النهار

طلاب تونس ينتقمون من المدرسة بتمزيق كتبهم... عبث طفوليّ أم أزمة تعليم؟
تونس-كريمة دغراش
المصدر: النهار العربي
يشتكي الطلاب في تونس من كثرة الدروس وساعات الدراسة التي تجعل أيامهم الدراسية متعبة وطويلة. وفي نهاية كل سنة دراسية يهتف أغلبهم بأهازيج من قبل "باي باي الدراسة لا ستيلو (قلم) لا كراسة(كراس)".
طلاب تونس ينتقمون من المدرسة بتمزيق كتبهم... عبث طفوليّ أم أزمة تعليم؟
اوراق الكتب ممزقة في الشارع.
A+   A-
يودع الطلاب في تونس عامهم الدراسي بطريقة غريبة تثير الكثير من الضجة وتطرح العديد من الأسئلة بشأن علاقتهم بالدراسة وبمدارسهم وأساتذتهم وبالكتاب والكراس.
 
فمع نهاية كل سنة دراسية تبرز ظاهرة تمزيق الكتب والكراسات أمام المدارس التي تمتلئ الشوارع المحيطة بها بالأوراق الممزقة والمبعثرة في كل مكان، في مشهد يثير استهجان المارة والمعلقين على شبكات التواصل الاجتماعي، لكنه يدعو إلى البحث والتفكير بحسب خبراء في التربية.
 
ففي نهاية الفصل الدراسي يخضع الطلاب في المدارس والمعاهد الثانوية لاختبارات مكثفة تطلق عليها تسمية "الأسبوع المغلق"، يقتصر الحضور خلالها على اجتياز اختبارات عدد من المواد لمدة ساعات محددة. ومع نهاية كل يوم اختبار "تتزين" الطرق المحيطة بالمعاهد بالأوراق بعد أن يعمد الطلاب إلى تمزيق كراريس أو كتب المادة موضوع الاختبار في ذلك اليوم ونثرها في الهواء بكثير من الاحتفاء ووسط الهتافات. 
 
وتقول مريم (16 سنة) في السنة الثانية الثانوي في معهد نهج مرسيليا في العاصمة تونس إنها مزقت كراساتها في أكثر من مناسبة، وتوضح لـ"النهار العربي" أنها تشعر بكثير من السعادة وهي تمزق كراس الرياضيات "لأنني لا أحب هذه المادة ولا أرغب في أن أرى كتبها وكراستها خلال فترة العطلة".
 
أما صديقتها نور فتؤكد أن أغلب الطلبة يفعلون ذلك لأنهم سعداء بنهاية العام الدراسي، وتقول: "أخيراً سنخلد إلى الراحة بعد أشهر من الالتزام اليومي"، وتتابع: "المشهد جميل بالنسبة إلينا، سيصبح من الذكريات الجميلة التي سنستحضرها بعد سنوات". نور تحتفظ ببعض الصور التي التقطتها لأصدقائها العام الماضي وهم يمزقون الكتب والكراسات، "ضحكنا كثيراً في بداية السنة ونحن نشاهدها من جديد"، تضيف. لكن نور لا تمزق كتبها لأن لها شقيقة تصغرها بعام وستكون في حاجة لكراساتها وكتبها.
 
 
سخط على المنظومة
ويشتكي الطلاب في تونس من كثرة الدروس وساعات الدراسة التي تجعل أيامهم الدراسية متعبة وطويلة. وفي نهاية كل سنة دراسية يهتف أغلبهم بأهازيج من قبل "باي باي الدراسة لا ستيلو (قلم) لا كراسة (كراس)".
 
وكثيراً ما نادى الخبراء التربويون بضرورة مراجعة الزمن المدرسي حتى يمنح فرصة للطلاب لالتقاط الأنفاس والترفيه عن النفس، ويقول كثير منهم إن المنظومة التربوية في تونس في حاجة لإعادة التقييم حتى لا تشعر الطالب بأنه صار يمقت المدرسة والدراسة.
 
وفي السياق يقول الخبير في التربية عامر الجريدي إن تمزيق الطلاب كتبهم وكراساتهم في نهاية كل فصل دراسي هو ظاهرة أخذت في التوسع خلال الأعوام الأخيرة بفعل تأثير "السوشيال ميديا"، وسببها أن "المدرسة والدراسة في تونس أصبحتا منفّرتين"، ويوضح: "المدرسة فقدت جاذبيتها بالنسبة إلى الطالب على عكس الماضي، إذ كنا نغادرها كل سنة بكثير من الحزن وننتظر بفارغ الصبر العودة إلى مقاعدها".
 
ويعتقد الجريدي أن ظاهرة تمزيق الكتاب أو الكراس هي طريقة يعبر بها الطلاب عن غضبهم من المنظومة التربوية في تونس، لأنهم باتوا يقصدون المدرسة مجبرين من دون أي رغبة في الجلوس على مقاعدها، وهذا في نظره يتطلب إعادة تقييمها حتى لا يفقد التونسيون تعلقهم بالعلم.
 
احتفاء طفولي
يتفق الخبير في علم الاجتماع الهادي دحمان مع الجريدي في دعوته إلى مراجعة المنظومة التعليمية في تونس، ويقول إنها تدفع الطالب نحو النفور من الدراسة وكل مستلزماتها، لذلك فإن فعل تمزيق الكتب والكراسات هو تعبير احتفائي بنهاية العلاقة معها ولو وقتياً.
 
ويقول لـ"النهار العربي" إن هذه الظاهرة تظل فعلاً عبثياً طفولياً يحاول فيه الطالب أن يساير المجموعة من خلال القيام بالأفعال نفسها.
 
ويرى أن السبب الرئيسي هو الضغط الكبير الذي يعيشه الطلاب طيلة العام الدراسي، وخصوصاً في فترة الامتحانات وما يعرف بـ"الأسبوع المغلق" حيث تشعره الأسرة بالكثير من الضغط وتنقل له خوفها وتوترها، لذلك تكون نهاية كل يوم اختبار شبيهة بلحظة تحرر بالنسبة إليه من كل ما عاشه في تلك الساعات، ويرى أنه يحاول من خلال فعل التمزيق التعبير عن فرحته بهذا التحرر المؤذن بفترة راحة طويلة يتخلص فيها من القيود والالتزام.
 
وعن علاقة الطالب بكتبه وكراساته يقول: "في النهاية يكتشف أن الكثير منها يذهب ليستعمل كورق لف في المحال التجارية، لذلك يشعر أن لا قيمة رمزية لها حتى يحافظ عليها".
 
حملات توعية
ودفعت هذه الظاهرة العديد من الجمعيات إلى إطلاق حملات لتجميع الكتب والكراسات نهاية كل عام دراسي بغية إعادة تدويرها واستغلالها في العام التالي لمساعدة للطلاب المحتاجين.
 
وتقول درصاف هرابي، وهي متطوعة في إحدى الجمعيات الخيرية، إنها تنظم كل سنة حملة لجمع الكتب والكراسات من أجل إعادة تدويرها وتخصيص ثمنها لمساعدة الطلاب المحتاجين خلال العام الدراسي التالي، وتشرح لـ"النهار العربي" أنها تتواصل مع مديري المدارس والمعاهد من أجل حث الطلاب والعائلات على الانخراط في هذه الحملة التي من شأنها أن توفر عائدات مالية لمساعدة المحتاجين وتساهم أيضاً في الحفاظ على البيئة.
 
وتوضح أنه "في السابق كان الكتاب ينتقل من طالب إلى آخر، اليوم صرنا نشاهد حفلات احتفاء بتمزيقه أمام المدارس، وعلينا كمجتمع مدني وأولياء وأطر تدريس أن نقوم بدورنا لتوعية الطلاب بأهمية التبرع به عوض تمزيقه".
 

اقرأ في النهار Premium