النهار

"الدار الكبيرة" في الجزائر تجمع الأجيال أيام العيد في طقوس متوارثة
الجزائر-نهال دويب
المصدر: النهار العربي
لعيد الأضحى خصوصية كبيرة في المجتمع الجزائري، فهو يُعتبر أفضل أيام العام وأكثرها قداسة
"الدار الكبيرة" في الجزائر تجمع الأجيال أيام العيد في طقوس متوارثة
من مشاهد عيد الأضحى في الجزائر.
A+   A-
 
لعيد الأضحى خصوصية كبيرة في المجتمع الجزائري، فهو يُعتبر أفضل أيام العام وأكثرها قداسة. ونظراً الى أهمية هذه الأيام، يعمد الجزائريون إلى استغلالها مناسبة للالتقاء في "الدار الكبيرة"، وهي عادة روحية تجذّرت مع مرور الزمن، إذ تجمع العائلة في الدار الكبرى الأساسية لها.
 
لم يمنع كبر السن والتعب والمرض والأجواء الحارة الخالة لامية (في العقد السابع من عمرها) من التوجّه إلى أحد الأسواق الشعبية المحاذية لسكنها، بغية شراء كل ما يلزمها من أجل تحضير قصعة كبيرة من الكسكسي بلحم الخروف حتى يلتف حولها أبناؤها وأحفادها في ثاني أيام العيد. 
 
التاريخ يعيد نفسه 
تقول لامية لـ"النهار العربي" في حديثها عن العيد ورمزية "الدار الكبيرة"، إنها تترقّب حلول العيد على أحرّ من الجمر، ليعود أبناؤها الستة إلى حضنها كما كانوا صغاراً. وما يزيد من فرحتها رؤية أحفادها الصغار وهم يركضون مرحاً بألبستهم الجديدة وألعاب العيد، وهو ما كان يقوم به آباؤهم وهم صغار، فالذكريات تبقى متجددة عبقة بروح الأيام الخوالي وبساطتها وصفائها وبصلة الأرحام التي كانت تنير القلوب وتضيء المكان بنقاء النفوس. 
 
والجميل في الأمر أن "الكثير من العائلات تبقي البيت مفتوحاً طيلة أسبوع عيد الأضحى لاستقبال الضيوف والأقارب والجيران وتقاسم الحلويات والأطباق الشعبية التقليدية على غرار الكسكسي والشخشوخة".  
 
ولبيت العائلة الكبرى حضور قوي في الأمثال الشعبية مثل "اقصد الدار الكبيرة إذا ما تعشيتش (إذا لم تأكل) تبات دافئ (تقضي الليلة دافئاً)" للدلالة على حسن الاختيار. 
 
ويقول فادي تميم (في العقد الرابع من عمره) لـ"النهار العربي" إن "فرحة العيد لا تكتمل إلّا بقضائه بين أحضان البيت الكبير"، ويشير إلى أن "جمال العيد يكمن في تلاقي أفراد العائلة الكبيرة والأطباق والحلويات التقليدية الجزائرية التي تزين مائدة قهوة الصباح ومن ثم الجلوس إلى مائدة الإفطار التي يتمّ فيها تحضير البوزلوف المصنوعة من رأس الخروف وأرجله والعصبان المصنوعة من شحومه وكبده وكل ما له علاقة بالأحشاء، وأيضاً هناك طبق الملفوف، وهو من الأطباق السهلة التحضير، إذ يعتمد على تقطيع كبد الأضحية ثم يُقطع إلى أجزاء صغيرة يتمّ لفّها بالشحم وتُشوى على الجمر مع حبات طماطم وبصل وحار".
 
حنين إلى الزمن الجميل 
كثيرة هي الأسر الجزائرية التي فرّقتها ظروف الحياة بسبب تغير النمط الاجتماعي، ومعظمها ينتهز هذه المناسبة من أجل جمع الشتات والحفاظ على الترابط الأسري ونقل هذه العادات والتقاليد من جيل إلى آخر.
 
 
وما يزيد "الدار الكبيرة" جمالاً وبهاءً "أثاث البيت العتيق الذي يعود إلى الزمن الجميل كالأواني والتحف النحاسية التي لها مكانة خاصة في قلوب الجزائريين، والحصيرة المحبوكة المزخرفة وأواني الفخار التي تُستخدم لتقديم طبق الكسكسي المحضّر بلحم الخروف أو البقر أو الدجاج أو باللبن والزبيب"، يضيف تميم، ويوضح أن الكسكسي هو الطبق المفضّل لدى أغلب العائلات الجزائرية لأن تحضيره لا يتطلّب وقتاً وإمكانات كبيرة. 
 
بيت العائلة لدى أغلب الجزائريين مكان مقدّس، هكذا عبّر صالح رابح لـ"النهار العربي" لدى سؤاله عن المكان الذي يفضّل قضاء مناسبة العيد فيه، ويقول إن "الدار الكبيرة أصبحت في مجملها عند الجزائريين مجرد حنين لماض جميل، اذ كانت الملاذ والسقف الذي يجمع الأولاد والأحفاد في مناسبات الأفراح والأتراح، كانت ولا تزال قبلة للعيد التي يتغافر فيها أفراد العائلة قبل خروجهم إلى صلاة العيد والمسجد، فالدار كبيرة بكبر الجد والجدة وببسمات الأطفال مع إشراقة صبيحة العيد في طقوس اجتماعية تسمع فيها عبارة "عيدك مبروك"، ليكون الردّ "تعيدو وتزيدو ولعقوبة للعام الجاي"(عبارة يردّ بها على المهنئ بالعيد عندما يقول صح عيدكم) كأنها تتعاهد على أن تكون الجناح الذي يحمي ويفرح بالجميع عند كل مناسبة وعيد، حتى أنها لا تكتفي بالأولاد والأحفاد، لا سيما إن كانت تضمّ طاعنين بالسن فتصبح الدار الكبيرة للجيران والأقارب مهما بعد رحمهم".
 
مساحة لاسترجاع الذكريات 
"لا شيء يضاهي لمة الأهل في الدار الكبيرة"، يقول المتخصص في الشؤون الاجتماعية حسين زبير لـ"النهار العربي"، موضحاً أن "الدار لا تزال في الأعياد والمناسبات تجمع الأصول، وكل المجال المسكون يعبّر عن قصة وحكاية وحزن وفرح".  
 
ويعتقد زبير أن "بيت العائلة الكبرى لا يزال يختزن رصيداً من الذكريات الجميلة، ويربط الماضي الممثل في الأجداد وأماكن السكن بالمستقبل الممثل في الأحفاد، فهذه اللمة توفر الاعتراف لهم بهذا الامتداد إلى اسم عائلي واحد، لذلك يفضّل الكثيرون قضاء أيام العيد في البيت الكبير". 
 
ومن المنظور الاجتماعي، يرى زبير أن "قضاء العيد في البيت الكبير يوفر للأفراد الحماية الناجمة عن الانتساب إلى مجموعة اجتماعية معينة، وفي الحقيقة هي مناسبة للتعرف على الأحوال الاجتماعية والنفسية للأفراد". 
 

اقرأ في النهار Premium