أجرى الرئيس التونسي قيس سعيّد قبل أيام تعديلاً وزارياً وصفه مراقبون بالمفاجئ نظراً إلى توقيته والاسمين اللذين شملهما، وسط تكهنات عما إذا للأمر علاقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة. وأنهى سعيد مهمات وزير الداخلية كمال الفقيه ووزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي وعيّن خالد النوري وسفيان بالصادق خلفين لهما.
والفقيه والزاهي من الوزراء المقربين من سعيّد وتربطهما به علاقة صداقة تعود إلى ما قبل انتخابه رئيساً عام 2019، وكانا من أركان حملته الانتخابية وساهما فيها مساهمةً كبيرة.
ويأتي التعديل الوزاري الجديد في ظل تصعيد تقوده المعارضة ومجموعة من المنظمات والشخصيات المعروفة في المشهد السياسي التونسي، على خلفية "مساع للتضييق على الحريات والديموقراطية في البلد"، وهو ما فتح الباب أمام الكثير من التأويلات.
وعاشت تونس في الآونة الأخيرة على وقع احتجاجات حركت الشارع بعد حملة توقيفات شملت إعلاميين ومحامين، واتهمت المعارضة السلطة بالتضييق على الحريات من خلالها، وقالت إن أحد الموقوفين وهو محام "تعرض للاعتداء بالعنف والتعذيب" على أيدي الشرطة ساعة توقيفه، وهو ما نفته وزارة الداخلية بلسان المتحدث باسمها.
وصارت إقالة الوزراء وتعيينهم من اختصاصات رئيس الجمهورية في تونس حصراً منذ اعتماد الدستور الجديد في 2022.
وبموجب هذه الصلاحيات التي منحها له الدستور، أجرى سعيد على امتداد العامين الماضيين تعديلاً على تشكيلة الحكومة في أكثر من مناسبة شملت رأسها، لكنها كانت في كل مرة تعديلات جزئية ولم ترتق لمرتبة التغيير الكامل.
تعديل الأوتار
ويأتي التعديل الوزاري قبل بضعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية المتوقعة نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. ورغم أن موعدها لم يعلن رسمياً بعد، إلا أن هذه الانتخابات صارت الحدث الرئيسي الذي يشغل المشهد السياسي في البلاد، سلطة ومعارضة، وهو ما يجعل البعض يقول إن التعديل الوزاري الأخير على صلة وثيقة بهذا الاستحقاق الانتخابي.
وفي تقدير بعض المراقبين، فإن التعديل الوزاري الأخير الذي شمل واحدة من الوزارات السيادية هو محاولة لضخ دماء جديدة في الحكومة، خصوصاً في ظل الانتقادات الكبيرة التي طالت وزارة الداخلية وطريقة تعاملها مع التطورات الأخيرة.
ويقول أصحاب هذا الرأي إن سعيد بدأ يفكر في الانتخابات الرئاسية، لذلك "يحاول امتصاص حالة الغضب المتصاعدة ككرة الثلج عبر إقالة وزيرين من بين المقربين له قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية".
وفي الفترة الأخيرة عرفت تونس الكثير من الأحداث المثيرة للجدل التي وضعت الأداء الحكومي في مرمى الانتقادات، بداية من قضية حجب العلم في المحافل والتظاهرات الرياضية الدولية بسبب تأخر إصدار قانون المنشطات، مروراً بملف أزمة المهاجرين غير النظاميين، وصولاً إلى قضية التوقيفات الأخيرة وما صاحبها من احتجاجات واتهامات بالتضييق على الحريات.
لكن المحلل السياسي خليل الرقيق يؤكد أن الرئيس سعيد عبّر عن موقفه من هذه التطورات عند استقباله وزيرة العدل، مؤكداً احترامه للحريات، لذلك يستبعد أن يكون التعديل رداً عليها.
ويضيف أن البيان الذي أعلن فيه التعديل الوزاري الجديد لم يتضمن عبارات من نوع أقال أو أعفى أو غيرها من العبارات المستعملة، واكتفى بإعلان تعيين الوزراء الجدد، ويوضح: "معلوم أن الفقيه والزاهي من بين المقربين لسعيد وهما يحملان المشروع السياسي نفسه الذي يحمله، ولم تصدر عن أحدهما أي إشارة إلى تغيير في الموقف ذي علاقة بهذا المشروع".
ويلفت إلى أنه "لا يمكن الجزم بأهداف هذا التعديل، لكن مواصلة الوزيرين المقالين القيام بدور سياسي أو رسمي ليست مستبعدة في الفترة المقبلة".
التفكير في الحملة الانتخابية
في المقابل، يربط عدد من المراقبين التعديل الوزاري الأخير بالاستعدادات للحملة الانتخابية الرئاسية. ووفق هؤلاء، قد يكون سعيد قد اتخذ هذا القرار لتكليف الوزيرين الإشراف على حملته.
ولم يعلن سعيد بعد ترشحه لانتخابات الرئاسة، لكنه لم ينف عزمه على ذلك، ما يجعل احتمال ترشحه أمراً مفروغاً منه في تقدير أغلبية الفاعلين في المشهد السياسي.
ويعتبر الرئيس الحالي من أوفر المرشحين للفوز في السباق الرئاسي الذي أعلنت أكثر من شخصية ترشحها له، على غرار عبير موسي وعصام الشابي ومنذر الزنايدي والصافي سعيد.
وتعليقاً على ذلك يقول المحلل السياسي حسان العيادي إنه لا يمكن فهم التعديل الأخير أو تقييمه وفق آليات القراءة السياسية الكلاسيكية، مضيفاً أنه ربما هو إعادة ضبط أو ترتيب لبيت الحكم أكثر منه حملة انتخابية، وموضحاً أن الحملات الانتخابية تقوم على عرض المنجز والوعود، وهذا غير متوافر في الوضع الحالي.
ووفق تقديره لا يمكن ربط الانتخابات الرئاسية وحملة سعيد بهذا التعديل الذي نبه إلى أنه شمل آخر وزيرين مسيّسين في الحكومة، ما قد يشير إلى أن الرئيس ربما كان بصدد البحث عن "التوليفة المثلى" للحكم.