النهار

ضجة حول وجود "فاغنر" على أراضيها... هل يخشى الغرب تحوّل تونس نحو روسيا؟
تونس-كريمة دغراش
المصدر: النهار العربي
أثارت تقارير صحفية أوروبية عن وجود مقاتلات حربية روسية ومقاتلي مجموعة "فاغنر" في تونس ضجّة واسعة في البلد خلال الأيام الأخيرة، استدعت نفياً تونسياً رسمياً.
ضجة حول وجود "فاغنر" على أراضيها... هل يخشى الغرب تحوّل تونس نحو روسيا؟
مقاتلون ينتمون إلى مجموعة "فاغنر" الروسية (أرشيفية)
A+   A-

أثارت تقارير صحافية أوروبية عن وجود مقاتلات حربية روسية ومقاتلي مجموعة "فاغنر" في تونس ضجّة واسعة في البلد خلال الأيام الأخيرة، استدعت نفياً تونسياً رسمياً.

فقد تحدثت وسائل إعلام إيطالية، ثم تلتها أخرى فرنسية، عن وجود مقاتلي "فاغنر" الروسية في جزيرة جربة بجنوب تونس، على مقربة من الحدود مع ليبيا، مشيرة إلى إمكانية تورطهم في شبكات ترحيل المهاجرين من جنوب إفريقيا إلى السواحل الأوروبية، بعدما تحوّلت تونس إلى محطة رئيسية على طريق الهجرة غير النظامية التي تقضّ اليوم مضجع أوروبا، وتغذي الخطاب اليميني المتطرّف فيها.

ففي تقرير نشرته صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، ورد أن مقاتلات روسية شوهدت في الأيام الأخيرة تهبط في مطار جزيرة جربة، التي تبعد نحو 150 كلم عن الحدود مع ليبيا. وقالت الصحيفة إن هذا الوجود يثير المخاوف، فمن شأنه أن يكمل "الاختراق الروسي" للمنطقة بعد تراجع الحضور الفرنسي فيها، خصوصاً بعد توسّع الروس في ليبيا وترفيع مستوى تعاونهم مع الجزائر.

ترك التقرير الإيطالي صدى أوروبياً واسعاً، ما استدعى إصدار السفارة الروسية في ليبيا بياناً رسمياً نفت فيه صحة ما أوردته "لاريبوبليكا"، واصفةً تقريرها بأنه "كذب وتزييف، ولا يحترم القارئ، سواء أكان في إيطاليا أم خارجها".

وبعدما بثت قناة "إل سي آي" الإخبارية الفرنسية تقريراً يصبّ في الاتجاه نفسه، مسلطةً الضوء على وجود مقاتلي "فاغنر" الروسية في جربة، نفت تونس هذه الأخبار في بيانين صادرين عن سفارتيها في باريس وروما. وقال بيان السفارة التونسية في روما إن الجمهورية التونسية دولة مستقلة ذات سيادة، تتحكّم وحدها بسلامة كامل ترابها، وترفض أي نوع من التدخّل الأجنبي في شؤونها الداخلية، فيما كان بيان السفارة التونسية في باريس أشدّ حزماً، إذ تحدث عن "ادعاءات" وعن "نشر معلومات مضلّلة لا أساس لها من الصحة".

ولم تكن واشنطن بعيدة من هذا الصخب، إذ نقلت قناة "فرانس 24 "بالعربية عن الخارجية الأميركية تعبيرها عن قلقها من الحضور الروسي في إفريقيا، وخصوصاً في تونس، "في ما يتعلق بملف الهجرة غير النظامية".

مخاوف غربية
يعتقد مراقبون أن هذه التقارير تكشف في الحقيقة عن مخاوف غربية من توسع روسي في منطقة تمثل مسرحاً للصراع بين معسكرين: شرقي يتوسّع ويوثق علاقاته بدول القارة الإفريقية، وغربي يتراجع نفوذه.

في هذا الإطار، ينفي خليفة الشيباني، المحلل السياسي والعميد السابق في الأمن التونسي، وجود مقاتلين تابعين لمجموعة "فاغنر" في تونس. ويقول لـ"النهار العربي" إن تونس دولة ذات سيادة، "وجربة جزيرة تونسية سياحية، وبالتالي هي فضاء مفتوح، فلا يمكن منطقياً إقامة قاعدة عسكرية فيها''.

ويضيف الشيباني أن فرنسا التي خسرت الكثير من نفوذها في إفريقيا تعمل على الترويج لهذه المغالطات، "فهذه ليست أول إشارة إلى وجود قواعد عسكرية أجنبية في تونس، وهي معطيات غير صحيحة". كما يرى أن هذا الترويج "محاولة لابتزاز تونس التي ترفض أن يقع التعامل معها بلغة المستعمر".

وتخضع تونس لضغوط غربية كبيرة تحت غطاء ملف الحقوق والحرّيات، منذ فرض الرئيس قيس سعيد تدابير استثنائية في عام 2021، وهو ما اعتبره في مناسبات عديدة تدخلاً في الشؤون الداخلية لبلاده.

لا تغيير في التوجّه
شهدت العلاقات بين تونس وموسكو في الفترة الأخيرة تطورات متسارعة، ما دفع بمراقبين إلى الحديث عن توجّه تونسي نحو الشرق بدلاً من الغرب، قد يصل إلى حدّ التعاون العسكري.

وترى أوروبا، الشريك الاقتصادي التقليدي الأول لتونس، أن الزيارات الرسمية المتبادلة أخيراً بين تونس وروسيا تكشف عن رغبة مشتركة في نقل العلاقات بينهما إلى مستوى أرفع.

وتطمح تونس للحصول على تسهيلات وأسعار تفاضلية لاستيراد الحبوب الروسية، في وقت زادت حاجياتها منها، خصوصاً بعد الحرب على أوكرانيا، كما تأمل أن تعزز تعاونها الاقتصادي مع موسكو في جميع المجالات، علماً أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 1.2 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2023.

إلّا أن تونس، التي تمرّ بأزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية عدة، فقد أكّدت دائماً حرصها على عقد علاقات جيدة مع الجميع، "مع تطلعها إلى تنويع شركائها، من دون أي نية لتغييرهم"، كما يقول المحلل السياسي علية العلياني لـ"النهار العربي"، مؤكّداً أن الخط التونسي ثابت في هذا السياق، "وما يعني تونس هو مصالحها أولاً وقبل أي شيء".

ويضيف: "في الوقت الذي تواترت فيه هذه التقارير، جرت مناورات عسكرية تونسية – أميركية مشتركة، فليس منطقياً إذاً الحديث عن أي تغيّر في البوصلة التونسية، أو أي توجّه تونسي نحو الشرق".

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium