قد يكون اجتماع أعضاء في مجلسي النواب والأعلى للدولة للبحث عن مخرج للأزمة الليبية معتاداً طيلة السنوات الماضية من دون أن يترجم نتائج على الأرض. لكن أن تستضيف مدينة مصراتة لقاء قبل أيام، فإن الخطوة تحمل رسائل سياسية عدة في توقيت يتزامن مع تسلّم نائبة الموفد الأممي ستيفاني خوري مسؤولياتها، وقبل إحاطتها المرتقبة أمام مجلس الأمن في 19 من الشهر الجاري.
وفيما حمل اجتماع مصراتة رسالة إلى الدبلوماسية الأميركية خوري بشأن قدرة النواب والأعلى للدولة على الوصول إلى توافق، وضرورة الاعتماد على المجلسين لحلحلة الانسداد السياسي، بدت الرسالة الأبرز موجهة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة.
فالمدينة الساحلية، هي ثاني أكبر مدن الغرب الليبي، مسقط رأس الدبيبة، وكانت حاضنته الشعبية، لكن منذ نحو عام تتوسع فيها القطاعات المعارضة له. ويُعد بحث اجتماع النواب والأعلى للدولة في تشكيل حكومة جديدة موحدة، انعكاساً لتآكل شعبية الدبيبة، في حين جاء تأييد أحد أبرز أقطاب "إخوان" ليبيا مخرجات الاجتماع، إشارة جديدة تُرسخ انفراط عقد التحالفات في المنطقة الغربية، وسط إشارات الى انفتاح بين "الإخوان" وقادة شرق البلاد.
مع ذلك فإن تصدر مصراتة المشهد المعارض للدبيبة في الغرب الليبي يحمل قدراً كبيراً من البرغماتية، أكثر من رغبة واقعية في رأب الانقسام السياسي، ففي أحاديث مع "النهار" شدد ناشطون في مصراتة على أن الاتفاق على إطاحة الدبيبة "ليس معناه القبول بقيادة شرق ليبيا للعملية السياسية، كما أنه لا يؤشر إلى وضع حد للخصومة مع الجيش الوطني وقائده خليفة حفتر".
وكان اجتماع مصراتة ضم، بالإضافة إلى نواب البرلمان (بغرفتيه)، قيادات حزبية ونخباً سياسية، وفق بيان أوضح أن اللقاء يأتي "في إطار المزيد من التشاور والتوافق بين القوى الوطنية المختلفة لدعم الحوار الوطني ومشروع المصالحة الوطنية، وصولاً الى انتخابات مقبولة تجدد الشرعية السياسية وتؤسس لمرحلة جديدة عنوانها الانتخابات والاستقرار والتنمية".
وقد اتفق المجتمعون على أن "قوانين الانتخابات التي جرى التوافق عليها قابلة للتنفيذ ويمكن إجراء الانتخابات العامة على أساسها، مع حث المجلسين على إطلاق عملية سياسية تيسرها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لبدء توحيد المؤسسات الوطنية والسلطة التنفيذية لتهيئة الظروف الملائمة للانتخابات".
وبينما تباينت ردود فعل الأوساط السياسية والعسكرية في مصراتة على مخرجات الاجتماع، جاء خروج الرئيس السابق لحزب "العدالة والبناء"، الذراع السياسية لـ "إخوان ليبيا"، محمد صوان، وهو أحد ابرز قيادات الجماعة وصاحب علاقات نافذة مع حلفائها الإقليميين، ليؤكد تأييده البيان الختامي للاجتماع، ما فتح الباب واسعاً أمام تساؤلات عن التغييرات الجاري انضاجها في رقعة تحالفات معسكر غرب ليبيا، وتأثيرها على العملية السياسية المجمدة.
في المقابل، لم ينتظر الدبيبة طويلاً للتعليق على الاجتماع، فبعد دقائق قليلة من خروج المجتمعين ببيانهم الختامي، غرد الدبيبة على صفحاته الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي، موجهاً انتقادات ولوماً الى المجتمعين. كما سعى إلى التقليل من تأثيرهم، عندما استخدم تعبير "سمعت" بأن لقاءات تشاورية جديدة ستعقد بين بعض أعضاء المجلسين. وأضاف: "كنت أنتظر توافقاً على قوانين انتخابات عادلة وقابلة للتنفيذ تحقيقاً لإرادة الشعب، كنت أنتظر موقفاً ضد اختطاف زملائهم الذين صار مصيرهم مجهولاً... من دون أن تظهر أي نتائج للتحقيقات"، في اشارة إلى اختفاء عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي في شرق ليبيا.
واذ اعتبر الدبيبة أن المجتمعين "ناقشوا كيفية التمديد لأنفسهم، وتعطيل إرادة الشعب في الانتخابات، من خلال اختراع مرحلة انتقالية جديدة"، انتقد عدم التطرق إلى "تزوير العملة وطباعتها بالمليارات خارج القانون"، وهي الاتهامات التي توجه منذ شهور إلى قادة شرق ليبيا.
الباحث السياسي الليبي محمد الجارحي رأى أن الاجتماع الأخير "لن تكون له قيمة حقيقية في حال لم تتبعه اجراءات على الأرض، فطوال السنوات الماضية شهدنا مثل تلك الاجتماعات سواء في الداخل الليبي أم في دول إقليمية مجاورة، وكان آخرها لقاء مماثل عُقد قبل أشهر في تونس"، لافتاً لـ"النهار العربي" إلى أن انعقاد هذا الاجتماع في مصراتة "يُكسبه زخماً، كما أنه يأتي وسط حراك دولي لحلحلة الانسداد السياسي الليبي، لكن التساؤل يبقى حاضراً عما إذا كانت تلك الأطراف جادة وتتحمل مسؤوليتها أو أن ما يجري يهدف إلى تحقيق مصالح ضيقة".
وأكد الجارحي أن تغيير حكومة الدبيبة "ليس بالسهولة التي يطرحها بعض الأطراف، وخير دليل على ذلك ما جرى مع تشكيل حكومة فتحي باشاغا"، ابن مصراتة، والرجل صاحب النفوذ محلياً في معسكر الغرب الليبي ودولياً، و"لا بد من إخراج الموضوع بطريقة قانونية محكمة يعترف بها المجتمع الدولي"، مطالباً بـ"توسيع قاعدة المجتمعين في مصراتة بأجندة واضحة وإطار زمني محدد يبدأ بتشكيل حكومة وفق آلية متفق عليها وينتهي بالانتخابات، وذلك تحت رعاية نائبة الموفد الأممي".
أما رئيس حزب "صوت الشعب" فتحي الشبلي فكان أكثر تشاؤماً، وقال: "لا أعتقد أن هذا الاجتماع سيحقق خرقاً في الأزمة الليبية رغم تشجيعنا لقاء الأطراف الليبية وتوافقها"، عازياً ذلك إلى أن تحركات هذه المجموعة من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة "لا يعترف بها رئيسا المجلسين ولا تمتلك الغطاء القانوني والشرعي لتنفيذ ما تتوافق عليه". وأضاف لـ"النهار العربي": "حتى الاجتماع الذي يجري الترتيب له ليجمع الرئاسيات الثلاث: النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة محمد تكالة والمجلس الرئاسي محمد المنفي، اذا خرج بتوافق لن يستطيع هؤلاء الرجال القدرة على التنفيذ، إلا برضا الأطراف التي تملك النفوذ على الأرض، وهو ما كان أكده مرات عدة الموفد الأممي المستقيل عبدالله باثيلي".