قبيل أيام قليلة من احتفالات "العيد الكبير"، كما يطلق المغاربة على عيد الأضحى، ارتفعت المطالب بإلغاء هذه الشعيرة الدينية في هذا العام، بسبب موجة الجفاف التي تجتاح البلاد، وارتفاع الأسعار، وهو النقاش الذي ترجمته نتائج استطلاع حديث، أكّد أن قرابة نصف المغاربة (48 في المئة) يفضّلون عدم الاحتفال بعيد الأضحى في هذا العام، مقابل 44 في المئة يرغبون في ذلك، بينما يرى أكثر من النصف (57 في المئة) أن إلغاء الاحتفال بعيد الأضحى خلال العام الجاري يخفف عنهم "ضغطاً كبيراً".
سنّة مؤكّدة أو ضرورة اجتماعية؟
جواباً عن سؤال بشأن الدافع الأهم وراء التزام الاحتفال بعيد الاضحى، أكّد 82 في المئة من المشاركين في استطلاع أنجزه "المركز المغربي للمواطنة"، وكشف عن نتائجه الثلثاء، أن الاحتفال بهذه المناسبة "سُنّة في الدين الإسلامي"، في مقابل 16 في المئة يرون أنها "ضرورة اجتماعية"، لا أكثر.
في الوقت نفسه، اتفق 61 في المئة من المستجوبين مع فكرة أن دافع أغلبية الأسر للتضحية في هذا العيد "اجتماعي وليس دينياً"، في مقابل 26 في المئة عارضوا الفكرة. كما اتفق 60 في المئة من المستجوبين مع فكرة أن "الأسر المغربية لا تستطيع التخلّي عن اقتناء الأضحية حتى لا تحرم أطفالها من العيد على غرار الجيران"، مقابل 25 في المئة عارضوا الفكرة.
بخصوص التوقعات المتعلقة بأسعار الأضاحي في هذا العام، أكّد 85 في المئة من المستجوبين في استطلاع الرأي نفسه، أنها ستشهد ارتفاعاً مقارنة بالعام الماضي، فيما قال 55 في المئة إنهم يجدون صعوبة في توفير تكاليف شراء الأضحية. تبعاً لذلك، اعتبر 82 في المئة من المشاركين أنه كان على الحكومة تقديم الدعم المالي للأسر المعوزة لاقتناء الأضاحي بدلاً من منحه لمستوردي الأغنام، كما رأى 75 في المئة أن إجراءات الحكومة "لم تساهم في خفض أسعار الأضاحي في هذا العام".
وبحسب الاستطلاع ذاته، يشعر 63 في المئة من المغاربة بارتباط كبير بالعيد، فيما يشعر 23 في المئة بارتباط "إلى حدّ ما"، ولا يشعر 5 في المئة بأي ارتباط بهذا العيد. ويعتقد 75 في المئة أن الأضحى أهم مناسبة لتعزيز الروابط العائلية بين المغاربة في الوقت الحالي.
على صعيد آخر، 75.3 في المئة من المشاركين في الاستطلاع هم المسؤولون عن توفير مصاريف العيد (87 في المئة لدى الرجال و22 في المئة لدى النساء)، بينما يساهم 11.9 في المئة من المشاركين في توفير المصاريف (39 في المئة لدى النساء و6 في المئة لدى الرجال)، في حين أن 7.4 في المئة لا يساهمون في توفير مصاريف العيد (3 في المئة لدى الرجال و29 في المئة لدى النساء).
تغير في عادات المغاربة
نبّهت المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، في تقرير أصدرته الأربعاء، إلى مؤشرات جديدة تؤكّد تغيّر العادات عند المغاربة حيال واحدة من أكثر المناسبات الدينية –الاجتماعية قداسة، بسبب ارتفاع نسبة الأسر التي استغنت عن النحر في "العيد الكبير"، تحديداً في المدن. فبلغت هذه النسبة بين الأسر المكونة من شخص واحد 14,3 في المئة في المدن، مقابل 8,7 في المئة في القرى.
وبحسب التقديرات الرسمية، تمثل أضحية الأضحى الذي يحتفل به المغاربة الاثنين المقبل نحو 30 في المئة من إجمالي النفقات السنوية للأسر المغربية المخصصة لاستهلاك اللحوم (41 في المئة بين الأسر التي تنتمي إلى 10 في المئة الأقل يُسراً، و23 في المئة من بين الأسر الأكثر يسراً).
بخصوص متوسط الاستهلاك السنوي للأسر المغربية، فقدّرَته المندوبية بنحو 55,8 كيلوغراماً من اللحوم الحمراء، بينما يبلغ متوسط كمية اللحوم المستهلكة من أضحية عيد الأضحى 22,8 كيلوغراماً لكل أسرة، ما يمثل نحو 41 في المئة من الكمية السنوية من اللحوم الحمراء التي تستهلكها الأسر. وتبقى هذه النسبة ثابتة بحسب الإقامة، وتبلغ 65,4 في المئة بين 20 في المئة من الأسر الأقل يُسراً، و31,3 في المئة بين الأسر الأكثر يسراً.
الحكومة متمسكة بالعيد
تبدو الحكومة المغربية غير مقتنعة بمطالب إلغاء الاحتفال بعيد الأضحى، التي رفعها عدد من الناشطين المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب الغلاء وارتفاع أسعار الأضاحي، إذ قامت وزارة الفلاحة في خضم هذا النقاش المجتمعي، بفتح باب الاستيراد الموقت للأغنام، بهدف توفير الأضاحي اللازمة لهذه المناسبة الدينية.
وقال محمد الصديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية، أمام البرلمان، إن الحكومة حدّدت في البداية عدد الأغنام المستهدفة للاستيراد بـ 600 ألف رأس، لكن ربما يُرفع هذا العدد إلى مليون رأس، "إذا اقتضى الحال".
ومسألة إلغاء الاحتفالات بعيد الأضحى ليست جديدة على المغرب، إذ سبق اتخاذ الإجراء نفسه في ثلاث مناسبات سابقة، وبقرارات ملكية أجازت عدم نحر أضحية العيد: أولها في عام 1963، حين عرف المغرب أزمة اقتصادية نتيجة اندلاع حرب الرمال بينه وجارته الشرقية الجزائر على خلفية مشاكل مرتبطة بالحدود؛ وفي عام 1981 حين شهدت البلاد أزمة جفاف حادّة تقترب من التي يعيشها اليوم، دفعت العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني إلى إلغاء الاحتفال بالمناسبة، على الرغم من أن بعض المغاربة "تمرّدوا" على القرار ونحروا أضحية العيد بعيداً من عيون السلطات؛ وفي عام 1996 بسبب موجة جفاف حادة أيضاً ضربت البلاد، فخرج حينها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، عبد الكبير العلوي المدغري، ليتلو خطاباً نيابة عن الملك الحسن الثاني، جاء فيه أن "سنوات الجفاف التي مرّت بالمغرب، بخاصة عام 1995، تدفع إلى قرار إلغاء الأضاحي، وأن ذبح الأضحية سنّة مؤكّدة، لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنها أن تتسبب في ضرر محقق".