مثّل إعلان السلطات الليبية بدء إجراءات الانتخابات البلدية، اختباراً لمدى قدرة البلد المنقسم على تنظيم الاستحقاقين الرئاسي والتشريعي على الصعيدين الأمني والسياسي.
وكانت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات اعلنت بدء تسجيل الناخبين لانتخابات المجالس البلدية، في خطوة تستمر حتى 23 من الشهر الجاري، وحظيت بدعم دولي.
ووفقاً للقرار، فإن الاقتراع سيُجرى على مرحلتين: الأولى تنطلق في 9 من الشهر المقبل، في 60 بلدية موزعة بين 31 في المنطقة الغربية، و12 في المنطقة الشرقية، و17 في المنطقة الجنوبية، على ان تُجرى المرحلة الثانية في 46 بلدية عقب إعلان النتائج النهائية لانتخابات المرحلة الأولى، المتوقع في النصف الثاني من آب (أغسطس) المقبل.
خطوة نحو الاستحقاقات الكبرى؟
وقد يشجع إتمام الاستحقاق البلدي من دون عراقيل، خصوصاً على الصعيد الأمني، الأطراف المحلية والدولية على الضغط باتجاه إنجاز الاستحقاقات السياسية المعطلة منذ العام 2011 تحت مظلة الحكومتين المتصارعتين، وتخطّي عقبة توحيد السلطة التنفيذية.
لكن هذه العقبة ليست الوحيدة في ظل خلافات محتدمة بشأن شروط الترشح للرئاسة. ووفقاً لمصادر مطلعة تحدثت الى "النهار العربي"، فإن إنجاز الانتخابات البلدية "يرفع من أسهم طرح كانت تطالب به قوى محلية ودولية بانتخاب برلمان جديد بغرفتيه، تحت إشراف الحكومتين، على أن تُرحّل مسألة الرئاسيات في مرحلة لاحقة قد يسبقها الاستفتاء على دستور جديد ينظّم شروط الترشح فيها". وأوضحت ان هذا الطرح "يمنح ليبيا سلطة تشريعية منتخبة قادرة على تعيين حكومة جديدة ذات صدقية دولية، وهو ما يحل غالبية الملفات العالقة".
عقبات إجرائية وتمويلية
عضو مفوضية الانتخابات الليبية عبد الحكيم شعاب كشف عن تحدّيات تواجه انجاز الانتخابات البلدية "في ظل الظروف التي تمرّ فيها ليبيا". وأوضح لـ"النهار العربي" أن الانتخابات البلدية "كان يفترض إجراؤها مطلع العام الجاري، لكن نظراً الى بعض التحدّيات الأمنية واللوجستية تمّ إرجاؤها"، مشيراً إلى أن معضلة ضعف التمويل "لم تتح المجال لإجراء الاستحقاق على مرحلة واحدة". وقال: "نتمنى مشاركة الجميع في نجاح هذا الاستحقاق في ظل الظروف الاستثنائية، ما يُشجّع على إنجاز باقي الاستحقاقات الدستورية وذهاب البلاد نحو التداول السلمي للسلطة". ورأى أن المجالس المحلية "مهمّة للمواطن الليبي، إذ انها تشارك في رقابة الأجهزة التنفيذية وحل المشاكل المعيشية التي يعانيها بشكل يومي".
وكانت مفوضية الانتخابات أوضحت في بيان، أن التسجيل لانتخابات المجالس البلدية هو تسجيل جديد كُلياً، ويقوم على أساس الإقامة في البلدية التي سينتخب فيها مقدم الطلب. وعقب الانتهاء من هذه المرحلة، من المقرّر أن تشرع المفوضية في تنفيذ مرحلة توزيع البطاقات على المسجّلين الجدد الذين لم يحصلوا على البطاقة في السابق. ولفتت إلى أن البطاقات الانتخابية التي وُزعت العام 2021 تُعتبر سارية المفعول، وسيُعمل بها في انتخابات المجالس البلدية، للتحقق من هوية الناخب يوم الاقتراع.
ودعت المفوضية مواطني البلديات المستهدفة بالعملية الانتخابية إلى "ممارسة حقهم في تقرير مَن سيتحمّل مسؤولية إدارة شؤون بلدياتهم، والإيفاء بمطالبهم واحتياجاتهم". كما حضّت مؤسسات الدولة ومسؤوليها على تقديم الدعم اللازم لنجاح هذه الانتخابات.
"ليست كالتشريعية والرئاسية"
الخبير في الشأن السياسي الليبي إبراهيم الغرياني أكّد أن بدء اجراءات الانتخابات البلدية "خطوة جيدة لكن يجب أن نميز بينها وبين الاستحقاقين الرئاسي والتشريعي، لأن البلديات أقل حدّة في الصراع"، لافتاً لـ"النهار العربي" إلى أن "مفوضية الانتخابات ليست عاجزة عن تنظيم الانتخابات، ولديها الإمكانات والخبرة الكافية، لكن ما يعطّل الأمر صراعات المتحكمين في السلطة، والذين سيشتركون في المنافسة. وهذه الإشكالية تحتاج إلى توافق بين كل الأطراف يضمن مشاركة الجميع من دون إقصاء أي طرف، وهو ما لم تصل إليه ليبيا". وأضاف: "سيظل الأمل حاضراً في اجراء انتخابات كوسيلة وحيدة لانتاج سلطة شرعية، وهي الحل في تداول السلطة وانهاء الانقسام".
دعم أممي وأميركي
وفي إشارة إلى الزخم الذي تكتسبه تلك الخطوة، كانت نائبة الموفد الأممي إلى ليبيا ستيفاني خوري عقدت اجتماعاً في أواخر أيار (مايو) مع مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، بحثا خلاله في "التحدّيات التي تواجه مشروع دعم انتخاب المجالس البلدية الذي يتولّى إدارته برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، واتخاذ القرارات العاجلة بشأن الدفع بالمشروع لدعم العملية".
وأشار بيان عن المفوضية حينذاك إلى أن السايح وخوري ناقشا الإجراءات المتعلقة بالتحضير لانتخابات المجالس البلدية، كما بحث الجانبان مواقف الأطراف السياسية من العملية الانتخابية عموماً، وانتخابات المجالس البلدية على وجه الخصوص وما لهذه المواقف من تأثير على إمكان تنفيذها، وفرص نجاحها.
إلى ذلك، سارع الموفد الأميركي إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، إلى الترحيب بانطلاق اجراء الانتخابات البلدية، معتبراً أن هذا الاستحقاق "يمثل فرصة حيوية لإظهار سلامة بنية ليبيا التحتية للانتخابات، وطريقة لإشراك الشعب الليبي في أهم المسائل بالنسبة إليه، وفرصة للمجتمعات المحلية لتنتخب قادتها المحليين". وتوقع أن تمثل الانتخابات البلدية الناجحة "دليلاً على قدرة ليبيا على إجراء انتخابات وطنية".