النهار

التصحر يهدد الأمن الغذائي والمائي الليبي... نصف الجبل الأخضر أصبح أصفر
القاهرة- أحمد مصطفى
المصدر: النهار العربي
خلال العامين الماضيين دقت منظمات دولية ومحلية معنية بالبيئة، ناقوس الخطر من تمدد التصحر في ليبيا، حتى بات يشكل تهديداً للأمن الغذائي في البلاد.
التصحر يهدد الأمن الغذائي والمائي الليبي... نصف الجبل الأخضر أصبح أصفر
جزء من غابات الجبل الاخضر وقد بدأ الجفاف يترك أثره فيها
A+   A-
 
مع دخول فصل الصيف، تشهد ليبيا ارتفاعاً غير مسبوق في درجات حرارة الطقس، في ظل الحديث عن التغيرات المناخية وتأثيراتها في بلد يعاني في مجالات لا حصر لها. وخلال العامين الماضيين دقت منظمات دولية ومحلية معنية بالبيئة ناقوس الخطر من تمدد التصحر في ليبيا، حتى بات يشكل تهديداً للأمن الغذائي في البلاد.
 
أول المظاهر، ارتفاع غير مسبوق في اسعار اللحوم، عزا خبراء ابرز أسبابه إلى التناقص في قطعان الماشية المحلية بسبب ندرة المياه وتمدد التصحر إلى المناطق الرعوية في ليبيا، لاسيما الجبل الأخضر  الذي عاش في أيلول (سبتمبر) الماضي أعنف كارثة مناخية تشهدها البلاد، عندما ضربت مدنه فيضانات مدمرة، على إثر العاصفة "دانيال".
 
وقبل عام، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" من توسع التصحر الذي "يعيد تشكيل الطبيعة في ليبيا"، مشيرة إلى خطورة استبدال المباني الخرسانية بالمساحات الخضراء بشكل كبير. وأشارت المنظمة في تقرير نشرته في موقعها الالكتروني إلى أن أكثر من 95 في المئة من البيئة الليبية تُصنف صحراوية أو شبه صحراوية، مشددة على الحاجة إلى استعادة المناطق الخضراء وحمايتها. وأكدت أنها تعمل مع شركائها على اتخاذ إجراءات جادة لحماية البيئة في ليبيا حتى يتمتع أطفال البلاد بمستقبل أكثر اخضراراً. 
 
وأمام هذا الوضع وفي ظل غياب دور المؤسسات الرسمية عن معالجة تداعياته، دشن ناشطون خلال الأسابيع الأخيرة مبادرات أهلية لتشجير الأحياء والشوارع حملت شعار "أزرع شجرة"، وكان من بين الداعين الى هذه الحملة منظمة "أنقذوا الجبل الاخضر من التصحر"، التي انشئت العام 2020، وتضم في صفوفها إلى جانب ناشطين متطوعين مهتمين بالبيئة، خبراء في المناخ والزراعة، وفق مديرها رافع عثمان الذي أشار إلى أن مؤسسته "تدق منذ نشأتها ناقوس الخطر بعدما تم تسجيل فقدان ليبيا مساحات خضراء هائلة، خصوصاً في الجبل الأخضر المركز الرئيس للمراعي والاشجار في البلاد، نتيجة لعوامل عدة، سواء أكانت انشطة بشرية أم تغيرات مناخية". 
 
ويقع الجبل الأخضر في شمال شرقي ليبيا، هو منطقة جبلية تغطيها الغابات، تُطل على ساحل البحر المتوسط، وتبلغ مساحته ما يقارب  9 الاف كلم مربع.
 
وتمتاز المنطقة بارتفاعها عن أغلب مناطق ليبيا ما يساهم في ارتفاع معدلات هطول الأمطار فيها، وتغطي مرتفعاتها الثلوج في الشتاء. ومن أبرز بلداتها: البيضاء، المرج، درنة، إضافة إلي مدينتي شحات وسوسة الأثرية، ويبلغ عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة.
 
وأوضح عثمان لـ "النهار العربي" أن منظمته قدمت معلومات إلى الجهات الرسمية التنفيذية والتشريعية عن"حجم الكارثة التي تقع" في المساحات الخضراء "لربما تتحرك لمعالجة الأمر ولجم اتساع رقعة الخطر".
 
وبالإضافة إلى ذلك تعمل المنظمة مع عدد من المؤسسات الأهلية على حملة للتشجير وحملات آخرى للتوعية. واضاف: "الظاهرة تتصاعد يوما بعد يوم والسلطة لا تحرك ساكناً ... في ستينات القرن الماضي كان حجم الغطاء النباتي في الجبل الأخضر يصل إلى مليون و400 ألف هكتار ووصل الآن إلى أقل من 200 ألف هكتار وهذا يعني أن الجبل الأخضر سيتحول خلال سنوات قليلة إلى أصفر ورمادي". 
 
واذ اشتكى عثمان من معضلات تواجه عمل منظمته بعضها متعلق بالطابع الاجتماعي في ليبيا والذي يُسيطر علية الطابع القبلي، بالإضافة إلى معضلة غياب الغطاء القانوني، وكذلك ضعف الإمكانات المادية واللوجيستية، شدد على أن "معالجة الأمر بشكل جاد لن تحدث من دون تدخل الدولة من خلال خطة متكاملة لاستعادة المساحات الخضراء التي فقدناها واستعادة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها وجُرفت لاقامة مساكن عشوائية".
 
كما طالب بـ "إجراء تعديلات تشريعية بحيث يتم زيادة العقوبات على جرائم قطع الاشجار وتجريف الاراضي الزراعية لتصل عقوبتها إلى السجن، حتى تكون رادعة، وعدم الاكتفاء بتوقيع غرامات كما ينص القانون الليبي الآن".
 
 
 
وتنسجم تصريحات عثمان مع توصيات عدة كانت وضعتها "المنظمة الوطنية الليبية" في تقرير أخير لها، حذرت فيه من ان "زحف الصحراء بلغ مستويات حمراء حتى بات يشكل تهديداً خطراً للأمن الغذائي".
 
وشددت المنظمة على "ضرورة العمل المشترك والتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص كافة لاتخاذ تدابير عاجلة تحول دون توسع رقعة الجفاف وزحف المد الصحراوي على المناطق الخضراء نتيجة  عوامل عدة أو سلوكيات تزيد من نسبة فرص حدوث جفاف عام".
 
ورأت أن "معالجة هذا الملف تحتاج إلى قيام كل وزارة أو هيئة حكومية بالتزاماتها وبكل جدية من واقع صلاحياتها المخولة بها قانوناً"، داعية إلى "السرعة في تنفيذ توصياتها وذلك للحد من خطر تمدد الزحف الصحراوي وللحؤول دون وقوع جفاف عام سيضرب عصب الحياة ويهدد الأمن المائي والغذائي".
 
وكان "مركز كارنيغي للسلام الدولي"، لفت بلسان الباحث فريدريك ويري، إلى أن أزمة الحوكمة والانقسام السياسي والمؤسسي، والتوترات السياسية، والصراع المسلح، "فاقمت من هشاشة ليبيا أمام تداعيات تغير المناخ. كما أعاقت أي استجابة متماسكة للتخفيف من آثار الأزمة، وإمكان التكيف معها".
 
وحمل ويري في مقال نشره المركز قبل أيام، النخب السياسية والتشكيلات المسلحة في ليبيا "الجزء الأكبر من مسؤولية فشل مساعي التكيف مع تداعيات أزمة المناخ"، مؤكدا أن ليبيا من البلدان الأكثر عرضة للتداعيات السلبية للتغير المناخي، إذ تأتي في المرتبة الـ 126 من أصل 182 دولة في مؤشر البلدان الأكثر هشاشة، وهو ما ينعكس في ندرة المياه وموجات الحرارة المتتالية والجفاف المستمر.
 
وقال ويري: "في المناطق الثلاث التي شملها استطلاع أجريته، وهي الجبل الأخضر وجبل نفوسة وفزان، أجمع المشاركون على الإشارة إلى الدور الرئيسي للتشكيلات المسلحة في إضعاف القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية من خلال إدامة الصراع المسلح، وما ينتج منه من حركة نزوح سكانية، وتعطيل الأنشطة المناخية، وتدمير البنية التحتية".
 
كما أشار إلى "دور التشكيلات المسلحة في عرقلة أي جهود للتكيف مع أزمة المناخ بسبب سيطرتها على الوزارات والمؤسسات الرئيسية في شرق البلاد وغربها، وهو ما أسهم بشكل أكبر في الضعف المناخي من خلال الافتراس البيئي، وتحويل مساحات من الغابات إلى مشاريع أكثر ربحية لتبييض الأموال مثل الوحدات السكنية ومراكز التسوق والمنتجعات، مع بيع الأشجار المقطوعة لصناعة الفحم".
 
وتعد المنطقة في جنوب غربي فزان (جنوب غربي ليبيا)، الممتدة على مساحة أكثر من 200 ألف كيلومتر مربع، هي الأكثر جفافا وسخونة وقسوة في ليبيا، وتتميز بتضاريس صحراوية من الكثبان الرملية، والهضاب والجبال البركانية، ومجاري الأنهار الجافة، ومنخفضات الواحات.
 
وتتسبب ندرة المياه، في اذكاء الخلافات في الجنوب وتعظيم الشعور بالظلم لدى أهل المنطقة، وفق ويري الذي لفت إلى أن نقص المياه هو الخطر الأكثر إلحاحا في ما يتعلق بالمناخ في ليبيا، مشيرا إلى أنه يجرى سحب 80 في المئة على الأقل من إمدادات المياه الصالحة للشرب في البلاد من طبقات المياه الجوفية الأحفورية غير القابلة  للتجدد من خلال شبكة أنابيب النهر الصناعي، الذي يعاني بالفعل تدهورا في البنية التحتية، وتبخر المياه في المناطق المفتوحة، ومعدلات سحب غير مستدامة، وكذلك التوزيع غير المتساوي بين المدن الليبية. كما أشار إلى أن توفير المياه النظيفة الصالحة للاستخدام أصبح مصدرا للمنافسة السياسية والإقليمية والمجتمعية. كما أن استخدام النفط في توليد الكهرباء جعل ليبيا صاحبة أعلى معدل لانبعاثات الكربون للفرد في أفريقيا.
 
وسلط المقال الضوء على الانكماش الخطير في القطاع الزراعي في ليبيا، منذ العام 2011 بسبب التداعيات المتراكمة للصراع السياسي والمسلح، واضطراب سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع أسعار الإمدادات الزراعية، وغياب إمدادات مياه متجددة. ويمثل القطاع الزراعي مصدر الدخل الرئيسي لـ 22 في المئة من السكان في ليبيا. 
 

اقرأ في النهار Premium