لم يعمّر التحالف الرئاسي الرباعي "من أجل الجزائر"، الذي تألف لدعم ترشّح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لولاية رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقررة في 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، أكثر من أسبوع؛ إذ أعلنت حركة البناء الوطني تجميد عضويتها إثر خلافات متسارعة.
ويعزو مراقبون تفكك الائتلاف إلى انفراد حركة البناء الوطني بإعلانها ترشيح تبون من دون التقيد بالاتفاق الذي يقضي بأن يكون هذا إعلاناً مشتركاً بين أحزاب التحالف الأربعة: جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي، وجبهة المستقبل، وحركة البناء الوطني.
فهذه الحركة المحسوبة على التيار الإسلامي تسعى إلى تصدر المشهد السياسي، لذا بادر رئيسها عبد القادر بن قرينة إلى ترشيح تبون، آملاً أن يقود هو تحالف "العهدة الثانية"، حتى لو أتى هذا التحالف من خارج أحزاب الأغلبية الرئاسية. وهذا ما دفع عبد الكريم بن مبارك، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، بالتذكير بأن حزبه هو "صاحب الأغلبية البرلمانية، ويليه في المركز الثاني التجمع الوطني الديموقراطي، ثم جبهة المستقبل، وتحل حركة البناء الوطني أخيراً".
صراع من أجل التّموقع
يقول أحمد رابحي، القيادي في جبهة التحرير الوطني، لـ"النهار العربي": "بسبب الحساسية التقليدية المفرطة بين التشكيلات السياسية في علاقاتها بالسلطة، كانت بداية تحالف الأغلبية الرئاسية متعثرة بسبب الأنانية وحرب التموقع والنرجسية السياسية، وهذه مؤشرات ستعيق كلها استمرارية هذا المنتدى السياسي".
ويعتقد رابحي أن الانتخابات الرئاسية "فرصة أساسية للأحزاب السياسية كي تستعرض قدرتها على التعبئة"، لكن الهدف الباطني وغير المعلن "مرتبط أساساً بحسابات ما بعد الرئاسية".
ويشير المحلل السياسي والباحث الاجتماعي أحسن خلاص إلى "التنافس الشرس داخل التكتل السياسي الداعم للرئيس تبون"، فيقول لـ"النهار العربي": "لا ترضى جبهة التحرير الوطني أن يسبقها أحد في ولائها للسلطة، فيما تريد حركة البناء الوطني أن تؤيد دوراً محورياً في مسألة العهدة الرئاسية الثانية". وبرأيه، عجزت جبهة التحرير الوطني عن أداء هذا الدور، "لكنها ترفض رفضاً قاطعاً أن تكون في الصفوف الخلفية".
وبحسب خلاص، أظهر السجال بين زعيمي حزبي البناء الوطني وجبهة التحرير الوطني الكثير من السلبيات، "أهمها أن لا أفكار جديدة يقدمها المساندون، بل يتبعون مصلحتهم، وهذه المصلحة تفرض عليهم أن يكونوا مع مرشح السلطة، وهذا مدار توافق، حتى لو اختلفوا في ما بينهم".
تسابق غير معلن
وكان بن مبارك قد أعلن رفضه "التصرف الأحادي" الذي بادر إليه بن قرينة، وقد تم هذا من دون العودة إلى الهيئة القيادية المنبثقة عن اجتماع هيئة التحالف.
وخلال مؤتمر صحافي، قال بن مبارك: "اللي خرج الطريق الله يسهل" (أي الذي حاد عن الاتفاق هو حر)، في إشارة صريحة إلى خروج حركة البناء عن الاتفاق الرسمي الذي أبرمه التحالف الرباعي، خصوصاً أن جبهة التحرير الوطني، باعتبارها كبرى أحزاب الموالاة، ترفض أن تقود حركة البناء الوطني القاطرة السياسية في عملية ترشيح تبون لولاية رئاسية ثانية.
وجدد بن مبارك تأكيد أن حزبه ملتزم بنود الاتفاق المبرم بين تحالف الأحزاب الأربعة. وأضاف: "الانتخابات الرئاسية مرحلة مفصلية تدخلها جبهة التحرير الوطني بصفوف متراصة ومنسجمة، وستكون في الطليعة باعتبارها قوة في الاقتراح".
الرئيس غاضب
تزامناً مع تصدع تحالف الأغلبية، تداولت تقارير إعلامية خبراً عن غضب تبون من هذه الممارسات السياسية التي تؤثر في البلاد، في إشارة واضحة إلى التراشق الإعلامي بين بن مبارك وبن قرينة، وإلى تسابق قادة أحزاب الموالاة لترشحيه قبل أن يعلن هو رسمياً عن قراره.
وأعاد تبون إلى الأذهان ميلاد "الحزام الوطني" من أربعة أحزاب سياسية قبيل انتخابات عام 2014 الرئاسية، التي فاز فيها بوتفليقة بولاية رئاسية رابعة، وبتجربة أخرى قبيل انتخابات عام 2019، وكانت أحد أسباب اندلاع الحراك الشعبي.
في هذا السياق، تقول صحيفة "الخبر" الجزائرية إن الحنين إلى الممارسات الفولكلورية التي كانت تميز المشهد السياسي قبل عام 2019، "بدأ يتسلل إلى صدور أصحاب النفوس الضعيفة، وهو ما يتطلب التذكير والتحذير".
تضيف: "غالبية المواطنين كانوا يظنون أن عهد التزلف والتملق في المواعيد الانتخابية وغيرها قد انتهى، خاصة بعدما حصدت البلاد الكثير من النقاط السوداء جراء ممارسة كادت تكرس عبادة الأشخاص، بمظاهر مقززة بعيدة كل البعد عن التبجيل والتقدير والاحترام، بل بالعكس هي سلوكيات مريضة يجب الالتفات إليها ومحاربتها بكل الوسائل".