أصبح المغرب رسمياً أكبر مصدر للطماطم نحو البلدان الأوروبية، وفق تقرير حديث يفيد بأن الرباط أزاحت إسبانيا من صدارة توريد الطماطم إلى الاتحاد الأوروبي بعد عقود من تسيّدها التقليدي، وذلك رغم واقع الجفاف الحاد الذي تشهده المملكة تزامناً أيضاً مع ارتفاع أسعار هذه المادة الرئيسية في أطباق المغاربة.
وأظهر تقرير لصحيفة Hortoinfo "بناءً على البيانات التي تم الحصول عليها من خلال ICEX-Eurostat، أن حجم الطماطم التي صدرها المغرب إلى الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 بلغ أكثر من 210 ملايين كيلوغرام، أي 30,61% من إجمالي الواردات الأوروبية بزيادة قدرها 13,78 مليون كيلوغرام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، وبالتالي حلّت إسبانيا في المركز الثاني بحجم صادرات بلغ 176.5 مليون كيلوغرام بنسبة 25.7% من الإجمالي.
وتمكّن المغرب من رفع حجم صادراته من الطماطم، ما اعتبره المزارعون الإسبان دليلاً آخر على "المنافسة غير العادلة" التي يمارسها المنتجون المغاربة بفضل الميثاق الأخضر وتطبيق أجندة 2030، والتي تحظى في إسبانيا بدعم جميع الأطراف باستثناء حزب "فوكس" اليميني، ولها عواقب بالفعل على المنتجات الزراعية الداخلية، خصوصاً أن المنتجين الإسبان فقدوا فعلياً الريادة في إمدادات الطماطم إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو الموقع الذي كانوا يشغلونه تقليدياً منذ عقود.
وفي هذا الإطار، طالب "فوكس" قبل أسابيع بالتعليق "الفوري" للاتفاقية الزراعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، باعتبار أنها تسبب "أضراراً اقتصادية هائلة" للإنتاج الزراعي الغذائي الإسباني. وطلب الحزب في سياق حملة الاستهداف التي انتهجها المزارعون الإسبان ضد المنتجات المغربية، من السلطات إجراء رقابة "صارمة" على كل المنافذ الجمركية الحدودية والتأكد من عدم تلوث المنتجات الواردة من المغرب وتعليق "آخر يورو من الأموال الأوروبية" المخصصة لتمويل القطاع الزراعي المغربي.
كما انتقد الحزب اليميني المتطرف الذي يواصل استهداف مصالح المغرب، الوضع المختلف الذي يعيشه المنتجون الإسبان مقارنة بالمنتجين القادمين من بلدان ثالثة، وبخاصة من المغرب، وأشار إلى أنه "فيما استيراد المنتجات التي لا تلبي كل المتطلبات المطلوبة في أوروبا مسموح به، فإن المزارعين الإسبان يخضعون لعقوبات صارمة، وضوابط متزايدة، وعقبات بيروقراطية عديدة، وصعوبات لا حصر لها، ويجب علينا حماية المنتج الوطني مرة واحدة وإلى الأبد"، وفق تعبيره.
استنزاف مائي
تجدر الإشارة إلى أن زراعة الطماطم، فضلاً عن عشرات أصناف الفواكه والخضر التي يواصل المغرب زرعها في مساحات شاسعة ومخصصة للتصدير، باتت تستنزف المخزون المائي المغربي أكثر من أي وقت مضى، رغم توالي سنوات الجفاف وسوء تدبير الثروة المائية، وهو ما تُظهره الأرقام الرسمية لدول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بعدما تمكن المغرب من بلوغ مستويات قياسية في إنتاج كل من فاكهتي الأفوكادو والتوت الأزرق، ليكون بذلك من الدول الخمس الأوائل التي تُصدّر هذين النوعين من الفواكه اللذين يتطلبان كمية كبيرة من المياه.
وتأتي هذه المعطيات المحدثة لتنسجم أيضاً مع بيانات وإحصاءات سابقة للتجارة العالمية السنوية التابعة للأمم المتحدة، والتي أكدت أن المغرب نجح فعلياً في رفع صادراته من الطماطم إلى أوروبا بنسبة 61,7 في المئة خلال الـ10 سنوات الأخيرة، وبالتالي التربع على عرش كبار مصدّري الطماطم عالمياً رغم حملات الاستهداف الممنهج الذي تعرضت له المنتجات الزراعية المغربية في وقت سابق دوناً عن غيرها.
وفي العقد الأخير، أي من 2013 إلى 2022، زاد المغرب مبيعاته من الطماطم في الخارج بنسبة 61,7% بواقع 740,66 مليون كيلوغرام في عام 2022، منها 374,99 مليون إلى فرنسا، و140,79 إلى المملكة المتحدة، و78'14 إلى هولندا، و56'59 إلى إسبانيا، ليبقى بذلك وفياً لمبدأ تحطيم الأرقام القياسية سنة بعد سنة تقريباً منذ عقد من الزمن، باستثناء سنة 2020 عندما انخفض الحجم إلى 596.72 مليون كيلوغرام بعدما كان 605.04 ملايين كيلوغرام في السنة السابقة، ليرتفع مجدداً سنة 2021 إلى 629.51 مليون كيلوغرام. وهو ما يمكن استخلاصه من المعطيات التي قدمها التقرير الذي أعدته شركة" Hortoinfo" استناداً إلى أرقام قاعدة بيانات "كومتريد"، التابعة للأمم المتحدة.
هذه الأرقام تعني أن المغرب أزاح نظيرته الإسبانية، كما وضع كذلك مسافة أمان مع منافستها التركية. وتأتي هذه المعطيات انسجاماً أيضاً مع تلك التي قدّمها مركز البيانات الإحصائي الأوروبي (يوروستاكوم)، والتي أظهرت أن الطماطم المغربية تظهر تفوقاً واضحاً على نظيرتها الإسبانية، بعدما كانت الأخيرة، وفق أرقام سنة 2021، المهيمن الأول على السوق الأوروبية، أي أن سنة 2022 كانت بداية نهاية هاته الهيمنة لمصلحة طماطم المغرب من حيث حجم الصادرات في عام 2022، إذ صدّر المغرب 130 مليون كيلوغرام إضافية.
"هاجس مخيف" للمزارعين الإسبان
وأبدى الفلاحون في إسبانيا امتعاضاً كبيراً من استمرار دخول الطماطم المغربية إلى السوق الأوروبية، إذ أصبحت تشكل "هاجساً مخيفاً" باعتبار أنها المفضلة على المائدة لدى الأوروبيين، بعدما واصلت منذ سنة 2021 الصدارة، وهو ما يُفسر انتهاج المزارعين الإسبان أسلوب تشويه السمعة والاستهداف الإعلامي للمنتجات الزراعية المغربية في سياق ما يُسمى "ثورة الفلاحين"، رغم أن المغرب هو أقل البلدان التي سُجلت في حق بضائعه الزراعية والغذائية إشعارات صحية "تحذيرية" بين 2022 و2023.
وتعتبر المنظمات والنقابات الزراعية الإسبانية المستهدفة لسمعة المنتجات المغربية لدى المستهلك الأوروبي طيلة أسابيع أن الاتفاقيات التجارية التي يوقّعها الاتحاد الأوروبي مع المغرب متساهلة جداً، مع ما تعتبرها "خروقات" تتهدّد صحة المستهلك الأوروبي.
لكن الحملات ضد المنتجات المغربية لا تنسجم وواقع الإحصائيات الرسمية لنظام الإنذار الأوروبي التي لا تضع المغرب في قائمة البلدان العشرة الأولى من داخل الاتحاد الأوروبي أو من خارجه، التي سُجلت في حق بضائعها الفلاحية والغذائية أكبر عدد من الإشعارات الصحية التحذيرية، سواء في سنة 2022 أم في 2023، بينما تتصدر تركيا اللائحة بأكبر عدد من الإشعارات.