النهار

"الأفافاس" ينهي ربع قرن من مقاطعة رئاسيات الجزائر... ما حساباته؟
الجزائر - نبيل سليماني
المصدر: النهار العربي
صنع إعلان حزب جبهة القوى الاشتراكية، أكبر وأقدم حزب سياسي معارض في الجزائر، مشاركته في الانتخابات الرئاسية المبكرة المقرّرة في 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، الحدث في البلاد.
"الأفافاس" ينهي ربع قرن من مقاطعة رئاسيات الجزائر... ما حساباته؟
يوسف أوشيش، السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، مشاركاً في لقاء نظمته الرئاسة الجزائرية مع الأحزاب السياسية
A+   A-
صنع إعلان حزب جبهة القوى الاشتراكية، أكبر وأقدم حزب سياسي معارض في الجزائر، مشاركته في الانتخابات الرئاسية المبكرة المقرّرة في 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، الحدث في البلاد. فالحزب الذي شكّل تمسّكه بالمقاطعة 25 عاماً خياراً استراتيجياً، بحسب ما يؤكّد مناضلوه، قرّر العودة إلى "معركة" كرسي الرئاسة الجزائرية.
 
ويبدو أن "الأفافاس" (التسمية المختصرة لحزب جبهة القوى الاشتراكية) يريد دخول معترك الرئاسيات بمرشح منه، إذ قال في بيان أصدره عقب إعلانه المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إن الحزب "قرّر المشاركة بتقديم مرشح سيتمّ اختياره خلال مؤتمر استثنائي".
 
برّر الحزب عودته إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية، التي يقاطعها منذ انتخابات نيسان (أبريل) 1999، بمتطلبات المرحلة القائمة على "الحفاظ على الدولة الوطنية، وتعزيز مؤسسات الجمهورية، والوقوف في وجه أولئك الذين يسعون للإضرار بالبلاد، وحدتها، سيادتها واستقرارها، وإعادة الاعتبار للسياسة من خلال النقاش العام، ومنح الجزائريات والجزائريين بديلاً سياسياً يعمل على إبراز قطب سياسي وطني تقدّمي ديموقراطي قوي"، واصفاً خيار المشاركة بأنه "استراتيجي".
 
إضافة نوعية
فتح قرار مشاركة "الأفافاس" في رئاسيات أيلول المقبل المجال واسعاً أمام الكثير من التحليلات السياسية التي أكّدت أن عودة هذا الحزب، الذي يكاد يكون الفصيل السياسي الوحيد في الجزائر الذي بقي معارضاً للسلطة منذ الاستقلال في عام 1962، إضافة نوعية للاستحقاق الرئاسي.
 
 
في هذا الخصوص، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر الدكتور العيد زغلامي لـ"النهار العربي" إن قيادة حزب جبهة القوى الاشتراكية أدركت عدم جدوى غياب تشكيلتها السياسية المستمر عن أهم مواعيد الانتخاب في البلاد، خصوصاً أن "الأفافاس" يعدّ أقدم أحزاب المعارضة في الخريطة السياسية في الجزائر، "وبالتالي، انتهاج مسؤولي الحزب استراتيجية واقعية وبراغماتية هو عين العقل".
 
ويضيف زغلامي أن قرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة يعبّر عن إرادة مسؤولي الحزب معرفة مدى قوته ووزنه السياسي في الساحة، إضافة إلى الحسابات الجيواستراتيجية في فكر قياداته، "فالغياب الطويل وعدم المشاركة يؤديان حتماً إلى اضمحلال طاقاته واستنزاف مناضليه، خصوصاً أن الحزب شهد صراعات داخلية عدة بعد وفاة مؤسسه وزعيمه التاريخي حسين آيت أحمد".
 
يقول محلّلون إن ظروف انتخابات 2024 الرئاسية في الجزائر ستكون أفضل كثيراً من ظروف رئاسيات كانون الأول (ديسمبر) 2019، وهو ما يؤكّده زغلامي: "ستجري استحقاقات الخريف المقبل في ظروف اقتصادية واجتماعية مريحة نوعاً ما، وبالتالي ستتمتع بنصيب من الأريحية والتفاؤل، خصوصاً أن الجزائر استرجعت عافيتها مقارنة بما كان عليه الحال قبل حراك عام 2019"، وهو يعتقد أن الجزائريين يلمسون هذا التحسن على أرض الواقع.
 
يضيف زغلامي أن اللقاء التشاوري الحواري الذي عُقد أخيراً بين الرئاسة الجزائرية وقيادات 27 حزباً سياسياً، منح التشكيلات السياسية الجزائرية كلها، ومنها جبهة القوى الاشتراكية، دافعاً لمشاركة فاعلة في الحدث الانتخابي المنتظر. فبعد نقاش دام 8 ساعات مع الرئيس عبد المجيد تبون، استنتجت هذه التشكيلات أن موعد أيلول (سبتمبر) الانتخابي المقبل سيكون مختلفاً عن كل ما سبقه.
 
وبحسبه، ثمة تحدّيات ورهانات جمّة تنتظر الرئاسيات الجزائرية المقبلة، ومنها مشاركة "الأفافاس" الذي لن يمثل منطقة واحدة فقط، "بل سيمثل مناضلوه كل مناطق البلاد، وهذا دلالة قاطعة على أن حضور هذا الحزب بثقله السياسي المعروف في الاستحقاق الرئاسي سيشكّل علامة فارقة في هذا الحدث".
 
 
القبائل والأفافاس... ارتباط الاسم
ارتبطت أسماء بعض الأحزاب السياسية في الجزائر بمنطقة القبائل الكبرى. فـ"الأفافاس" و"الأرسيدي" حزبان شكّلا دائماً محورين أساسيين في الحلقة السياسية في هذه المنطقة، على رغم انتشار ممثليهما ومناضليهما في كل ربوع البلاد.
 
ولا يريد الكثير من مناضلي جبهة القوى الاشتراكية ربط حزبهم بمنطقة القبائل وحدها، بل ينكرون كل ما يقال عن أن "الأفافاس محسوب على منطقة القبائل".
 
في هذا الشأن، يصف زغلامي التسليم بارتباط جبهة القوى الاشتراكية بمنطقة القبائل وحدها بأنها "إساءة بالغة لهذا الحزب العتيد، فحضوره في هذه المنطقة قوي، لكنّ مناضليه ومحبيه والمتعاطفين معه منتشرون في الكثير من المناطق الجزائرية"، مضيفاً أن مشكلة "الأفافاس" غيابه الطويل عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية في البلاد، "فهذا أفقده الكثير من صدقيته، وهزّ حضوره في الساحة السياسية الوطنية".
 
المعارضة تشارك
قرّر العديد من التشكيلات السياسية الجزائرية المشاركة في ثاني انتخابات رئاسية بعد الحراك الشعبي في عام 2019، خصوصاً تلك المحسوبة على المعارضة. قدّم بعضها مرشحها المحتمل، في حين تنتظر أخرى عقد مؤتمراتها الحزبية للإعلان عن دعم مرشح مختار، أو تقديم مرشحها الخاص.
 
القاسم المشترك هو إعلانها جلّها، إن لم تكن كلها، عن حضورها الوازن في هذا الموعد الانتخابي، وهذا مؤشر قوي إلى حسن سير العملية الانتخابية للرئاسة الجزائرية في عام 2024.
 
وعلى رغم غياب المعارضة السياسية الصريحة في الجزائر، "يبقى الاستثناء هو حزب جبهة القوى الاشتراكية وبدرجة أقل حزب التجمع الوطني من أجل الثقافة والديموقراطية"، كما يقول زغلامي، "بعد تواطؤ الكثير من الفصائل السياسية في الماضي مع النظام السابق، ما أفقدها شرعيتها وصدقيتها عند المواطنين، وأدخلها دوامات من الصراعات والهزات والارتدادات الداخلية".
 
ويلفت إلى تجاهل الرئيس تبون كل الأحزاب السياسية في البلاد خلال حملته الانتخابية لرئاسيات 2019، "فقد اعتمد على دعم المجتمع المدني والشعب بصفة عامة، وهذا ساهم في صعود كتلة الأحرار في تشكيلة البرلمان الحالي".
 
وبعبارة أخرى، يقول زغلامي، ربما ينطبق على المعارضة في الجزائر "وصف المعارضة المناسباتية أو الفاقدة للتعاطف والصدقية".
 

اقرأ في النهار Premium