النهار

عيد الأضحى في الجزائر بلا "الهيدورة"... تقاليد تندثر
الجزائر - نبيل سليماني
المصدر: النهار العربي
لا حديث في عيد الأضحى لهذا العام في الجزائر، وللعام الثاني توالياً، سوى عن أسعار الأضاحي التي فاقت المعقول واحتار بشأنها الميسور كما المعسور، غير أن أعراف الجزائريين وتقاليدهم في هذه المناسبة أضحت هي الأخرى محل جدال بعدما اضمحل الكثير منها واندثرت أخرى، فيما لم يتبق منها إلا القليل.
عيد الأضحى في الجزائر بلا "الهيدورة"... تقاليد تندثر
تعبيرية.
A+   A-
لا حديث في عيد الأضحى لهذا العام في الجزائر، وللعام الثاني توالياً، سوى عن أسعار الأضاحي التي فاقت المعقول واحتار بشأنها الميسور كما المعسور، غير أن أعراف الجزائريين وتقاليدهم في هذه المناسبة أضحت هي الأخرى محل جدال بعدما اضمحل الكثير منها واندثرت أخرى، فيما لم يتبق منها إلا القليل.

مليكة، في السبعين من العمر، تروي لـ"النهار العربي" ما كانت تفعله النساء قبيل العيد وأثناءه وبعده، فتقول: "قديماً كنا لا يدخل علينا العيد إلا وجباه كباشنا ملتحفة ’الحناء’. الليلة التي تسبق أول أيام عيد الأضحى، تلتئم فيها كل العائلة الكبيرة، ويقوم كبيرها الذي هو الأب أو الجد إلى مكان مبيت الأضحية، فيسقيها ويمنع عنها الغذاء الكثير تحضيراً لنحرها". وتضيف أن البيت يكون عامراً والأطفال يصطفون ليأخذوا نصيبهم من الحناء في أيديهم. وتقول بحسرة: "كل هذا لا نراه اليوم إطلاقاً؛ حتى العيد لم يبقَ له طعم بذهاب هذه العادات".
وعمّا إذا كانت كل تلك العادات اندثرت أم بعضها فحسب تقول: "أغلبها وأهمها وأطيبها راح (ذهب)... تعالَ وانظر في صالون بيتي، لن تجد فيه أي هيدورة (جلد الأضحية)، ونحن الذين كنا لا نتوانى عن التباهي بها وبجمالها وسط البيت".

لا أثر لـ"الهيدورة"
كان جلد الأضحية من أثاث البيوت، بل كان كل رونقها، إذ يضفي عليها مسحة طبيعية جاذبة للعيون، بخاصة عندما تتوسط صالة الضيوف لتزين جلساتهم، لكنها اليوم لا أثر لها إلا في الشوارع وفي أماكن رمي النفايات.

"كانت جدتي تعتني جداً بجلد الأضحية"، تقول ابتسام (سيدة منزل)، لافتة إلى الاهتمام المميز الذي كانت توليه العائلات الجزائرية لكل ما هو طبيعي. وتضيف: "بمجرد إتمام عملية الذبح والسلخ تبدأ مهمة جدتي مع الهيدورة... أو جلد الأضحية. تصرخ في وجه أبي إذا قطع بسكينه جزءاً صغيراً منها؛ تضعها على أحد الرفوف مستقبلة أشعة الشمس، وقبل ذلك تقوم بتمليحها جيداً وتدعها على تلك الحال ليومين أو ثلاثة وأحياناً لأسبوع كامل حتى تجف".
 
تلك الهيدورة تغسل بعد ذلك وتصبح قطعة أساسية في البيت.

وتؤكد المتخصصة الاجتماعية ندى إسماعيل أن جلد الأضحية عُدّ في وقت من الأوقات موروثاً ثقافياً جزائرياً خالصاً، لما لها من طقوس تجعل منها أحد مقومات البيت الجزائري، علاوة على مكانتها التي تحظى بها لدى العائلات الجزائرية.

غير أن هذا الموروث أضحى من الماضي بسبب تغير نمط تعامل العائلات مع الهيدورة، تقول ندى إسماعيل، إذ كثيراً ما يتم التخلص منها لدواع عدة، على اعتبار التغيير الحاصل في النسيج الأسري داخل المجتمع، ووجود بدائل تزيينية، علاوة على الأسلوب الحياتي المختلف تماماً عن أسلوب حياة المرأة قديماً، بخاصة في المدن الكبرى، وفق ما تقول إسماعيل لـ"النهار العربي".

الحكومة تساهم في وأد "الهيدورة"!
ومنذ سنوات عدة، تقوم الحكومة بحملات توعوية قبيل عيد الأضحى، لجمع جلود الأضاحي والسير بها نحو مصانع النسيج والجلود لاستعمالها كمادة أولية، بالإضافة إلى الحفاظ على البيئة بعدم تركها في الشوارع ومكبات النفايات وغيرها، ما يجعل أمر تحللها سهلاً، وبالتالي الإضرار بالتربة وانتشار الروائح الكريهة وغيرها.

وجمعت وزارة الصناعة الجزائرية، بعد عيد الأضحى 2023، ما يربو عن مليوني وحدة من جلود الأضاحي، فيما تتطلع إلى استرجاع أكثر من مليونين ونصف مليون وحدة هذا العام، وهو الرقم الذي قد يصطدم بمعوقات عزوف أعداد كبيرة من المواطنين عن اقتناء أضحية العيد هذه السنة بسبب أسعارها الباهظة.

ويقول خبراء إن خسائر كبيرة كان يتكبدها قطاع النسيج خلال العقود الماضية بسبب ضعف التموين بالمواد الأولية، إضافة إلى ارتفاع أسعارها في السوق الدولية، وهو أمر أدى بالحكومات المتعاقبة إلى عدم الاهتمام الفعلي بهذا القطاع، إلى غاية الاهتداء إلى الشراكات الدولية وتطعيمها بالمادة الأولية ذات الجودة العالية المتمثلة في جلود الأضاحي من الخرفان والأبقار وغيرها، ما ساهم في نمو قطاع النسيج في الأعوام الأخيرة وبلوغه خلال السنة الماضية 2023، نسبة 5.7 في المئة من مساهمته في الناتج الداخلي الخام.

ويقول متخصصون اجتماعيون إن الحكومة، بقدر ما ساهمت في ترسيخ "عدم الاهتمام" الذي أضحت توليه العائلة الجزائرية لجلد الأضحية، دفعت إلى انتشار ثقافة مساهمة المواطن في تنمية اقتصاد بلاده؛ وهو معطى إيجابي قد يسترجع به المجتمع الجزائري الكثير من عاداته وتقاليده التي اندثرت مع مرور الأزمنة وتغير نمط المعيشة، بالإضافة إلى تغيير صورة أحياء وأزقة وشوارع مدن الجزائر عقب انتهاء عمليات النحر، إذ كثيراً ما امتلأت بجلود الخرفان مرمية على قارعة الطرق.

 

اقرأ في النهار Premium