النهار

مرجان الجزائر: ذهب أحمر يحوم حوله المهرّبون
الجزائر-نهال دويب
المصدر: النهار العربي
إذا كان الاحتباس الحراري والصيد الجائر والتلوث البحري قد حرمت العالم من نصف شعابه المرجانية منذ خمسينات القرن الماضي، فإن الحكومة الجزائرية عادت إلى إصدار التراخيص لصيد المرجان الخام،
مرجان الجزائر: ذهب أحمر يحوم حوله المهرّبون
مصوغات وحلى مرصعة بالمرجان الأحمر
A+   A-
إذا كان الاحتباس الحراري والصيد الجائر والتلوث البحري قد حرمت العالم من نصف شعابه المرجانية منذ خمسينات القرن الماضي، فإن الحكومة الجزائرية عادت إلى إصدار التراخيص لصيد المرجان الخام، بعدما أنجزت دراسة للبيئة المرجانية في ثلاث ولايات ساحلية، هي الطارف وسكيكدة وجيجل.
 
في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، أعلن أحمد بداني، وزير الصيد البحري والمنتجات الصيدية في الجزائر، رفع الحظر عن صيد المرجان، بعد مرور أكثر من 20 عاماً على منعه، ومنح نحو 60 مهنياً تراخيص تجيز لهم هذا النوع من الصيد، على أن يتمّ اختيارهم بالمزايدة.
 
أثلج هذا الخبر صدور صيادي المرجان والحرفيين من صنّاع الحلي في البلاد؛ إذ يخلّصهم من معاناة دامت طويلاً بسبب ندرة المواد الأولية التي يحتاجونها في مهنتهم. لكنه زاد المخاوف من الجور في الصيد، ومن عمليات سرقة وتهريب منظّمة تمارسها شبكات محلية ودولية، كما حصل للثروة التي يجود بها البحر قرب سواحل منطقة القالة التي تعدّ عاصمة المرجان في الشرق الجزائري، على الرغم من تأكيد بداني إتمام الجانب القانوني لعملية تنظيم صيد المرجان، وتذكيره بأن "عملية صيد الذهب الأحمر توقفت منذ بداية الألفية".
 
لكن ثنينة ترى خلاف ما يراه الوزير.
 
لا لم تتوقف
ثنينة (35 عاماً)، مقيمة في بلدة بني يني الصغيرة بمحافظة تيزي وزو، عند أعلى قمة من قمم جبال جرجرة. وهي واحدة من اللواتي احترفن فن صوغ المرجان، وتحويله إلى حِلي تتزين بها أعناق النساء ومعاصمهن. 
 
همّ ثنينة الدائم هو تأمين المواد الأولية لحرفتها الصناعية، أي المرجان نفسه، إضافة إلى الفضة التي تستخدمها في صوغ السلاسل والأساور قبل ترصيعها بالحجر الكريم. وهي تردّ الندرة إلى "غياب استراتيجية وطنية تحمي الإنتاج المحلي من المرجان الجزائري الذي يتعرّض لعمليات نهب ممنهجة"، كما تقول لـ"النهار العربي"، متهمة عصابات تهريب عابرة للقارات.
 
تضيف ثنينة: "لا يمرّ أسبوع من دون أن يُذاع خبر توقيف عصابة تصطاد المرجان بلا ترخيص، وبأدوات خاصة يستوردونها من الخارج، بالعملة الصعبة، تُستخدم حين يتعرّض غطاس لأي حادث، في أثناء عملية صيد الذهب الأحمر".
 
وبحسبها، يلجأ الباحثون عن المرجان الأحمر إلى السوق السوداء، "لكن أغلبيتهم تقع في فخ المرجان المقلّد الذي يتناثر غباراً حين يبدأ الصائغ رحلة تحويله إلى حلية"، متوسمةً خيراً في القرار الحكومي استئناف صيد المرجان الجزائري، "شرط المراقبة اللصيقة لمنع تهريب هذه الثروة القومية"، كما تقول.
 
 
بشق النفس 
يرتسم الأمل على محيا عاشور مراد، الحرفي المعلّم في تحويل المرجان في محافظة الطارف التي تشتهر بشعابها المرجانية، حين يتحدث عن قرار استئناف صيد المرجان، "لعلّ ذلك يوقف الفوضى العارمة في استغلال هذه الثروة، ويُحيي حرفةً كادت أن تكون رميماً"، كما يقول لـ"النهار العربي"، مضيفاً: "في خلال العقدين الماضيين، اقتربت هذه الحرفة من الاندثار بعدما غادرها أربابها بسبب ندرة المواد الأولية التي أصبحت عرضةً للتهريب والاستنزاف، وبسبب منعنا من صيد مرجاننا... بالقانون".
 
فمن أين كنتم تأتون بالمرجان إذاً؟ يُجيب عاشور: "بشق النفس". وحين تصادر المديريات الجهوية للجمارك المرجان المهرّب، تطرحه للبيع في مزادات علنية، فيتقاسمه أبناء هذه الحرفة الذين أبوا تركها.
 
وبحسب عاشور، في بحر الجزائر أكبر احتياطي من المرجان في العالم، "وهو الأفضل نوعاً والأجود نقاءً، خصوصاً المرجان الأحمر الملكي، علماً أن المدن الجزائرية الثلاث التي شملها قرار الوزارة، شهيرة بأنّ فيها أجمل شعاب مرجانية". وتؤيّده في ذلك تقارير رسمية تقول إن ثروة الجزائر من المرجان تعادل نصف الإنتاج العالمي، بشهادة خبراء دوليين.
 
حماية وتأطير 
بعد استئناف الجزائر صيد المرجان، يرجح عاشور انتظام الحرفة، "فدفتر الشروط الجديد يفسح المجال أمام المستثمرين الدخول في هذا المجال، شريطة حيازتهم سفينة مخصّصة لصيد المرجان، وأدوات متطورة للغطس وللتعرف على المواقع البحرية". 
 
يضيف: "دفتر الشروط الجديد يحدّد العوائد المالية للمستثمرين، ونرجح بيع 70 في المئة من المرجان الذي يصطادونه للوكالة الوطنية لتحويل وتوزيع الذهب والمعادن الثمينة الأخرى (أجينور)، بينما يحصل المستثمر على 30 في المئة. وهنا يجد الصياد نفسه أمام مصدرين للمرجان يختار أحدهما، أجينور أو المستثمر".
 
يُذكر أن الحكومة الجزائرية أبدت في السنوات الأربع الماضية اهتماماً ملحوظاً بهذه الثروة المائية، فأطلقت شراكة مع وزارة التكوين المهني والصيد البحري في عام 2021 لتكوين أكثر من 150 متربصاً في هذا المجال، من أجل تأطير عملية الصيد وحصرها بمن يتخصص فيها.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium