النهار

غلال القمح الجزائري تتجاوز التّوقعات... حقيقة أم ترويج حكومي بالذّكاء الاصطناعي؟
الجزائر - نبيل سليماني
المصدر: النهار العربي
نشرت على مواقع التواصل خلال الأيام الماضية عشرات الصور لإنتاجات وفيرة من القمح، ولعشرات الشاحنات متوجهة إلى جنوب البلاد، لاسيما إلى محافظتي أدرار والمنيعة، لشحن كميات القمح إلى مراكز التخزين.
غلال القمح الجزائري تتجاوز التّوقعات... حقيقة أم ترويج حكومي بالذّكاء الاصطناعي؟
احتفاء عبر الشاحنات الزراعية بارتفاع نسبة الغلال.
A+   A-
أثار محصول القمح الجزائري هذا الموسم ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي، بين مروّج لإنتاج فاق التوقعات، وغير مصدق معتبراً أن الأمر لا يعدو كونه ترويجاً سياسياً للحكومة والرئيس عبد المجيد تبون.
 
ونشرت على مواقع التواصل خلال الأيام الماضية عشرات الصور لإنتاجات وفيرة من القمح، ولعشرات الشاحنات متوجهة إلى جنوب البلاد، لا سيما إلى محافظتي أدرار والمنيعة، لشحن كميات القمح إلى مراكز التخزين.
 
واحتلت الجزائر المركز الثاني أفريقياً في إنتاج القمح عام 2023 بعد مصر، بإجمالي إنتاج بلغ 7 ملايين طن، فيما بلغ حجم ما يستهلكه الجزائريون من المادة 11.4 مليون طن.

واقع إنتاج 2024
وهذا العام ساهمت التساقطات المطرية في وفرة الإنتاج الزراعي الجزائري، مقارنة بالسنوات الفائتة التي شحّت فيها السماء وأدخلت البلاد في موجة جفاف حاد.
 
وكان مدير دائرة التنمية المستدامة للإنتاج في الديوان الجزائري المهني للحبوب نور الدين عمراني قد أكد في وقت سابق أن محصول القمح هذا العام سيكون استثنائياً؛ مرجعاً ذلك إلى عوامل بارزة منها "دعم الفلاحين بالبذور والأسمدة وبالمجان، إذ استفاد 135 ألف فلاح من البذور، بمجموع 2.8 مليون قنطار من البذور و1.5 مليون قنطار من الأسمدة الفوسفاتية والآزوتية، خصوصاً مع توسيع المساحات المزروعة في الجنوب مقارنة بالعام الماضي".

وبدا الإنتاج الوفير مفاجئاً في محافظات جنوب البلاد، بخاصة في أدرار، المحافظة التي كانت إلى وقت قريب بعيدة عن الزراعة ومعتمدة على ما تدره أراضي المحافظات الشرقية على وجه الخصوص.
 

وفي هذا الخصوص، يقول الخبير الزراعي علي آكلي، إن عمليات الاستصلاح التي شملت مساحات واسعة من الأراضي في أدرار، أعطت نتائجها خلال السنوات الأخيرة مع محاصيل من كل أنواع الخضروات والفواكه.
 
ويضيف: "لقد تفطنت الحكومة إلى ضرورة الاهتمام بالزراعات الاستراتيجية في بعض المحافظات الجنوبية على غرار وادي سوف وأدرار والمنيعة، مع العلم بأن مدة زراعة الحبوب مثلاً في هذه المناطق لا تتعدى الـ5 أشهر فقط، وهي ميزة مهمة توفرها الأراضي في هذه المحافظات وتدفع الحكومة إلى تشجيع الفلاحين على الزراعة مرتين في العام".
  
وتقول التقديرات الأولية، إن إنتاج أدرار من الحبوب سيصل إلى مليون قنطار خلال موسم الحصاد الجاري، مع توقعات بتحقيق 800 ألف قنطار من إنتاج القمح الصلب، أي بزيادة أكثر من 50 في المئة عن محصول السنة الفائتة، من دون إغفال إنتاج القمح اللين والشعير الذي من الممكن أن يتجاوز حدود الـ7 آلاف قنطار.

أما في صحراء النمامشة الواقعة جنوب محافظة خنشلة شرق الجزائر، فتجاوزت محاصيل القمح والشعير حدود التوقعات، وتتحدث عمّا يفوق الـ90 قنطاراً في الهكتار الواحد، في مساحة زراعية إجمالية تفوق 80 ألف هكتار.

"تأكل مما تنتج"
وتعد الجزائر من بين أكبر الدول المستهلكة للقمح بأنواعه، وقد ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية والشح الذي عرفته ولا تزال سوق الحبوب العالمية، في دفع الحكومة الجزائرية إلى تعزيز إنتاج البلاد من القمح واستغلال قدراتها الزراعية بما يقلل من تبعيتها الخارجية في هذا المجال، وبالتالي مضاعفة محاصيلها بما يخدم أمنها الغذائي.
 
ولما كان الهدف أرقاماً أكبر، فقد تحتم على السلطات الحكومية تسخير ما يلزم من إمكانات مادية وتقنية وعلمية لتحقيق المبتغى، بخاصة عندما تمتلك البلاد مساحات شاسعة من مئات آلاف الهكتارات شمالاً وعشرات الآلاف المستصلحة جنوباً.

ولئن تحقق ما تحقق هذا العام، فإن خطوات الحكومة في مجال الزراعة عامة والحبوب بصفة خاصة، لا بد لها من التثبيت خلال السنوات المقبلة، يقول متابعون، بخاصة أن الوصول إلى تحقيق الأمن الغذائي ليس بالسهل، غير أنه ليس مستحيلاً، كما يؤكد الخبير الاقتصادي علي عية، الذي أشار في اتصال بـ"النهار العربي" إلى ضرورة تعزيز الاهتمام الحكومي الحالي بالفلاحة، مع إعطاء الأولوية للفلاح الخادم للأرض ودعمه مالياً ومرافقته طوال السنة.

ويلفت عية إلى ضرورة التوجه الفعلي نحو استعمال التقنيات الزراعية الحديثة عبر كامل الأراضي الزراعية في الجزائر، وتأهيل الكادر الزراعي وجميع الفاعلين في حقل الزراعة في البلاد بما يتوافق والأطر العلمية، "وحينها أنا متأكد من أننا سنشهد طفرة زراعية جزائرية خلال الأعوام القليلة المقبلة، تجعل من بلادنا أنموذجاً في إنتاج ما تأكله".
 

بين الواقع و"الذكاء الاصطناعي"
لكن على الجانب الآخر، بدا للبعض أن تلك الأراضي الشاسعة المزروعة، وكل تلك الشاحنات المتجهة نحو الجنوب والمصطفة منتظرة دورها لشحن القمح، هي محض خيال من الحكومة الجزائرية، واستغلال لتكنولوجيا "الذكاء الاصطناعي"، في مسعاها لتحقيق "هيبة زراعية" في المنطقة. أمر قابله الرئيس تبون بسخرية عندما قال: "إذا كان الذكاء الاصطناعي يوكلني القمح فمرحباً به".

وعرض التلفزيون الحكومي الجزائري صوراً لطوابير طويلة من الشاحنات تنتظر المحصول، غير أن بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل، شككت في الأمر وقالت إن الصور "معدلة بتقنية الذكاء الاصطناعي"، وهو ما رد عليه مغردون ووسائل إعلام جزائرية بعشرات الصور والفيديوهات ومن زوايا مختلفة لطوابير الشاحنات ولمحاصيل الحبوب وللأراضي الشاسعة التي تنتظر الحصاد وحتى للآلات المستعملة في عملية جني المحصول، في محاولة لاحتواء ما سموه "الحملات الغيورة"، وتبيان حقائق الميدان التي يقول عنها مراقبون إنها "مسارات زراعية جيدة تخطو نحو اكتفاء ذاتي يغني الجزائر عن استنزاف خزينتها المالية، واستغلال سلتها الغذائية المحلية الضخمة التي يمكن لها أن تحقق أمنها الغذائي وأمن جيرانها ومحيطها الإقليمي أيضاً"، مستندين في ذلك إلى ملايين القنطارات من الحبوب والقمح والشعير التي كانت تستحوذ عليها فرنسا من الأراضي الزراعية الجزائرية أيام استعمارها البلاد (1832-1962)، وتصديرها نحو باريس وعدد من  البلدان الأوروبية الأخرى.

اقرأ في النهار Premium