضية".
ولفت حماد إلى "زيادة في عمليات ذبح الإناث بسبب انخفاض ثمنها عن الذكور، الأمر الذي يفاقم أزمة نقصان قطعان الماشية"، مطالباً باستصدار الحكومة قراراً يحظر ذبح إناث الماشية وتعميمه على المجازر في ليبيا. وأشار أيضاً إلى معضلة تهريب المواشي المحلية إلى دول الجوار ما يفاقم نقص المعروض في الأسواق المحلية.
ورأى أنه في ظل الأزمات المتلاحقة "خرج صغار المربين من السوق، فبعدما كانت العديد من الأسر تعتمد على هذا النشاط كمصدر رئيس للدخل، بات في الفترة الأخيرة غير مجد على المستوى الاقتصادي".
ووفق منظمة الأغذية والزراعة "فاو"، فإن عدد المواشي في ليبيا يبلغ 7.3 ملايين رأس، منها 1.5 مليون من الماعز و100 ألف من الأبقار و60 ألفاً من الإبل، والباقي من الغنم، وفق بيانات العام 2023.