النهار

جهود لحفظ سلالات نادرة من أغنام الجزائر... أجودها "أولاد جلال" و"الدغمة"
الجزائر-نهال دويب
المصدر: النهار العربي
"يكون رأسه مسطحاً، وأنفه محدّباً، وأذناه متدليتين، قامته مرتفعة، وذيله نحيل، صوفه أبيض كثيف يغطّي جسده ما عدا رقبته، له قدرة كبيرة على تحمّل المشي لمسافات طويلة جداً"
جهود لحفظ سلالات نادرة من أغنام الجزائر... أجودها "أولاد جلال" و"الدغمة"
سلالة جزائرية نادرة
A+   A-
ِ 
"يكون رأسه مسطحاً، وأنفه محدّباً، وأذناه متدليتين، قامته مرتفعة، وذيله نحيل، صوفه أبيض كثيف يغطّي جسده ما عدا رقبته، له قدرة كبيرة على تحمّل المشي لمسافات طويلة جداً"، هذه هي بعض المواصفات التي تلخص بشكل دقيق سلالة أغنام "أولاد جلال" الجزائرية العملاقة التي يصل سعر الرأس منها إلى حدود 1400 دولار أميركي. 
 
هنا في مدينة "سيدي عيسى"، أو كما يحلو لبعضهم تسميتها  "عواس" (جنوب شرقي البلاد، تبعد عن العاصمة الجزائر 171 كلم)، تنتشر أكبر المزارع المختصة في تربية المواشي وبالتحديد هذه السلالات. الشاب رشيد واحد من الذين يحافظون على تربية هذه السلالة، ويقول إنه يزاولها منذ عشر سنوات، ومبتغاه الوحيد تأمين بقاء هذه السلالة النادرة، ومن أجل تحقيق هذا الهدف رفض رشيد وأشقاؤه دمجها مع باقي السلالات الأخرى.
 
ثمنها باهظ
وتضمّ حظيرة رشيد وأشقائه قطعاناً مختلفة من حيث الكتلة والوزن، فالخروف الصغير من هذه السلالة يزن 50 كلغ، وقد يصل وزنه إلى قنطار ونصف خلال عامين فقط، ومن أهم مميزات هذه السلالة أيضاً أنها "مقاومة لأمراض عديدة وثمنها مرتفع وقد يصل الى حدود 1400 دولار، لأنها تتطلّب كميات كبيرة من الأعلاف المكلفة".
 
وفي الحظيرة أنواع أخرى من المواشي يمكن تصنيفها ومعرفتها وتحديد ثمنها بحسب العمر، "ولتحديد العمر يجب فحص الأسنان، فإذا كانت صغيرة ومتساوية تسمّى الذبيحة "الجذع"، أما إذا كانت الأسنان الأمامية في الوسط أطول من الأسنان الأخرى ففي هذه الحالة تسمّى "الثني"، وهي الأكثر طلباً بحكم أن سعرها مناسب، اما "الرباعي" فهي الذبيحة التي تكون أسنانها الأربع الأمامية كبيرة  والأخرى صغيرة، أما "السديس" فهي أكبرها لأن لها 6 أسنان أمامية كبيرة، وهذه الذبيحة تسمّى محلياً "الشارف" لكبرها في السن، إذ تتخطّى الأربع سنوات، وفي هذه المرحلة بالذات تبدأ أسنانها بالتآكل والسقوط"، يشرح رشيد.
 
صفات نادرة 
ومع أن رشيد فخور بامتلاكه إحدى أهم سلالات الأغنام التي يكثر عليها الطلب مع حلول عيد الأضحى، غير أنه في حاجة ماسّة للدعم بالعلف والأدوية، وأيضاً إيصال الكهرباء إلى المكان والترخيص له بحفر بئر ليسقي قطعانه الكبيرة. 
 
ويعود تاريخ وصول هذه الكباش العملاقة الى الجزائر إلى سبعينات القرن الماضي، وهنا يقول رشيد إن أجداده هم من أوصوه بالحفاظ عليها ورعايتها. 
 
 
في دوار ولاد ميمون تقع بلدة "زانة البيضاء"، التابعة لدائرة سريانة في محافظة باتنة (عاصمة الأوراس، على بعد 425 كلم شرق العاصمة الجزائرية)، توجد حظيرة أخرى تضمّ كباشاً بيضاء عملاقة لا يختلف حجمها عن حجم ثيران المصارعة في إسبانيا، تنتمي كلها إلى سلالة "أولاد جلال" المحسنة جينياً. 
 
ويحرص خالد ميموني المتخصص في تحسين سلالات "أولاد جلال" والنعجة العربية الجزائرية الأصيلة، منذ عقود، على تربية هذه السلالة التي تُعتبر أكبر وأهم سلالة غنم جزائرية تاريخياً، لكنه يفكر في إطلاق مشروع جديد انطلاقاً من العام المقبل، لنقص الدعم والظروف الصعبة التي تمرّ فيها هذه السلالة منذ أن دخلت الحمى القلاعية أو الجلاخ أرض الوطن، وضربت الأبقار والماعز والأغنام.  
 
جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي 
يقول خالد ميموني لـ"النهار العربي" إن "هذه السلالة تمّ استقدامها إلى الجزائر على يد قبيلة بني هلال خلال القرن الحادي عشر من الجزيرة العربية، وتطورت في الجزائر، وهي موجودة بكثرة في "أولاد جلال" وبالتحديد في بلدة "البسباس" التي تُعتبر منبعها الأصلي، وبعد ذلك انتشرت تربيتها في العديد من المدن الشرقية". 
 
وهناك العديد من السلالات التي اشتقت من هذه السلالة الشهيرة. ويشرح ميموني انه "خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية أُخضعت السلالة للتحسين الجيني بطريقة علمية محضّة واشتقت منها العديد من السلالات على غرار السلالة العربية". 
 
وتوجد داخل حظيرة ميموني المتواضعة التي تتربع على بضعة هكتارات أنواع وأصناف من الأغنام، وهو يرفض تبنّي التصنيف الذي اعتمده رشيد، قائلاً إن المواشي مقسّمة بين الخرفان والنعاج والعلاليش، فهناك الخروف الصغير الذي لا يتجاوز عمره 7 أشهر، وهناك العلوش الذي يبلغ عمره عاماً تقريباً. 
 
أما الخروف الرباعي، "فكثيرون يعتقدون أن عمره عامان وهذا خطأ كبير لأن عمره يتراوح بين  14 شهراً و 16 شهراً، وهناك "السداسي" والذي يبلغ عمره عامين كاملين، وهذا النوع لا يفضّله الجزائريون كأضحية للعيد، وهناك الجامل أو "الجمع" الذي يتجاوز عمره ثلاث  سنوات، وأخيراً القارح الذي يتجاوز عمره 4 سنوات وما فوق".
 
أجود أنواع اللحوم 
ويقول ميموني عن هذه السلالة أيضاً إنها "تفضّل العيش في قلب الصحراء الجزائرية، وبإمكانها تحدّي الظروف القاسية وتبرز كرمز للصمود والتكيّف، وليست مجرد مصدر للثروة الحيوانية بل هي جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي والاقتصادي للمنطقة". 
 
وتزخر الجزائر بسلالات حيوانية نادرة أخرى مثل "الدغمة" التي عرفتها أجيال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، صورتها محفورة في العملة الجزائرية "الدينار" من فئة 20 سنتيملً، والتي كانت تلقّب محلياً بـ 4 دورو، وهي السلالة التي تقرّر بخصوصها إنشاء "بنك الجينات" ووسم خاص بها لحمايتها من الانقراض بفعل العامل البشري والمناخي، في ظل شح الأمطار الذي أثر بشكل ملحوظ على المساحات الرعوية وكذا غزو السلالة البيضاء. 
 
يقول سعيد، أحد السكان المقيمين في مدينة النعامة المعروفة بتربية أغنام "الدغمة" (جنوب غرب البلاد، تبعد 500 كيلومتر جنوب غربي العاصمة الجزائر)، إن "الموطن الأصلي لهذه السلالة هو مدن الغرب، يعود ظهورها إلى ما قبل الاستعمار الفرنسي للبلاد، لكنها اليوم أصبحت مهدّدة بسبب تفضيل الناس السلالة البيضاء بسبب سعرها المنخفض، وهي المنتشرة في مدينة الجلفة ومسعد والبيرين".
 
وحسبما هو متداول بين أبناء المنطقة، فإن المستعمر الفرنسي قام بإنشاء خط سكة الحديد الرابط بين بشار والمحمدية ثم الموانئ في القرن الماضي، من أجل نهب هذه السلالة، وفي الجزائر العاصمة يوجد طريق يسمّى بطريق الغنم، وسُمّي بهذا الاسم لأنه شهد حادثة تمثلت في مرور أكثر من مليوني رأس غنم من سلالة "الدغمة" قادمة من مدينة "مشرية" ولاية النعامة ومتجهة إلى ميناء العاصمة ومنه إلى مرسيليا، وهذا بعدما اكتُشف مدى جودة السلالة. 
 
وتمتاز هذه السلالة باللحم الجيد والصحي، لأنها تقتات على مجموعة من الأعشاب الطبية الطبيعية مثل "الشيح" و"العرعار" و"الحلفاء" ونبتة "الرمث" (من أشهر النباتات الطبية عند العرب) وعشبة الأزير (من أشهر النباتات العشبية العطرية). 
 
 

اقرأ في النهار Premium